الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد ،،، فإن الله عز وجل قد جعل الحج الركن الخامس من أركان الإسلام ، وأوجبه على المستطيع ؛ فقال تعالى " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً " [ آل عمران 97 ] ، وحتى يقع الحج صحيحًا فلا بد أن يتعلم الحاج كيفية الحج ، وما يجب عليه فعله ، وما يحرم عليه فعله ، وهو ما سنوضحه بمشيئة الله في هذه المقالة . الوقفة الأولى : أنواع النسك :- إذا أراد الحاج أداء الحج ؛ فإنه يختار واحدًا من الأنساك الثلاثة وهي : الأول : الإفراد بالحج : وهو أن ينوي مُريده الإحرامَ بالحج فقط ؛ فيقول عند الإحرام من الميقات « لبيك اللهم بحج » الثاني القِران بين الحج والعمرة : وهو أن ينوي الحاج الإحرام بالعمرة والحج معًا من الميقات . الثالث التمتع بالعمرة إلى الحج : وهو أن يحرم الحاج بالعمرة من الميقات قائلاً « لبيك اللهم بعمرة » أو يقول « لبيك اللهم بعمرة أتمتع بها إلى الحج ، فإذا أتى مكة أتى بأعمال العمرة ، ثم يتحلل منها ، ويبقى على إحلاله إلى أن يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية » الوقفة الثانية : المواقيت :- هي التي عيّنها النبي ليحرم منها من أراد الحج أو العمرة ، ولا يجوز تجاوزها إلا بإحرامٍ ؛ تعظيمًا لبيت الله ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما " وقَّت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ، ومن كان دون ذلك ؛ فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة " [ متفق عليه ] الوقفة الثالثة : الإحرام ومحظوراته :- إذا سافر الحاج بالطائرة متجهًا إلى جدة ثم مكة ؛ فيستحب له الاغتسال في بيته ، وأخذ ما يُشرع أخذه من الشعر كشعر الشارب والإبط والعانة ، ويتطيب في بدنه بما تيسر من أنواع الطيب ، ويجب على الذكر أن يتجرد من المخيط ويلبس ملابس الإحرام إزار ورداء ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه " رأى النبي تجرد لإهلاله واغتسل " [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] وعن عائشة رضي الله عنها قالت " كنت أطيّب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم ولحِله قبل أن يطوف بالبيت " [ متفق عليه ] والاغتسال مستحب حتى للحائض والنفساء ؛ لأن النبي أمر أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما أن تغتسل وهي نفساء [ رواه مسلم ] وأمر عائشة رضي الله عنها أن تغتسل للإحرام بالحج وهي حائض " [ متفق عليه ] ثم إذا حاذى المسافر بالطائرة الميقات ؛ فإنه يحرم بعقد النية بالقلب مع التلبية بقوله لبيك اللهم بعمرة وحج ، أو حج أو عمرة بحسب النسك ، فإذا سافر بالباخرة ، فإنه يفعل ما سبق بالباخرة ، ويحرم إذا حاذى الميقات ، أما إذا كان مسافرًا إلى المدينة ؛ فإنه يتهيأ للإحرام بمسكنه بالمدينة أو بذي الحليفة ، ثم يحرم منها ، أما إن كان قادمًا من أي ميقات آخر فيحرم منه ، فإذا أحرم فيستحب له رفع الصوت بالتلبية وهي « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك » [ رواه البخاري ] ويجب عليه أن يتجنب محظورات الإحرام وهي :- أ - الجماع :- وهو أشد المحظورات إثمًا وأعظمها أثرًا ، ويترتب عليه خمسة أمور ، وهي الإثم ، فساد النسك ، وجوب الاستمرار فيه ، وجوب القضاء ، وجوب الفدية وهي بدنة يذبحها ويوزعها على الفقراء . ب - مقدمات الجماع :- كالمباشرة بشهوة ، والتقبيل والنظر بشهوة ، والكلام فيما يختص بالجماع ومقدماته ، وهذه لا تُفسد النسك ولا تجب فيها فدية ، ولكن فيها الإثم اكتساب السيئات واقتراف المعاصي . ج - المخاصمة مع الرفقاء والجدال بالباطل :- أو بغير علم ، قال الله تعالى " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ البقرة " [ البقرة 197 ] د - لبس المخيط للذكور :- والمقصود بالمخيط ما فُصِّل على قدر العضو حتى ولو لم يكن مخيطًا ، أما المرأة فلها أن تلبس كل ذلك ، ولا يحرم عليها إلا لبس النقاب والقفازين وما مسه الطيب ؛ وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما « نهى النبي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب » [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] – وإن حرم لبس النقاب إلا أنه يجب على المنتقبة تغطية وجهها أمام الأجانب بغير لبس النقاب بأن تسدل من على رأسها شيئا يغطى وجهها - ويجوز للمحرم تبديل لباس الإحرام بآخر ، سواء فعله لحاجة وضرورة ، أو لغير حاجة وضرورة ، ولا بأس بذلك . ه - التطيب في الثوب أو البدن :- للرجال والنساء ، أما أثر الطيب الذي تطيب به عند الإحرام فلا بأس به ، ولا تجب إزالته ؛ لقول عائشة رضي الله عنها « كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله وهو محرم » [ متفق عليه ] و - تقليم الأظفار وإزالة الشعر :- بالحلق أو القص أو النتف ؛ لقوله تعالى " وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ " [ البقرة 196 ] ، ويجوز للمحرم أن يحك جسده وأن يغسل رأسه ولو تساقط الشعر لا يضره ، وإذا انكسر ظفره جاز له إزالته ، ولا شيء عليه ، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم . ز - عقد النكاح أو الخطبة لنفسه أو لغيره :- بولاية أو وكالة ، ويقع العقد باطلاً ، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله قال « لا يَنكح المحرم ، ولا يُنكح ، ولا يخطب » [ رواه مسلم ] ح - التعرض لصيد البر بقتل أو ذبح أو إشارة أو دلالة :- لقوله تعالى " وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا " [ المائدة 96 ] ، وقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ " [ المائدة 95 ] ، والمقصود بالصيد هو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام والجراد. ط - الأكل من الصيد :- إذا صِيد من أجله . حكم من ارتكب شيئًا من محظورات الإحرام أولا :- أن يفعل هذه المحظورات عالمًا ذاكرًا مختارًا ؛ فعليه الإثم ، وما يجب من الفدية من صيام ثلاثة أيام متوالية ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما ، أو ذبح شاة ، أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة ، ويوزع جميع اللحم على الفقراء ، ولا يأكل منه شيئًا . ثانيا :- أن يفعله متعمدًا عالمًا مختارًا لعذرٍ؛ فهذا ليس عليه إثم ، ولكن عليه الفدية مثل أن يضطر إلى حلق رأسه لأذًى ثالثا :- أن يفعله ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا ؛ فلا شيء عليه إلا تَرْكُه إذا تذكر أو علم أو خيِّر ، ولا إثم عليه ولا فدية ، أيًّا كان المحظور، ولا يفسد نسكه ، قال الله تعالى " رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " [ البقرة 286 ] ، وقال " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ " [ الأحزاب 5 ] الوقفة الرابعة : أعمال الحج والعمرة:- إذا وصل الحاج أو المعتمر إلى مكة استحب له التوجه إلى المسجد الحرام ، ثم يدخل من أي أبواب الحرم شاء ، وإن دخل من باب بني شيبة « باب السلام » ، فحسنٌ ؛ لدخول النبي منه ، ثم يقصد الحجر الأسود فيقبّله إن تيسر وإلا استلمه بيده ؛ فإن لم يستطع أشار إليه ، ولا يزاحم على الحجر ، ثم يبدأ في الطواف طواف القدوم للحاج المفرد والقارن ، وطواف العمرة للمتمتع ، ولا بد للطواف من الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ومن النجاسة في الثوب والبدن ، ومن ستر للعورة ، وأن يكون الطواف خارج البيت فلا يجوز أن يطوف من داخل الحِجْر ، ويسن للحاج الاضطباع ، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفيه على منكبه الأيسر ؛ فيكون منكبه الأيمن مكشوفًا ، وذلك لحديث يعلى بن أمية " أن النبي طاف مضطبعًا " [ رواه ابن ماجه وحسنه الألباني ] ويستر الحاج كتفيه بعد الفراغ من الطواف ، ويستحب له الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأول ، وهو الإسراع في المشي ، ويطوف سبعة أشوط يستلم الحجر الأسود في كل شوط أو يشير إليه ، ويستلم الركن اليماني ؛ وذلك لقول ابن عمر رضي الله عنهما " لم أر النبي يمس من الأركان إلا الركنين اليمانيين " [ متفق عليه ] ويستحب له الدعاء بين الركنين اليمانيين بقوله " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ؛ فإذا شك في عدد الأشواط بنى على ما استيقن وهو العدد الأقل ، ثم يستحب له صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم بعد الطواف يقرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص ، ويقول عقب الطواف عند توجهه خلف المقام " وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى " [ البقرة 125 ]، فإن لم يتمكن من أدائهما خلف المقام ؛ صلاهما في أي مكان من المسجد أو خارجه ، ثم يشرب من ماء زمزم ويغسل رأسه به ؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أن النبي فعله " [ رواه مسلم ] ثم يخرج من باب الصفا إلى الصفا تاليًا قوله تعالى " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ " [ البقرة 158 ] ، فيبدأ السعي من الصفا وينتهي بالمروة سبعة أشواط ، ولا تُشترط الطهارة للسعي ، ولكنها تستحب ، ويستحب له استقبال الكعبة في كل شوط ، وهو على الصفا أو المروة ويدعو ، كما يستحب له السعي الشديد بين العلمين الأخضرين في بطن الوادي وذلك للرجال ، ثم يحلق الرجل رأسه أو يقصر شعره ، ويستحب التقصير لترك شعر يحلقه يوم النحر، وأما النساء فيقصرن قيد أنملة من مجموع الشعر بعيدًا عن أعين الرجال الأجانب ، فإذا فعل ذلك المتمتع صار حلالاً تحل له النساء وكل شيء كان حرُم عليه بالإحرام ، أما الحاج المفرد والقارن فيظلان على إحرامهما إلى وقت خروجهم إلى منى . 1- أعمال يوم التروية :- إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة - سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون بحمل الماء معهم من مكة إلى عرفات - أحرم الحاج المتمتع بالحج من مكة على الهيئة السابق ذكرها عند الكلام عن الإحرام ؛ ويقول « اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ، وله أن يشترط أن يحل حيث يُحبَس - أي يلبس الملابس العادية ويفعل ما حرم عليه من محظورات الإحرام - ؛ لقول النبي لضباعة بنت الزبير رضي الله عنها « حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني » [ رواه البخاري ] ، فإذا حُبس الحاج وتحلل ؛ فلا شيء عليه . والسنة أن يبيت الحاج بمنى ليلة التاسع ، وهذا المبيت سنة ، وليس بركن ولا واجب ؛ فلو تركه فلا شيء عليه ، ولكن فاتته الفضيلة ، ويصلي الحاج الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بمنى كل صلاة في وقتها ويقصر الظهر والعصر والعشاء ؛ فيصلي الرباعية ركعتين ، فإذا صلى الفجر مكث حتى تطلع الشمس ، ثم سار متوجهًا إلى عرفات ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : « فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تُضرب له بنمرة » موضع معروف بقرب عرفات خارج الحرم [ رواه مسلم ] 2- أعمال يوم عرفة :- يستحب للحاج أن يدخل عرفات في وقت الوقوف بعد الزوال ويصلي الظهر والعصر مع الإمام بنمرة بعد سماع الخطبة مع القصر والتقديم ؛ فإن لم يتيسر له الصلاة مع الإمام صلى بمفرده جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين ، ففي حديث جابر في حجة الوداع « ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئًا ، ثم ركب رسول الله حتى أتى الموقف » [ رواه مسلم ] ولا يجوز للحاج الانصراف من عرفات قبل غروب الشمس ، فمن انصرف قبل الغروب وجب عليه الرجوع ليبقى فيها جزءًا من الليل ، فإن لم يرجع وجب عليه دم لتركه الواجب ، ووقت الوقوف بعرفة ممتد إلى طلوع فجر يوم النحر العيد ، فمن طلع عليه الفجر يوم العيد ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ؛ فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه « إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني » ، تحلل من إحرامه ولا شيء عليه ، وإن لم يكن اشترط جعلها عمرة ، فإذا كانت السنة التالية قضى الحج الذي فاته وأهدى هديًا . 3- أعمال ليلة النحر :- إذا دخل الليل أفاض الحاج إلى المزدلفة ليصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين ، ولا تشرع الصلاة قبل الوصول إليها ؛ لأن النبي نزل في الطريق إليها وبال وتوضأ وضوءًا خفيفًا ، فقال له أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكان رديفه " الصلاة يا رسول الله ، فقال له النبي الصلاة أمامك " [ متفق عليه ] ومن السنة أن ينام الحاج بعد الصلاة حتى طلوع الفجر لفعل النبي ذلك [ رواه مسلم ] والمبيت بالمزدلفة نسك بالإجماع ، وهو واجب على غير المعذور وليس بركن ، فلو تركه ؛ صح حجه وعليه دم ، وهذا المبيت يحصل بالحضور في مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من الليل ، فلو دفع من مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه ولا دم عليه ، ودليل الوجوب قوله تعالى " فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ " [ البقرة 198 ] وقول النبي « من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه » [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني ] ويستحب أن يبقى بالمزدلفة حتى يطلع الفجر؛ لقول جابر رضي الله عنه " ثم اضطجع رسول الله حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس " [ رواه مسلم ] ويباح للنساء وكبار السن الدفع بعد نصف الليل ؛ لقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما " أرسلني رسول الله في ضعفة أهله فصلينا الصبح بمنى ورمينا الجمرة " [رواه النسائي وصححه الألباني ] ويسن للضعفاء وغيرهم إذا وصلوا إلى منى قبل طلوع الفجر أن ينتظروا حتى تطلع الشمس ثم يرموا جمرة العقبة ، أما من بقي بالمزلفة فيمكث بها حتى يصلي الفجر ، ثم يقف بالمشعر الحرام يذكر الله حتى يُسفر الصبح ثم يدفعون إلى منى 4- أعمال يوم النحر:- 1- رمي جمرة العقبة الكبرى : وهي الأبعد من مسجد الخيف والأقرب إلى مكة ، يرميها بسبع حصيات صغيرة مثل حبة الفول يكبر عند الرمي فقط ، فإذا نسي كم رمى ، بنى على ما استيقن ، وهو العدد الأقل ، فإذا رمى بنفسه أو بوكيله إن كان غير مستطيع حل له كل شيء إلا النساء ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت " طيبت رسول الله بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام حين أحرم وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت " [ رواه أحمد وقال الألباني رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين وأصله عندهما ] 2- ذبح الهدي : وذلك للمتمتع والقارن وهو واجب عليهما ؛ لقوله تعالى " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ " [ البقرة 196 ] 3- الحلق أو التقصير : والحلق أفضل للرجال ؛ لقوله تعالى " مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ " [ الفتح 27 ] ، ولدعوة النبي للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة واحدة [ متفق عليه ] ، وللنساء التقصير فقط ؛ لأن الحلق مُثلة ، فتقصّر قدر أنملة من مجموع شعرها . 4- طواف الإفاضة : وهو ركن من أركان الحج بالإجماع ولا رمل فيه ولا اضطباع قال الله تعالى " وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ " [ الحج 29 ] ، ووقته من نصف ليلة النحر، ويبقى إلى آخر العمر ، ولا يزال محرمًا حتى يأتي به ، ويكره تأخيره عن يوم النحر ، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة ، ومن لم يطف لا يحل له النساء وإن مضت عليه سنون . 5- السعي بين الصفا والمروة : للمتمتع عن حجته بعد طواف الإفاضة ، ولا يزال محرمًا حتى يسعى ، ولا يحصل التحلل الثاني بدونه ، وأما من أفرد أو قرن فيسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ؛ فإن كان سعى فلا سعي عليه ، والمرأة الحائض إذا عجزت عن البقاء بمكة حتى تطهر وتطوف طواف الإفاضة ؛ فإنها تغتسل وتستثفر أي تشد على فرجها خرقة ونحوها وتطوف وهي حائض ولا فدية عليها ، وهذا ما رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ، وإن تناولت دواء لمنع دم الحيض فهو أحسن لتطوف وهي طاهر . 5- أعمال أيام التشريق :- إذا فرغ الحاج من طواف الإفاضة والسعي يعود إلى منى ليبيت بها ليلتين أو ثلاثًا ، قال الله تعالى " فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى " [ البقرة 203 ] ، والأكمل أن يبيت بها كل ليلة ، والواجب أن يبيت بها معظم الليل ؛ فإن ترك مبيت ليالي التشريق الثلاث لزمه دم ، وإن ترك إحدى الليالي الثلاث فعليه ثلث دم ، ويجوز ترك المبيت بمنى لعذرٍ ، كمن له مال يخاف ضياعه لو بات ، أو يخاف على نفسه أو كان به مرض يشق معه المبيت ، أو له مريض يحتاج إلى تعهده ، أو يطلب ضالة أو تائهًا ، أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ، أو ضاقت عليهم منى مع شدة الزحام فلم يقدروا على دخولها ، أو لم يجدوا لهم مكانًا للمبيت فيها ، وذلك لما ثبت " أن رسول الله رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ، ومن بعد الغد بيومين ويرمون يوم النحر " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] وما ثبت من " أن العباس استأذن رسول الله في أن يبيت بمكة أيام منى من أجل السقاية فرخص له " [ متفق عليه ] فإذا زالت الشمس في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر للمتعجل ، والثالث عشر للمتأخر يرمي الحاج الجمرات الثلاث فيبتدئ برمي الجمرة الصغرى أولاً التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات ، ثم جمرة العقبة الكبرى كذلك ، ويجب رمي الجمرات واحدة واحدة ؛ فإن رمى السبع مرة واحدة لم يجزئه على الراجح ، والسنة أن يتوجه الحاج بعد رمي الجمرة الأولى والثانية بعيدًا عن المرمى ، ويقف مستقبل القبلة يدعو طويلاً رافعًا يديه ولا يقف بعد رمي جمرة العقبة . 6- طواف الوداع :- وهو واجب يلزم بتركه دم إلا الحائض للعذر ، ووقته يكون بعد فراغ المرء من جميع أموره ومتعلقاته ليكون آخر عهده بالبيت ، فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته – إلا شراء ضروريات السفر من حقائب وطعام وماء وغيرها - ؛ لأنه إن أقام بعده خرج عن كونه وداعًا فإن فعل الحاج ذلك فقد تم حجه وقضى نُسكه ، ويستحب له زيارة المسجد النبوي ، وليست الزيارة من أركان الحج ولا من واجباته ولا من سننه . والله الموفق ** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة و الكاتب بمجلة التوحيد