تعتبر مهنة "المسحراتي" التي تهتم بإيقاظ النائمين في شهر رمضان، لتناول السحور، مهنة عادة ما تقتصر على الرجال أكثر من النساء، خاصة أنها ترتبط بالسير في الشوارع في وقت متأخر من الليل من أجل إيقاظ المواطنين للسحور، إلى أن "دلال" اقتحمت هذا المجال وأصبحت أول مسحراتية في مصر اشتغلت بهذه المهنة. تروي الحاجة دلال عبدالقادر، أول مسحراتية في مصر سبب التحاقها بهذه المهنة، قائلة: "شقيقي الأكبر أحمد كان يعمل بمهنة المسحراتي بحي المعادي منذ 25 عامًا وكان يجلس على مقعده المتحرك؛ بسبب مرضه الذي أصيب به في بداية عمره، حاملاً الطبلة بيده اليسرى والجلدة الذي يقوم بالطرق بها بيده اليمنى. وأضافت حديثها ل"المصريون": "شقيقي كان يملك صوتًا جميلاً عندما يسمعه الجيران يقفون في شرفة المنازل وينصتون إلى أغانيه في حالة بهجة وسرور، ويهم الأطفال بالنزول من منازلهم ليسيروا معه ويشاركوه الأغاني التي كان يلقيها لاستيقاظهم للسحور وهو يقول: "اصحي يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صيام، اصحي يا نايم وحد الرزاق، رمضان كريم". وتابعت: "كنت أرى هذه المشاهد أمامي وأيقنتها بدقة وحرفية، لكوني أسير معه منذ صغر سني حاملةً فانوسي الصغير وهو يقوم بتسحير الأهالي في حي المعادي والمناطق المجاورة وعندما توفي وفارق الحياة أصبحت لا أملك سوى أن أفعل نفس الشيء الذي كان يفعله ويحبه لكي يظل أمامي وأتذكره مدى الحياة، وبدأت أنزل مسحراتية خلال شهر رمضان، وأقوم بتزيين الطبلة كل رمضان وأنزل أستقبل الأطفال في الشارع خلال الشهر الكريم. وتابعت: "أقوم بالتسحير في المنطقة التي أعيش فيها؛ وأنادي كل المواطنين بأسمائهم ويقومون الأهالي بإعطائي الألبان والحلوى والمياه قبل أذان الفجر ولا أتعرض لمضايقات، ولكن يصادفني الكثير من المواقف الطريفة؛ لأنني أنزل الساعة 12 ليلاً من المنزل وأمارس عملي بكل فرح وحب ثم أرجع بعد أذان الفجر. وأشارت إلى أنها تحافظ على مهنة المسحراتي حتى لا تنقرض، قائلة: "المسحراتي مهنة لها معنى جميل موجودة من زمان، وبحب أسعد الناس في رمضان وباخد البنبوني والملبّس لأطفال". وتستكمل "دلال" حديثها: "أصبحت حريصة دائمًا على هذه المهنة وأصطحب أحد أبنائي معي؛ بسبب حب أطفال المنطقة لي وتعلقهم الشديد بمهنتي كمسحراتية، والحقيقة أنني عندما قررت إحياء ذكرى أخويا الكبير لم أفكر في كوني امراة ولكني فكرت في إحياء ذكرى أخي فقط خاصة أنني أعيل ثلاثة من أبنائه". وتتابع: "أشعر بسعادة كبيرة أعجز عن وصفها، وأعتبر مصدر تلك السعادة هم الأطفال وارتباطهم بي، خاصة عندما أناديهم بأسمائهم، مثلاً أنادي "اصحى يا يوسف، اصحي ياملك، اصحى يا وسام"، وفي تلك الأثناء أجد بعضهم يلتف حولي في الشارع ويطلب مني ذكر اسمه، وبعضهم يطل من البلكونات طالباً مني ذكر اسمه، فبهجة الصغار وتعلقهم بي مصدر سعادتي طوال العام وليس في الشهر الكريم فقط. وعن المواقف المضحكة التي تتعرض لها قالت: "بعض الأسماء تختلط في ذهني أحيانًا، فحينما أنادي أحدهم باسم خطأ أجد الأطفال يتنافسون لتصحيح الاسم، وتمتزج ضحكاتهم مع ضحكاتي. وأضافت: "لم يعترض زوجي وأبنائي على مهنتي، فهم يعرفون مدى السعادة والراحة النفسية التي تعود عليَّ من هذه المهنة، خاصةً أنني أحيي ذكرى أخي الذي افتقدت مع وفاته معاني جميلة في الحياة، فممارسة مهنة المسحراتية تصبّرني على فراق أخي". وأشارت دلال: "أتمنى أن يرث ابني الكبير مهنتي ويحيي ذكرى عائلتي، خاصة أن مهنة المسحراتي أوشكت على الزوال في مصر، وعدد العاملين فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة". وأوضحت أنها بالأساس "مكوجية" وكانت تمارس المهنة أكثر من 30 عامًا في المحل الخاص بها، ولكنها تفرغت للعمل بالمنزل تنفيذًا لطلب زوجها واليوم أصبحت مسحراتية فقط"، متابعة: "رغم أنها مهنة موسمية تعتمد على شهر واحد في العام، لكنني أربح منها ما يرضيني، وأحاول من خلالها رد جميل أخي بالاهتمام بأولاده الصغار، من خلال ربحي من مهنة المسحراتي، والذي يكون غالبًا في نهاية الشهر الكريم.