هل الإسلام قادر على إقامة حضارة حياتية راقية؟ إلى كل المشككين فى ذلك، وإلى كل من يتحدثون باسم الدولة المدنية، نقول لمن لا يقرءون التاريخ وجل همهم التشكيك فى سمو رسالة الإسلام، إن الإسلام أقام صروحًا شهد لها القاصى والدانى فى كل مكوناتها، استبق حضارات الغرب جميعها، فى إقامة مدن حضارية مبهرة، ولنرى معًا مثالاً بسيطًا على ما شيده الإسلام، وعلى ما كانت عليه مدينة قرطبة فى الأندلس عام 350 هجرية تحت فترة الحكم الإسلامى، منذ أكثر من 1000 سنة، وليكن لك عزيزى القارئ فيما بعد الحكم والتقييم، فقد كان فى مدينة قرطبة 28 ضاحية و28 حيًا، وفيها 13 ألف دار أو فيلا بمسمانا الحديث، قطنها نصف مليون مواطن فى ذاك الوقت، احتلت من خلالهم المرتبة الثانية من حيث تعداد السكان بعد بغداد، التى كان يسكنها 3 ملايين نسمة، وقبل مدينة أشبيلية الإسلامية التى كان بها 400 ألف شخص، كان العالم حين ذاك يطلق عليها "جوهرة العالم "، حيث كان كل من يريد أن يشاهد شيئاً حضاريًا من المسلمين وغيرهم، أن يذهبوا ليشاهدوا مدينة قرطبة أو مدينة الزهراء وهى فرع من فروع قرطبة، كانوا يذهبون ليشاهدوا قنطرة ومسجد ومكتبة وجامعة قرطبة، كانوا يذهبون ليروا شوارع قرطبة المرصوفة بالحجر والمضاءة ليلاً، فى حين أن لدينا فى القرن الواحد والعشرين بعض المدن أو القرى غير مضاءة، وبهذا فإن أعظم مدن العلم، وأكثر المدن كثافة وحضارة كانت المدن الإسلامية، ولك أن تتخيل أيضا أن يكون فى قرطبة فى ذلك الوقت أسواق متخصصة للسلاح، والذهب، والأوراق، والصناعات الكيمائية، والأدوية، والكتب والزهور، حتى أن الزهور والحيوانات النادرة كانت لها سوق خاص، فقد كانت أكثر مدن العالم علوٌا فى المجالين الاقتصادى والعلمى، فقد شيُدت فيها الجامعة الأموية وجامعة قرطبة وهى أعظم جامعات العالم، وجميعا نعرف الرسالة المشهورة التى بعث بها ملك إنجلترا إلى أحد حكام المسلمين هشام بن عبد الرحمن الثانى فى الأندلس والتى كان يرجوه فيها بأن يعلم ابنته ومجموعة من علماء إنجلترا العلوم فى جامعة قرطبة، والتى ختمها بتوقيع " خادمكم المطيع ملك إنجلترا" وإلى من يتحدثون عن المدنية دون دراية بما كان عليه حال الإسلام من هذا المصطلح، فهل يتخيلون إنه كان فى قرطبة 3000 مسجد و 50 مستشفى فى حين أن باريس عاصمة الدولة الفرنسية عرفت طريق المستشفيات بعد 700 عام من وجودها فى قرطبة ، وبعد 900 عام من المستشفى الإسلامى الأول فى دمشق ، ولك مثالاً آخر عزيزى القارئ فيما كانت عليه مدينة فاس سنة 600 هجرية أى قبل أكثر من 800 سنة من الآن، والتى كانت من المدن الصناعية الأولى فى العالم ، حيث كان فيها أكثر من 3000 مصنع لنسج الثياب وبالضبط 3064، و 47 مصنعًا للصابون، و 86 مصنعًا لدبغ الجلود، و116 دارًا للطباعة، و12مصنعًا لتسبيك الحديد والنحاس، و11 مصنعًا للزجاج ، و 135 مصنعًا للجير الذى كان يستخدم فى الطلاء ، و400 مصنع للورق ، و 188 مصنعا للفخار، و 200 مكتبة لبيع الكتب، وهذه فقط مجرد أمثلة وصفحات بسيطة جدًا جدًا من حضارة المسلمين، لكن أين نحن من حضارة المسلمين العلمية التى لا يتسع المجال هنا لتسليط الضوء عليها، فالحضارة الإسلامية كانت فعلا حضارة تجمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة، وبين بناء المصانع وبناء الإنسان، وبين المادة والروح ، وبين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، فكانت فعلا حضارة متميزة ومختلفة عن غيرها من الحضارات وختاما أين أنتم يا مدعو الدولة المدنية من مدنية الإسلام ؟