- التقدم التقني وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي شكلا صعوبة بالغة في إمكانية السيطرة على ضبط الفتوى - لا يصح الترويج للأقوال الضعيفة والشاذة وطرحها على الجمهور قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه يجب الحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة لأنها تضر المجتمعات، في سياق تعليقه على فتاوى أثارت جدلاً في مصر خلال الآونة الأخيرة، من بينها جواز المعاشرة الجنسية للزوجة الميتة، وكذا معاشرة البهائم، على رأي بعض الفقهاء، كما أشارا إلى ذلك أستاذان بجامعة الأزهر. وأضاف الطيب، إن "علماء الأمة وضعوا للفتوى ضوابط وقواعد وآدابًا، وأوجبوا على المفتِين مراعاتها عند القيام بالنظر في النوازل والمستجدات، رعاية لمقام الفتوى العالي من الشريعة، وإحاطة له بسياج الحماية من عبث الجهلة والأدعياء". وخلال مقال نشرته صحيفة "صوت الأزهر"، اليوم فرَّق الطيب بين "فقه التيسير -في الشريعة- المبني على اليسر ورفع الحرج والمنضبط بضوابط المعقول والمنقول، وبين منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير واتباع الرخص وشواذ الآراء، أو التصدي لمسائل وقضايا لا تتناسب مع طبيعة العصر، ولا تنسجم مع النفس الإنسانية السوية، حتى لو وجدنا بعض هذه المسائل في كتب التراث على سبيل التمثيل أو الافتراض". وأكد أنه "لا ينبغي لمن يتصدى للإفتاء - تحت ضغط الواقع - أن يضحى بالثوابت والمسلمات، أو يتنازل عن الأصول والقطعيات بالتماس التخريجات والتأويلات التي لا تشهد لها أصول الشريعة ومقاصدها". وأوضح أن "الرخص الشرعية الثابتة بالقرآن والسنة لا بأس من العمل بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، ولكن تتبع رخص المذاهب واعتماد الفتاوى الشاذة منهج خاطئ، يتنزه عنه العالم الثبت والمفتي المتمكن". لكنه شدد على أنه "لا يصح الترويج للأقوال الضعيفة والشاذة والمرجوحة، المبثوثة في كتب التراث، وطرحها على الجمهور، فهذا منهج يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة الذين أجمعوا على ترك العمل بالأقوال الشاذة". وذكر أن "الفقهاء قالوا بوجوب الحجر على السفيه الذي يبدد ماله ولا يصرفه في مساراته الصحيحة، وكذلك الحال بالنسبة لمدعي الإفتاء يجب الحجر عليه، لأنه مستهين بالعلم، متبع للهوى، غير ملتزم بما ورد في القرآن الكريم وفى السنة النبوية وبما أجمع عليه المسلمون، ولم يراع أصول الاستنباط السليم". وأشار شيخ الأزهر إلى أن "التقدم التقني وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي شكلا صعوبة بالغة في إمكانية السيطرة على ضبط الفتوى، وصعبا على طالب الفتوى القدرة على فرز الغث من السمين من بين ما يقال، وأصبح هذا الوضع يشكل عبئًا كبيرًا على العلماء الذين يؤدون رسالتهم بإخلاص وخشية من الله سبحانه، لا يخافون سواه، ولا يبيعون دينهم ولا يتاجرون بعلمهم". وأضاف أنه "من المؤسف حدوث انفصال بين مقاصد الشريعة الإسلامية، وبين ما نعيشه على أرض الواقع، ونحن نعتقد أن الواقع والعرف لابد أن يُراعيا في فقه الأحكام الشرعية، لكي لا يحدث انفصال بين الواقع وبين الشرع". وأوضح شيخ الأزهر أنه "ليس كل منتسب للأزهر يعبر عن صوته، فبعض ممن ينتسبون إلى الأزهر الشريف يحيدون عن منهجه العلمي المنضبط، ونحن نقول للمسلمين: "إن الأزهر الشريف ليس مسؤولًا عن هؤلاء الشاردين عنه". وذكر الطيب أن "الهيئات المخولة بتبليغ الأحكام للناس أو بيان الحكم الشرعي فيما يثار من قضايا أو مشكلات تواجه المجتمع على أساس شرعي هي: "الهيئة الكبرى هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"، ولا يكون ذلك لفرد أو أفراد، وحذر شيخ الأزهر من "اختيار المسلم الحكم الشرعي بمزاجه مستفتيًا قلبه، لأنه من المعلوم أن الإنسان يميل قلبه إلى ما يحقق له رغباته ومصالحه الشخصية، وإذا كان كل شيء سيستفتي فيه المسلم نفسه، فماذا نصنع بقول الله تعالى" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وأين نضعه"؟. واختتم بالتأكيد على "ضرورة الحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة، لأنها تضر المجتمعات"، منوهًا إلى أن "الدستور والقانون خولا لهيئة كبار العلماء الاختصاص بالبت في القضايا الشرعية، وفيما قد تختلف فيه دار الإفتاء مع مجمع البحوث من أحكام شرعية، وهذا موجود في كل العالم الذي يحترم العلم والدين والفقه، ولا يعرض أحكام الدين كسلعة تعرض في البرامج والسهرات التليفزيونية". يشار إلى أن الدكتور أحمد حسني، رئيس جامعة الأزهر كان قد أحال إلى التحقيق الدكتور صبري عبدالرؤوف، الأستاذ بجامعة الأزهر على خلفية فتواه حول جواز المعاشرة الجنسية للزوجة المتوفاة، وكذا الدكتورة سعاد صالح الأستاذ بجامعة الأزهر حول وجود رأي للفقهاء يبيح معاشرة البهائم، ما أثار جدلاً واسعًا في مصر خلال الأيام الماضية.