تواجه دار الإفتاء التونسية أزمة كبيرة بعد إصدارها بيانا تساند فيه مقترحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي والذي يطالب فيه بمساواة المرأة بالرجل في الميراث وزواج المسلمة من غير المسلم، حيث هاجم الأئمة وخطباء المساجد المفتي التونسي مطالبين بإقالته من منصبه. وعلي نفس النهج صار نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للضغط على الحكومة التونسية بإقالة المفتي. وقال الكاتب العام لنقابة الأئمة، الفاضل عاشور، إن ديوان الإفتاء "دخل في حملة انتخابية مبكرة لجهة سياسية معينة، في إشارة إلى حركة نداء تونس، مستنكرًا "تحويل المؤسسة الدينية إلى منبر سياسي"، وفق تعبيره. وأضاف عاشور في تصريح لوسائل إعلامية: "طالبنا دار الإفتاء بمراجعة موقفها، أو أن يقدم فضيلة المفتي عثمان بطيخ استقالته إذ عليه ألا يبيع آخرته بعرض من الدنيا". وتابع: "كنا ننتظر من المفتي موقفا فيه صرامة وشدة، وربما موقفا تاريخيا يحسب له، لكن حصل العكس إذ وجدنا فيه انبطاحًا كنا ننتظر أن يخرج ويقول: صدق الله وكذب السبسى". من جهته، وصف الإعلامي زياد الهاني المفتي عثمان بطيخ ب"مفتي السلطان"، معتبرًا بلاغ ديوان الإفتاء "مثيرًا للاشمئزاز في مضمونه التملّقي، ومناقضًا بشكل كامل لموقف سابق للمفتي"، وفق تعبيره. وتساءل الهاني بمنشور في فيسبوك: "هل يعكس البلاغ غير الممضى موقف مفتي الجمهورية؟ المسألة تتطلب التأكد! وإذا ثبت أن الأمر كذلك، وأن "الشيخ" متقلب في مواقفه بحسب ما يرضي شهوة "السلطان"، فيجب عزله؛ لأنه لا يشرّف مقام الإفتاء، ولا يشرّف الجمهورية!!". وأضاف الهاني: "كنت أنتظر من ديوان الإفتاء ومن مفتي الجمهورية موقفا رصينا ومسئولاً يرحب فيه بطرح رئيس الجمهورية موضوع المساواة في الإرث للتفكير، مع الحرص بأن تكون محصلة الاجتهاد في هذا الباب غير متعارضة مع الإرادة الإلهية". وكان المفتي بطيخ صرح، في مايو 2016 لإذاعة موزاييك، بأن طرح موضوع المساواة في الميراث "ليس مُناسبا اليوم أو غدا"، وفق تعبيره. وأكد بطيخ آنذاك أنه "لا مجال لتغيير القرآن أو تحريفه"، لافتا إلى أن "الآية القرآنية المتعلقة بالمواريث بينة وصريحة، ولا تحتمل التأويل أو الاجتهاد"، وفق تعبيره. وخلص إلى القول: "إصدار بيان بنفسجي "في إشارة إلى نظام بن علي" على الطريقة النوفمبرية البغيضة، ومقزز بتلك الطريقة، هو أمر مستنكر ومرفوض". وقال المنشط بقناة نسمة الخاصة، حسان بالواعر، إنه أصيب بصدمة بعد اطلاعه على بيان المفتي، لافتا إلى أنه كان في المباشر لما طلب من زملائه أكثر من مرة التأكد من صحة البيان، قبل أن يضطر في النهاية إلى التطرق في حديثه عن البيان في المباشر. وأضاف بمنشور له في فيس بوك: "أنهيت العمل وغادرت.. وقريبا أصل البيت، وإلى الآن غير مصدق". وفي سياق متصل، طالبت تسع جمعيات ومنظمات في بيان مشترك، الثلاثاء، "ترجمة طرح الرئيس قايد السبسي بخصوص المساواة في الإرث إلى مبادرة تشريعية"، بحسب ما نقلته وكالة أنباء أفريقيا الرسمية. وصدر البيان عن "اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" و"نقابة الصحفيين" و"رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان" و"جمعية النساء للبحث حول التنمية" و"فيدرالية المواطنة بالضفتين" و"جمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية" و"منظمة 23-10 لدعم المسار الديمقراطي" و"جمعية الدفاع عن القيم الجامعية". وكان قايد السبسي طالب، بمناسبة احتفال تونس الأحد بعيد المرأة، بتعديل قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالإرث، بما يحقق المساواة بين الرجل والمرأة، والسماح للتونسيات بالزواج من أجانب غير مسلمين. وساند ديوان الإفتاء التونسي مقترحات قايد السبسي، واصفًا إياه، في بيان نشره على صفحته الرسمية في فيس بوك، بأنه "أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين، وهو الأب لنا جميعا بما أوتي من تجربة سياسية كبيرة وذكاء وبعد نظر". واعتبر الأزهر الشريف في بيان، الثلاثاء، أن دعوات التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث تظلم المرأة، ولا تنصفها، وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام.