عودة حركة الإخوان المسلمين القوية إلي الساحة السياسية الرسمية من خلال هذه النتائج في الانتخابات البرلمانية سواء في مرحلتها الأولي أو الثانية أو ما هو متوقع لاحقا من المرحلة الثالثة لا تعني شيئا بقدر ما تعني أنه في عالم السياسة وصراع الأفكار لا يمكن للقمع والملاحقات والسجن أن تنهي حركة سياسية إذا كانت ضاربة الجذور في المجتمع ومصرة علي هويتها الواضحة وعلي أن يكون لها موقع علي الخارطة الحزبية. يقال هذا الكلام بغض النظر عن الاتفاق من عدمه مع أفكار هذا التيار وأطروحاته في السياسة والمجتمع والكثير منها يحتاج فعلا إلي نقاشات واسعة بعيدا عن أي ادعاء باحتكار الحقيقة أو بالامتلاك الحصري للإسلام والنطق باسمه. المسألة الأخري هي فشل ذلك التخويف الذي مورس لسنوات من بعض الحكومات العربية ومن بينها المصرية من اللجوء إلي البديل الإسلامي، علي أساس أن التمسك بهذه الحكومات علي عيوبها وفسادها أفضل بكثير من وصول قوم سيصادرون كل شيء ويحيلون البلد إلي ثكنة ملتحين ومحجبات. سبب هذا الفشل لا يعود علي الأغلب لاستحسان مشروع الإسلاميين وكثير منه غير معروف بدقة أو حتي مخيف فعلا ولكن مرد هذا الفشل علي الأرجح أن كثيرين باتوا يؤيدون الصوت المعارض القوي فقط إعرابا عن احتجاجهم من الوضع القائم ونكاية في المسؤولين عنه. في المقابل لا بد من الإشادة بالنضج الذي أبدته حركة الإخوان المسلمين في مصر حين قررت ألا تترشح في كل الدوائر وبنفس أعداد مرشحي الحزب الوطني الحاكم ولجأت في المقابل إلي منافسة لا تستفز فيها السلطة بالكامل كما فعلت مثلا الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي حين أخافت المجتمع الدولي بانتصارها الكاسح أو في سياق مختلف طبعا حركة النهضة التونسية عام 1989 حين أعطتها النتائج الرسمية كمرشحين مستقلين 17% من الأصوات لم تمكنها مع ذلك من أي مقعد بحكم القانون الانتخابي التونسي وقتها. طبعا، نحن نتحدث هنا عن حركات إسلامية ارتضت بالاحتكام إلي صناديق الاقتراع والعمل السلمي والتداول الديمقراطي علي الحكم رغم كل يعتري هذا السبيل من معوقات قد تدفع بعضهم للكفر بالأساليب السلمية نهجا للتغيير، وليس عن حركات تكفر المجتمع ولا تتبني سوي الأعمال الدموية المستنكرة. هذا التفريق الضروري، الذي يتعمد كثيرون بالمناسبة إلي طمسه تبريرا لاستمرار القمع ضد الكل، هو ما استقر عليه الآن كثيرون سواء من مراكز البحث أو القرار في كثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. من هنا لم يعد غريبا أن تجد مركزا محترما كمجموعة الأزمات في بروكسيل يطالب من خلال دراسات ميدانية رصينة ومتوازنة الحكومة المصرية بالاعتراف القانوني بحركة الإخوان وعديد بات يري الآن أن تشجيع الإسلام السياسي المعتدل هو الطريق الوحيد لمحاصرة التيار الآخر العنيف الرافض لأي حوار أو تسويات. المحاصرة هنا لا تعني بالضرورة القضاء المبرم ذلك أن تجارب إقحام التيارات الإسلامية في الحياة السياسية في المغرب مثلا أو الأردن أو اليمن لم يقض بالكامل علي تيارات جهادية متطرفة مهما كانت محدودة الانتشار ولكن التفكير السليم علم كثيرين دائما أن الوقاية أفضل من العلاج، الوقاية المرنة والمدروسة والديمقراطية كذلك وليس الوقاية التي تري من الأفضل أن نبيد هؤلاء الإسلاميين جميعا بمختلف تلويناتهم حتي نهنأ بنعيم الديمقراطية الذي نعيشه في ظلهم. دام ظلهم!! ----- صحيفة القدس العربي اللندنية في 23 -11 -2005