الجلوس فى حضرة النخبة من مثقفى الوطن وقياداته الفكرية يشعرك أنك فى مشهد من فيلم عربى قديم من تلك الأفلام الوطنية التى تتردد فيها العبارات البراقة الرنانة عن النضال والروح الثورية والثبات على المبدأ والعمل من أجل تحقيق المبادئ ضد الانتهازيين وأصحاب المصالح والعملاء. إن الكلام بهذه الطريقة يجعل الجو من حولك تسرى فيه موجات من العزة والكرامة، فها أنت تجلس منافحًا عن الفقراء والمطحونين ومناديًا بشعارات كبيرة وعظيمة، دعك من أن ذلك يتم فى قاعة مكيفة فى فندق خمس نجوم المهم التوصل لنتيجة توافق وطنى فتلك النخبة المؤثرة فكريًا وجماهيريًا لو اتفقت ستدفع بالعجلة للأمام ولو بضعة خطوات نحتاجها للخروج من المأزق. ولكن تدريجيًا تتكشف المواقف وتسفر الوجوه لتجد أن القلة من هؤلاء هم حقيقيون ومبدأيون ويحاولون فعلاً مهما بدت محاولتهم مستحيلة، أما الغالبية فقد جاء كل منهم يحمل قناعاته الخاصة والتى لن يغيرها أبدًا؛ لأنها ليست فقط حصيلة تيار فكرى عاش فى ظله عمره كله حتى تشبع به ومن الصعب أن ينفصل عنه، ولكن أيضًا لأن مصلحته ومنفعته الشخصية ترتبط بموقفه. كان السؤال المطروح هذه المرة بسيطًا فيما يبدو ولا يحتمل الكلام الكثير كان السؤال هو: من هو مرشحك الرئاسى الذى سوف تعطيه صوتك وتدعمه وتدعو الناس للاصطفاف خلفه؟ وهل يمكن الاتفاق على مرشح بعينه لطرحه على الناس لمساعدتهم فى الخروج من البلبلة، خاصة أن الوقت أزف؟ كان البعض صريحًا شجاعًا وأعلن تأييده ودعمه للدكتور محمد مرسى بشكل محسوم وعلى رأسهم أستاذى الدكتور حسن نافعة الذى لاقى العنت فى إدارة الحوار لرفض ممثلى حزب التجمع لكلامه بدعوى أنه يحاول أن يفرض رأيه على الحضور، فى حين أيده عدد من الشخصيات المحترمة أذكر منهم كمال حبيب وعبد الرحمن يوسف ومحمد سيف الدولة وسمير عليش ووائل قنديل وغيرهم. نسبة كبيرة أبدت رأيها بأنهم مع حملة (مبطلون)، أى أنهم سيدعون الناس للتوجه للانتخاب وإبطال أصواتهم مع ذكر السبب أن الثورة مستمرة وهؤلاء كانوا يتحدثون بحماس زائد؛ وذلك للتغطية على أهدافهم الحقيقية من تلك الدعوة التى بدأت تجد صدى لدى البعض. إن هؤلاء فى الحقيقة ليسوا مبطلين بل مشفقون، بمعنى أنهم يؤيدون شفيق ولا يحبون التصريح بذلك؛ لأنه يتعارض مع مواقفهم الثورية المعلنة، كما أنهم سوف يوجهون الناس فى دوائرهم الخاصة بالتصويت لشفيق ويحققون فائدة أخرى هى سحب جزء من الكتلة التصويتية الحائرة من تأييد مرسى، بمعنى أنه لو صدقهم البعض وأبطل صوته فإن ذلك سيشكل خصمًا من رصيد مرسى. دار الحديث أيضًا عن (التيار الثالث) والمقصود به كتلة المصريين الذين صوتوا لأبو الفتوح وحمدين، والذين يتسمون بأنهم ليسوا إخوانًا ولا حزب وطنى، كما أن التنوع فى الانتماء والرغبة فى التغيير والروح الثورية سمات مشتركة بينهم وهذا التيار تشكل وخرج من رحم الثورة ويعد معبرًا عنها، كلام جميل ولكن كيف سيتم جمع عقد هؤلاء الناس وتحويلهم لجبهة مؤثرة؟ هذا السؤال يكشف مأزق النخبة المثقفة فهم لا يملكون قنوات اتصال وتواصل مع طبقات الشعب المختلفة، خاصة الطبقة الكادحة وفئات الفلاحين والعمال فى الصعيد والدلتا وحتى الطبقة الوسطى المتعلمة، المشكلة أن غالبية الناس فى مصر تسعى لأكل عيشها كما يقال ولا تملك ترف تبادل الأفكار ومناقشتها، الناس تريد حلولاً تنموية تنزل إليها على أرض الشارع؛ لتساعدهم فى الارتفاع بمستوى معيشتهم وتعينهم على تعليم وتربية أولادهم وربط ذلك برفع الوعى لديهم. أما الانتخابات فنسأل الله العظيم أن تتم بنزاهة وشفافية، وليس أمام أى وطنى مخلص إلا الاصطفاف بقوة وراء الدكتور محمد مرسى، وإذا قال أحد أمامك أنه من (مبطلون)، فاعلم أنه فى الحقيقة (مشفقون).