"شركاء الأمس فرقاء اليوم"، هكذا كان المشهد النهائي لثورة 23 يوليو وما تلاها على صعيد العلاقات التي توترت بين الرئيس الراحل محمد نجيب والزعيم جمال عبد الناصر. اللواء أركان حرب محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953، كما يعد قائدً لثورة 23يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر. وفي تلك الأثناء اندلعت خلافات بين نجيب ومجلس قيادة الثورة, أدت في النهاية إلى الإطاحة به في 14 من نوفمبر عام 1954. كانت أولى أيام نجيب في الرئاسة، مفعمة بالمشاكل والصدام خاصة مع رغبة عبد الناصر في تعيين صديقه عبدالحكيم عامر قائدًا عامًا للقوات المسلحة وترقيته مباشرة من رتبة صاغ إلى رتبة لواء. وهذا القرار كان يتعارض مع قواعد الجيش بسبب تخطيه العديد من الرتب ويتعدى على نظام الأقدمية، لكن في النهاية وبعد ضغوط كبيرة وافق وأصدر نجيب قرارًا بتعيين عامر. كان القرار نقطة تحول بالنسبة لنجيب، حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات، وأصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة، مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى وتعزز الخلاف بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية. لكنه رأى أن مجلس القيادة متشبث في السلطة, وليس لدية رغبة في العودة إلى الثكنات العسكرية مجددًا. في 22 فبراير 1954، قدم نجيب استقالته، وقال فيها:" يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية. ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها". وفي 25 فبراير من العام نفسه، أصدر مجلس قيادة الثورة بيان إقالة محمد نجيب، وادعى البيان أنه طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس. وخرجت مظاهرات حاشدة تطال بعودة نجيب للحكم, وتداركًا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانًا في 27 فبراير 1954 جاء فيه: "حفاظًا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسًا للجمهورية وقد وافق سيادته على ذلك"، وعاد نجيب مجددًا إلى منصبه. وبالرغم من بيان مجلس الثورة الذي اتسم بعدائية واضحة، إلا أنه لم يتخذ قرارًا بهذا الشأن، حتى أن اليوزباشي رياض قائد الحرس الخاص بنجيب عرض عليه التحرك والتحفظ على أعضاء مجلس قيادة الثورة. غير أن نجيب رفض الفكرة منعًا للصدام المباشر، وإن كان قد صرح لاحقًا عقب نكسة 1967 بأنه نادم بشدة على عدم حسم هذا الأمر في وقته، حيث كان يتمتع بشعبية كبرى وولاء العديد من القيادات له. وفي 14 نوفمبر 1954، أجبر مجلس قيادة الثورة، نجيب على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيدًا عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له. وظل معزولاً عن العالم حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس أنور السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعًا من الظهور الإعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984. بالرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لنجيب، إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شُطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تمامًا طوال ثلاثين عامًا حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي. وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور من جديد وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، وفي عام 2013 منحت عائلته قلادة النيل العظمى.