أمس الأول، لم تكن محاكمة القرن، وإنما مهرجان البراءة للجميع، الذى حكمت فيه المحكمة بإعدام الثورة رمياً برصاص من قتلوا المتظاهرين وبالسجن المؤقت للمخلوع ووزير داخليته وبإعطاء فرصة جيدة لجمال وعلاء لبداية حياة سياسية جديدة والاستمتاع بما تم تهريبه من أموال وببراءة مساعدى العادلى لاستكمال قتل ما تبقى من ثوار وبراءة حسين سالم غيابياً لينعم بأموالنا بالشمس الدافئة على شواطئ إسبانيا وفتياتها الحسان. وتتجلى العبقرية فى توقيتات الجلسات، وخاصةً جلسة النطق بالحكم التى أريد لها أن تكون فى وقت حرج بالنسبة لانتخابات الرئاسة ليتم الاستفادة ببعض فقرات الحكم ضد المخلوع لدعم رئيس وزرائه بالثقة فى مرحلة الإعادة أو الحيلولة دون اكتمالها. والواضح جداً أن الحكم سياسى بالدرجة الأولى لذا أستنتج أن السيناريو الكامل هو الحكم على المخلوع ووزير داخليته بالمؤبد مؤقتاً للتأثير على بسطاء الشارع المصرى وإيهامهم بأن نظام مبارك قد انتهى بلا رجعة، وأن الثورة قد أسقطت النظام وأن مرشح البونبونى لا ينتمى للنظام البائد، وأن الناس ظلموه كثيراً بالربط بينه وبين مبارك، وبذلك يتم دعم مرشح البونبونى فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة ليفوز بسبب انسياق البسطاء وراء تلك الادعاءات التى تروج لها قنوات الفلول ثم يتم نقض الحكم وتعاد المحاكمة أمام دائرة جديدة بإجراءات جديدة يحصل بعدها مبارك على البراءة والعادلى على حكم مخفف، وإن مات مبارك قبل الإعادة فستكون فرصة طيبة لحملة شفيق للعب على أوتار عاطفة الشعب المصرى التى ينخدع بسطاؤه بدموع التماسيح. وفى نفس الوقت، حصل جمال وعلاء على براءة من تلك القضية التى لا يجوز التصالح فيها، وتبقى لهما قضايا يجوز التصالح مالياً ليخرجا من محبسهما للاستمتاع بالأموال المهربة والاستغناء عن بعضها لتدمير ما قد يتبقى من الدولة المصرية، ولا مانع أن مرشح البونبونى مجرد محلل ليرأس جمال مبارك مصر بعد أربع سنوات قادمة. براءة مساعدى العادلى وهم الأيدى الفاعلة التى كانت تقتل المعارضين وتعتقل الشرفاء وتنتهك الأعراض وتؤسس أركان الدولة البوليسية، التى ثار الشعب عليها فيها، تصريح بالقتل وتصريح بالفجر وشيك على بياض لبعض رجال الشرطة ممن لا يراعون ضمائرهم أن مصر بهذا الحكم أصبحت مستباحة لكم، ما دام الجبل قد تمخض وولد فأراً كسيحاً. ولبراءة مساعدى العادلى أبعاد أخرى، فهى صك للفلول والفاسدين فى كل مكان والذين يملكون القرارات فى معظم هيئات ومؤسسات الدولة والمصالح الحكومية ينخرون فى عظامها، لأن يفعلوا ما شاءوا من سرقة ونهب ومخالفة للقانون، فلن يقتص منهم أحد، ولن يكون موقفهم أصعب من موقف مساعدى العادلى، "وهذا يتطلب منهم أن يشدوا حيلهم شوية عشان ينجح شفيق ويحافظوا على العز إللى هما فيه". وأخيراً الحكم محبط، وإن لم نتدارك آثاره ونتعامل معها بحزم وعقل فستكون العاقبة حصول مبارك على البراءة بعد النقض وإعادة المحاكمة وحصول العادلى على حكم مخفف بعد فوز مرشح الفلول الذى كثر ضربه بالحذاء وجمال مبارك سيكون رئيس الجمهورية بعد القادم وعلاء مبارك سيكون أكبر رجل أعمال فى أوروبا بأموالنا والدولة البوليسية ستعود وستغلق الأحزاب فيما عدا الكرتونية وسيعتقل المعارضون وستغلق كل الصحف والفضائيات عدا ما يخص الفلول. [email protected]