لديّ يقين جازم بأن الانتخابات الرئاسية قد أديرت في جولتها الأولى بنزاهة وشفافية، تقتضي من كل مصري محايد رفع قبعة الاحترام للمجلس العسكري، لأن المشهد الانتخابي وقعت فصوله كاملة أمام مواطنين ومراقبين وإعلاميين، وكلهم أجمعوا على تحضره، ورُقيه، ودقة تنظيمه، باستثناء مناوشات بسيطة لم تنل من جمال اللوحة الانتخابية للرئاسة. إذن، فنتائج الجولة الأولى حقيقية، ولا تقبل الشك.. أوراق التجميع والرصد تقول ذلك، وليس المجال مجال الحديث عن الكيفية التي جاءت بها تلك الأصوات لهذا أو ذاك، فذا موضوع آخر، ولكنّ مَحطُّ القول هو أن الأرقام التي جاءت في الأوراق الرسمية نقلت رغبة الناخب المصري في فلان أو عِلان بلا تحوير ولا تزوير، دون الخوض في صحة الاختيار من عدمه، فما كان باستطاعة أحد أن يدخل إلى عقل الناخب ليُغير ما عقد النية على اختياره. تمخضت نتائج الجولة الأولى عن مواجهة قديمة حديثة، بين الإخوان ممثلين في الدكتور محمد مرسي، وبين بقايا النظام الحاكم لمصر فيما قبل الثورة ممثلاً في الفريق أحمد شفيق، وهي منازلة تبدتْ في عدة مناورات ومنازلات قبل الثورة وبعدها وإن اختلفت وضعية المتنازلَيْن وطبيعة الأرض التي يتنازلون عليها الآن، وكأني أدلف إلى القول بأن الثورة المصرية لم تستطع أن تخلق قوة ثالثة قادرة على المنافسة، في الوقت منحت فيه الإخوان قوة إضافية، وفشلت في الحدِّ من قوة أذرع النظام المُنصرم. إذن، نحن أمام قوتين تقليديتين في جولة الإعادة، بعد أن فشلت قوي الثورة في إيجاد قوة مؤثرة لها بالشرذمة والتفرق، وبعد أن خذلتها رموز قوية كالدكتور محمد البرادعي، والدكتور محمد غنيم، حين آثرا السلامة وتركا الساحة خاوية من قيادة ثورية تجمع أطياف الثورة في كتلة واحدة مؤثرة، والنتيجة هو إعادة إنتاج صراع قديم بثوب جديد، ومتغيرات جديدة، ودوافع جديدة، وهو أمرٌ كان متوقعاً رغم الثرثرة ومحاولة الشوشرة. لم أكن أتمنى كمصري أن نصل إلى تلك المعادلة رغم احترامي للانتخابات وما أسفرت عنه النتائج، لأن المستجد الثوري الذي استيقظ في النفوس يوم 25 يناير سوف يعود للنوم من جديد، وربما لا يستيقظ ثانية، لأن طرفي المعادلة غير ثوريين بطبيعتيهما، ومن ثم سنعيد الكرَّة من جديد سواء جاء الطرف الأول أو جاء الطرف الثاني، وسوف نعود سياسياً إلى أسلوب الموائمات والتفاهمات مجدداً، في ظل ضمور الفعل الثوري!. أعلنُ كمصري احترامي لما جرى من انتخابات، كما أعلن قبولي بالرئيس القادم من طرفي الرهان، كما أعلن تحملي لقرار المصريين في اختيار رئيسهم فيما يخصني.. فليس أمامي إلا ذلك ليستريح قلبي، وكي أقضي ما بقي من عمري بلا منغصات في هذا الوطن.. لست أقوى ممن آثروا السلامة وتركوا الشأن العام. وتبقى كلمة.. «إنَّ الفجرَ لا ينبثقُ إلا على منْ يستحقه» معلم وكاتب صحفي [email protected]