أخذت الأحداث تتسارع فى لبنان بشكل دراماتيكى ولا يستبعد أن تشهد تصاعدًا فى الأيام القليلة القادمة، خصوصا أن إيران بدأت تظهر ليونة غير مسبوقة فى مفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفها النووى الذى كان ولسنين عديدة موضوع خلاف شديد تعرضت بسببه إلى عقوبات دولية عديدة، مما تسبب فى انهيار عملتها واهتزاز اقتصادها بشكل غير مسبوق. وقد يتساءل القارئ عن الربط بين التراجع الإيرانى بشأن تزمتها السابق من قضية الملف النووى وبين الأحداث الجارية فى لبنان؟. فى الواقع مَن يعرف السياسة الإيرانية والعقلية التى تدير بها الأزمات، أو تفجير الأزمات إن صح التعبير، يدرك معنى الربط بين الأحداث اللبنانية وبين الموقف الليونى الذى أبداه النظام الإيرانى. وما يدفعنا للربط بين الاثنين هى جملة من الأمور التى مرت بها لبنان خلال الأيام الماضية وبين الدور الإيرانى فيها. قبل مقتل الشيخ السنى"أحمد عبد الواحد" بوقت قصير اتهم مندوب سوريا فى الأممالمتحدة "بشار الجعفرى" جهات سنية فى لبنان بإيواء ودعم معارضين للنظام السورى، وبعدها خرج زعيم حزب الله فى لبنان "حسن نصر الله"، وهدد إسرائيل بأن حزبه يمتلك من القدرة الصاروخية القادرة على الوصول إلى ميناء إيلات، ولكن يبد أن هذا التصريح لم يرغ للنظام الإيرانى الأمر الذى دفع بقائد ما يسمى بقوات "القدس" فى الحرس الثورى الإيرانى الجنرال " قاسم سليمانى " إلى الرد فورًا على تصريحات نصر الله واعتبرها مستعجلة و مخالفة لتوصيات المرشد الإيرانى الأعلى" على خامنئي" الذى كان أوصا بها مطلع السنة الإيرانية الجارية . ثم قام خامنئى بإرسال الشيخ " محمد محمدى " موفدًا خاصًا له إلى لبنان للقاء حسن نصر الله وأبلغه بحضور السفير الإيرانى فى لبنان " غضنفر ركن آبادى " توجهات خامنئى بشأن عدم تصعيد " حزب الله" لتهديداته ضد الكيان الإسرائيلى . وذلك بحسب ما تداولته الصحف والمواقع الإلكترونية الموالية لخامنئى . فكما سبق وقدمنا بشأن السياسية الإيرانية، فإنها تقوم على ثلاث مرتكزات وهى "المناورة" وطول النفس وامتصاص الغضب . و من هنا فإن دخول إيران فى مفاوضات مع الدول 1+5 بشأن ملفها النووى وتقديم تنازلت غير مسبوقة ومفاجئة للكثير من الأطراف لم تكن تخرج عن كونها مناورة حسب رأى المراقبين، و لو صح هذا الرأى فأذن ما هدف المناورة و إلى ماذا ترنوا إيران من وراء ذلك ؟. فى الواقع إن إيران كلاعب أساسى فى المنظومة الإقليمية، قد تعرض مشروعها السياسى فى المنطقة بفضل الربيعى العربى إلى هزات كبيرة وكان هذا الاهتزاز سببًا فى مهاجمة مستشار المرشد خامنئى للشئون الخارجية " على أكبر ولايتى " للربيع العربى حيث وصفه بأنه " يهدف إلى تقسيم العالم الإسلامى وعزل العرب الذين هم أقلية فى الأمة الإسلامية عن باقى المسلمين " . ومنها يمكن فهم الموقف الإيرانى المعادى للثورة السورية و الداعم لحليفها بشار الأسد . كما أن هناك تصريحات الرئيس الإيرانى الأسبق والرئيس الحالى لمجلس تشخيص مصلحة النظام " على أكبر هاشمى رفسنجانى " التى دافع فيها عن ضرورة إقامة علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية واعتبر العلاقة مع السعودية ضمانًا لعدم فرض حصار نفطى على إيران . فكل هذا يدل على أن المشروع الإيرانى فى المنطقة ( ولا سيما فى مملكة البحرين تحديدًا التى استطاع نظامها لحد الآن من امتصاص الزخم الشيعى المعارض بأعصاب هادئة ) يتعرض لخطر الفشل الحتم، ولهذا كان لابد للنظام الإيرانى من القيام بمناورة سياسية تقوم على تهدئة وقتية مع الدول الغربية الكبرى والكيان الإسرائيلى وذلك لضمان حماية مشروعه من الانهيار. و بطبيعة الحال فإن الواقع يفرض على إيران ( ولحماية مشروعها ) إنقاذ نظام بشار الأسد الذى يعد من المرتكزات الرئيسية لهذا المشروع. و لكن كيف يمكن إنقاذ هذا النظام الذى أصبح آيل للسقوط ؟. فهنا يأتى دور الأحداث فى لبنان والتى إذا ما تصاعدت فإنها من المؤكد سوف تؤدى إلى خلط الأوراق عبر توسيع دائرة الصراع وذلك عبر إدخال أطراف أخرى فى هذا الصراع ليصبح أكثر تعقيدا فيدفع فى النهاية بالدول الكبرى إلى وضع خارطة طريق لحل الأزمة، ولكى تنجح هذه الخارطة فانه يتعين عليها أن تأخذ مصالح جميع الأطراف بنظر الاعتبار، وهنا تقوم إيران بطرح مشروعها الذى أقل ما يمكن توقعه منها هو طرح اقتراح بإنشاء دويلة طائفية على الساحل السورى تكون ظهيرا لحزب الله و تضمن بقاء النفوذ الإيرانى الممتد من العراق إلى منطقة الشام الكبرى . فبعد هذا يتساءل المراقب ما هو البديل، أو الخيارالعربى الذى يمكن طرحه فى مواجهة المخطط الإيرانى ؟. هل ينتظر العرب نجاح خطة عنان التى ولدت ميتة والتى جاءت لإعطاء مزيد من الوقت لإيران والنظام السورى وحزب الله لترتيب أوراقهم، أم سوف يبادرون إلى حسم الأمور عبر فتح باب الدعم على مصراعيه للثورة السورية ؟. صباح الموسوى الأحوازى عضو منتدى المفكرين المسلمين