انتهت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية إلى وصول كل من الدكتور محمد مرسى، مرشح الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق، مرشح النظام السابق والفلول، لجولة الإعادة التى ستعقد بينهما يومى 16 و17 يونيه 2012.. لكن مع تلك النهاية الدراماتيكية للجولة الأولى تعيش الآن مصرنا الحبيبة مأزقاً حقيقياً بين رفض لتلك النتيجة، وتدشين لطريق ثالث يرفض إعادة إنتاج دولة الفلول أو القبول بدولة الإخوان.. فالمأزق الذى أوصلتنا له تلك النتيجة جعل البعض يعتبرها أسوأ نتيجة، وغير متوقعة على الإطلاق.. ومن ثم نحن أمام نتيجة يتبرأ منها الجميع، ويلقيها البعض على العسكر بحكم سيطرتهم على مجالس المدن والمحافظات، وعلى بعض القضاة بحكم انحيازاتهم لمصالحهم الخاصة الضيقة، وعلى شلة الفلول من رجالات الأعمال وأعضاء الحزب الوطنى المنحل.. وهذا المأزق الذى نعيشه الآن يعنى أننا غير مقدمين على مواجهة مباشرة بين النظام القديم وجماعة الإخوان المسلمين فقط، بل بين أنصار المرشحين والقوى الثورية الرافضة لتلك النتيجة أيضاً. وبالنظر للهتافات الذى ظهرت فى ميدان التحرير منذ مساء الاثنين 28 مايو 2012 والتى رفعت: "لا شفيق ولا مرسى.. ملعون أبوه دا كرسى"، أو "لا شفيق ولا إخوان.. أنا لسه راجع من الميدان"، يعنى أننا أمام مرشح فلول يعتبره البعض قنبلة موقوتة يمكن فى حالة انتخابه رئيساً فى الجولة القادمة أن تنفجر الأوضاع برمتها، وبين مرشح إخوان لا ترتضيه كثير من القوى المسيحية والليبرالية والعلمانية.. ولعل ما جرى من حرق لمقر حملة شفيق الانتخابية بالدقى مساء ذلك اليوم، ومن تهديد بحرق شقته التى طيروا عنوانها على غالبية صفحات الإنترنت وتويتر تحريضاً لحرقها وزيادة فى محاصرته، ومن مطالبة البعض بقتله والتخلص من الآثار التى يمكن أن يسببها ترشيحه فى البلد، ندرك مدى المأزق الذى تعيشه مصرنا الحبيب الآن. ولم يكن هذا المأزق فقط هو الأثر الوحيد لنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات، فتصاعد وتيرة الاحتجاجات والرفض لتلك النتيجة قد دشن تياراً جديداً، أطلق عليه البعض "الطريق الثالث".. ومع أن هذا التيار لم يبدأ مع نتائج الانتخابات فقط، بل بدأ مع المقاطعين لها والرافضين للمشاركة فيها، إلا أن سوء النتيجة التى انتهت بها الجولة الأولى قد ضم قطاعات جديدة لهؤلاء المقاطعين.. فداخل الطريق الثالث يوجد الآن تيار يمكن تسميته بتيار المضارين من تلك النتيجة.. وعلى رأس هؤلاء يأتى أنصار عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحى.. وهناك القوى الثورية المراقبة للمشهد والمتابعة له، وهناك أيضاً القوى الليبرالية والعلمانية.. وهؤلاء جميعاً لا يرون خيراً فى هذا المرشح أو ذاك. من هنا، فإن الرعب الذى صدره أنصار الطريق الثالث للمرشحين، بالتشكيك فى وجود صفقة بين جهاز الأمن والفلول، والترويج بأنها طبخة فاسدة لا يمكن القبول بها، وتوجيه التهم باستغلال العوام والجهلة فى تزييف إرادة الناخبين، ومطالبة البعض بالكشف عن القوى الخفية التى تتحكم فى البلد وتحركها لمصالحها متى شاءت، وبإشاعة الكلام حول صفقة بين الإخوان والعسكر، تلك التى يستغل فيها شفيق ككبش فداء لتأتى بمرسى ليضمن لهم الامتيازات التى حصلوا عليها، قد أخاف القوى الرابحة وأربك حساباتها فى إمكانية تصدير جو المظاهرات والاحتجاجات كمشهد مخيف ولقطة ثابتة مرعبة يستشرفونها فى المستقبل.. فلم يبتلع قطاع كبير من المنتمين للطريق الثالث، كما يقولون، الطعم الذى ألقى إليهم بإمكانية حصولهم على بعض المكاسب القليلة جزاء سكوتهم وإسكات الآخرين.. ومن ثم يحاولون الآن توسيع قاعدتهم عبر ال50% من المصريين الذين لم يدلوا بأصواتهم لمرسى أو شفيق.. لهذا فإن المنتمين لهذا الطريق هم الآن أكثر تهييجاً واعتراضا على الطبخة السياسية برمتها.. بل ويرفضون التوقيع على أى وثيقة تفاهم وقتية تستخف بهم وتضحك عليهم، يسلمون البلد من خلالها للفريق الذى خدعهم حسبما يزعمون.. ولعل السرعة التى دشنت هذا الطريق قد أربكت جميع الحسابات، وعقدت كل المسائل أمام الرابحين. وأخطر مشكلة تواجهها تلك القوى الرابحة من هذا الطريق أن قياداته رفضت صراحة مبدأ المشاركة للمرشحين الرئاسيين فى السلطة، ورفضت منصب نائب الرئيس الذى عرض على اثنين من زعاماته. ولعل سعى الأطراف الرابحة بإشاعة التطمينات لدى المنتمين لهذا الطريق، وعدم ثقة الأخيرين بالالتزام بمبدأ المشاركة فى السلطة، ثم استعجال الرابحين القول بأنهم يتعرضون لابتزاز سياسى دون بذل المزيد من الجهد فى التفاهم والحوار والوفاق، وإرهاصات العنف التى بدأت بحرق مقر حملة شفيق، والعنف المضاد الذى شرع فيه أنصاره ضدهم، وملامح تقسيم الكعكة بين الرابحين، وتزايد نغمة المقاطعة لانتخابات الإعادة، والدعوة لجمع حاشدة واعتصامات قادمة فى ميدان التحرير وبعض المحافظات الأخرى، كل ذلك وغيره قد يجر البلاد لمزيد من الدماء.. أضف إلى هذا، أن هناك تيارا متربصا يقف على مسافة محددة، يلاغى هؤلاء وأولئك ويلعب على كل الأطراف، يضع صعوبة حقيقية على الرئيس القادم.. فهذا التيار يدعو الآن إلى تأجيل الحكم فى قضية مبارك المقررة فى 2 يونيه 2012 إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لكى يضمن أن ورقته الأخيرة حينما يلقيها بعد انتخاب الرئيس هى التى تكتسح كل الأوراق، وتفجر له الأوضاع برمتها من جديد، كونه متأكداً أن الأمور لن تستقر فى البلد فى حالة صدور الحكم المخفف المتوقع ضد الرئيس مبارك.. وقى الله بلدنا من كل سوء.