وزير الدفاع يشهد مناقشة البحث الرئيسى لهيئة البحوث العسكرية.. شاهد    احتفالاً باليوم العالمي للمتاحف.. المنيا تحتضن الملتقى العلمي الخامس لتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي (صور)    «قفزة جديدة عالميًا بالدولار».. كم سجلت أسعار الذهب اليوم 17 مايو 2025 في مصر؟    بنك saib ينظم ندوة تثقيفية بمحافظة الأقصر ضمن فعاليات اليوم العربى للشمول المالى    هل انتهى شهر العسل بين ترامب ونتنياهو؟    إيبوكا ضد لاكاي.. تشكيل مباراة المصري وسيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    بحضور وزير الشباب والرياضة.. مركز شباب الرملة يتوج ببطولة القليوبية    رابط جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 في محافظات الوجه البحري    بعد قرار النيابة العامة بإحالة أوراق المتهم للجنايات.. تفاصيل جديدة يكشفها دفاع المتهم ل "الفجر " في القضية    بعد جدل «جواب» حبيبة العندليب.. كيف تحدثت سعاد حسني عن عبدالحليم حافظ؟    باحث: القمة العربية المنعقدة في بغداد تأتي في لحظة فارقة    جولة في منزل عادل إمام.. أسرار فيلا المنصورية «صور»    جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غدًا الأحد 18 مايو 2025    بسبب عدادات الكهرباء..آخر فرصة لتظلمات سكن لكل المصريين 5    موجة حارة تضرب البلاد.. درجات الحرارة تصل إلى ذروتها في بعض المناطق    انتشال جثمان شاب غرق أثناء استحمامه بترعة البحر الصغير في الدقهلية    حبس عامل بمغسلة متهم بالتعدي على طفلة في بولاق الدكرور    الزمالك يتوصل لاتفاق مع لاعب أنجيه الفرنسي    إيفرتون يعلن رحيل أشلي يونج    المخرجة مي عودة: الوضع يزداد صعوبة أمام صناع السينما الفلسطينية    المدير الفني ل"القاهرة السينمائي" يناقش بناء الروابط بين مهرجانات الأفلام العربية في "كان 78"    فيلم فار ب 7 أرواح يفرض نفسه على دُور العرض المصرية (تفاصيل)    بمناسبة مرور 80 عامًا على تأسيسه.. «قسم جراحة المسالك البولية بقصر العيني» يعقد مؤتمره العلمي    تُربك صادرات الدواجن عالميًا.. أول تفشٍ لإنفلونزا الطيور يضرب مزرعة تجارية بالبرازيل    المشروعات الصغيرة والمتوسطة ب"مستقبل وطن" تناقش خطة عمل الفترة المقبلة    فليك: نريد مواصلة عدم الهزائم في 2025.. وعانينا بدنيا بالموسم الحالي    "إلى من شكك في موقفنا".. عضو مجلس إدارة الزمالك يكشف تطورًا في أزمتهم مع الراحل بوبيندزا    كلية التجارة بجامعة القاهرة تعقد مؤتمرها الطلابي السنوي الثاني تحت شعار "كن مستعدا" لتمكين الطلاب    لبيك اللهم لبيك.. محافظ المنيا يسلم ملابس الإحرام لحجاج القرعة.. فيديو    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟.. الأزهر للفتوى يجيب    حفظت جوزها بالملح 30 يومًا وهربت.. تطور جديد في واقعة طبيب 15 مايو    آخر تحديث للحصيلة.. إصابة 46 طالبة بإغماء في جامعة طنطا بسبب ارتفاع الحرارة -فيديو    جراحة دقيقة لتحرير مفصل الفك الصدغي باستخدام الذكاء الاصطناعي في مستشفى العامرية    بالأسماء، ارتفاع عدد المصابات بإغماء وإجهاد حراري بتربية رياضية طنطا ل 46    هل يجوز توزيع العقيقة لحومًا بدلًا من إخراجها طعامًا؟.. أمين الفتوى يجيب    قافلة بيطرية تجوب قرى شمال سيناء لحماية المواشي من الأمراض    وزارة الزراعة تعلن تمديد معرض زهور الربيع حتى نهاية مايو    عيد ميلاده ال 85.. ماذا قال عادل إمام عن كونه مهندسا زراعيا وموقفا لصلاح السعدني؟    "الزراعة" تطلق حملات بيطرية وقائية لدعم المربين وتعزيز منظومة الإنتاج الداجنى    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    «أم كلثوم من الميلاد إلى الأسطورة» في مناقشات الصالون الثقافي بقصر الإبداع    وفاة ابن شقيقة الفنان عبد الوهاب خليل.. وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    قرار هام من التعليم ينهي الجدل حول «عهدة التابلت»    أكاديمية الشرطة تنظم ندوة حول الترابط الأسري وتأثيره علي الأمن المجتمعي (فيديو)    فتح ترحب ببيان دول أوروبية وتدعو لإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    «فتراحموا».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وزير التعليم العالي: المترولوجيا أحد ركائز دعم قطاعي الصناعة والبحث العلمي لتحقيق التنمية المستدامة    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال و تشجيع المبتكرين منهم    مستقبل وطن: القمة العربية ببغداد فرصة لتعزيز الجهود وتوحيد الصفوف    الصحف العالمية اليوم: تراجع ثقة المستهلك فى الاقتصاد رغم تعليق ترامب للرسوم الجمركية.. "رجل مسن ضعيف الذاكرة" ..تسجيل صوتي يظهر تراجع قدرات بايدن الذهنية .. بريطانيا تشكك فى اعتراف ماكرون بفلسطين فى يونيو    تحرير 143 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق    فص ملح وداب، هروب 10 مجرمين خطرين من السجن يصيب الأمريكان بالفزع    أسعار ومواصفات شيفرولية أوبترا موديل 2026 في مصر    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تدريبات جوية ويدعو لتكثيف الاستعداد للحرب    مسودة "إعلان بغداد" تشمل 8 بنود منها فلسطين والأمن العربي والمخدرات والمناخ    تشيلسي ينعش آماله الأوروبية بالفوز على يونايتد    أكرم عبدالمجيد: تأخير قرار التظلمات تسبب في فقدان الزمالك وبيراميدز التركيز في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم تقسيم الإنسان ماله على ورثته حال حياته

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن والاه ، أما بعد ،،،
فيثور السؤال عن الحكم فيمن يقول : { إني أريد أن أقسم مالي بين أولادي قبل أن أموت حتى لا يتنازعوا عليه بعد موتي ؟ } هل يجوز هذا القول أم لا ؟
بداية نقرر أن ذلك الفعل لا يطلق عليه ميراث ، وذلك لعدم تحقق الشرط الأول من شروط الميراث وهو موت المورث ، فالمورث هنا لم يمت ومن ثم فلا يقسم ماله على ورثته .
ثانيا : نقول : إن ذلك الفعل قد يكون بنية حسنة وقد يكون بنية سيئة ، فالنية الحسنة أن ينوي تقسيم المال على ورثته حتى لا يتنازعوا عليه بعد وفاته ، والنية السيئة تكمن في حرمان بعض الورثة من الميراث كأن يكون للمرء زوجة وبنات وإخوة أشقاء فيقسم ماله على زوجته وبناته حتى لا يرث إخوته الأشقاء من ماله شيئا بعد وفاته ، وهذا لا شك يدخل تحت قوله - تعالى - بعد أن انتهى من إعطاء كل ذي حق حقه من الميراث : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } ( النساء : 14 ) .
ثالثا : يرد على قوله : { حتى لا يتنازعوا عليه بعد موتي } . بقوله تعالى : { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا } ( النساء : 9 ) ، فمن خاف على أولاده أن يتنازعوا على ماله بعد موته ، فعليه أن يتقي الله ويسدد ويقارب ويربيهم على طاعة الله والخوف منه ، وقد سمعنا عن أناس وزعوا مالهم على أولادهم في حياتهم ولم يتركوا لأنفسهم شيئا ، فما كان من الأبناء إلا أن أعرضوا عن الأباء والأمهات ولم ينفقوا عليهم ، بل ومنعوهم من الانتفاع بمالهم حتى ماتوا ، وما هذا إلا لأنهم أساء تربيتهم وخشوا عليهم أن يتنازعوا على مالهم بعد موتهم .
رابعا : يجوز للمرء أن يعطي أولاده من ماله على سبيل الهبة أو الأعطية في حياته مع مراعاة الآتي :
1- يجب عليه أن يسوي بين أولاده في العطية :
لما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - أن أباه أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : { إني نحلت ابني هذا غلاما ، فقال : أكل ولدك نحلت مثله ؟ قال : لا . قال : فأرجعه . }
وروى أيضا بسنده عن حصين بن عامر قال : سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - وهو على المنبر يقول : { أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله ، قال : أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا . قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ، قال : فرجع فرد عطيته } ( رواه البخاري )
ولمسلم في رواية أبي حيان : { فقال : لا تشهدني إذا ، فإني لا أشهد على جور } . وفي رواية المغيرة عن الشعبي عند مسلم : { اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر } .
2- صفة التسوية :
اختلف الفقهاء في صفة التسوية على رأيين :
الرأي الأول : روى عن عطاء وشريح وإسحاق ومحمد بن الحسن تقسيم الأعطيات على حسب قسمة الله - تعالى -الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين .
قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله - تعالى – وفرائضه ، وقال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله - تعالى - .
الرأي الثاني : عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر .
الأدلة : دليل الرأي الأول :
1- قالوا : إن الله - تعالى - قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدي به قسمة الله - تعالى -.
2- لأن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كحال الموت ( يعني الميراث ).
3- العطية استعمال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حسبه : كما أن معجل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة .
4- لأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر ، والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته ، وقد قسم الله - تعالى - الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة .
دليل الرأي الثاني :
1- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبشير بن سعد : { سو بينهم } ، وعلل ذلك بقوله : أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال : نعم . قال : فسو بينهم . والبنت كالابن في استحقاق برها وكذلك في عطيتها .
2- عن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : { ساوَوا بينَ أولادِكُم في العطيَّةِ ، فلَو كُنتُ مُفضِّلًا أحدًا لفضَّلتُ النِّساءَ } ( رواه السيوطى في الجامع الصغير ، وضعفه الألبانى )
3- لأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة .
الإعتراض على الأدلة :
إعترض أصحاب الرأي الأول على أدلة الرأي الثاني بالاعتراضات الآتية :
1- حديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها وإنما ثبت حكمها فيما ماثلتها ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا ؟ ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر .
2- تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله - تعالى - .
3- يحتمل أنه أراد التسوية في العطاء لا في صفته فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه ، ودليل ذلك قول عطاء : { ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله تعالى } . وهذا خبر عن جميعهم .
4- يرد على حديث ابن عباس - رضي الله عنهما – بالآتي :
أ - من جهة السند : الحديث مرسل والمرسل قسم من أقسام الضعيف .
ب - من جهة المتن : يحمل على التسوية في العطاء لا في صفته .
الرأي الراجح : ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثانى ، فالصحيح أنه يجب التسوية بين الذكور والإناث في المقدار كما ذهب إليه الجمهور للأتى :
1- لأن ظاهر الخبر يدل على المساواة بين الجنسين من كل وجه دون تخصيص ولم يرد دليل يفضل الذكر على الأنثى حال الحياة فبقينا على الأصل ومقتضى العدل في الأصل التسوية بينهما في قدر المال كما يسوى بينهما في العشرة وحسن المعاملة والتودد . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للنعمان : { أيسرك أن يكونوا في البر سواء . قال : بلى . قال : فلا إذن } . وقال ابن بطال : { والحجة على من قال نجعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين كالفرائض قوله عليه السلام ( أكل ولدك نحلت مثل هذا ) . ولم يقل له هل فضلت الذكر على الأنثى ولو كان ذلك مستحبا لسأله عنه كما سأله عن التشريك في العطية . فثبت أن المعتبر عطية الكل على التسوية . فإن قيل لم يكن لبشير بنت فلذلك لم يسأله . قيل قد كان للنعمان أخت لها خبر نقله أصحاب الحديث } . اه .
2- ولأنه لا يصح قياس الهبة حال الحياة على الميراث حال الممات لوجود الفرق بينهما في كثير من الأحكام فالميراث أصل مستقل له أحكام وشروط تخصه لا يصح إلحاق سائر التبرعات والنفقات به حال الحياة فالقسمة في المواريث تغاير القسمة في النفقة .
3- ولأن تفضيل الذكر على الأنثى يوغر الصدر ويوقع العداوة والبغضاء بين الإخوة والأخوات والشارع رغب في تحقيق أسباب الألفة والمودة بين الأسرة ومنع الوسائل المفضية للنزاع والشقاق وهذا مقصد معتبر ينبغي العناية به وتحقيقه حسب الإمكان .
3- حكم تخصيص بعضهم لمعنى يقتضى تخصيصه :
مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل ، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها .
وقد اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين :
الرأي الأول وأدلته :
1- جواز ذلك ، وقد روى عن أحمد ما يدل عليه لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والأعطية في معناه .
2- لأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص القرابة .
3- حديث بشير قضية في عين لا عموم لها .
الرأي الثاني وأدلته :
المنع من التفضيل والتخصيص وذلك للآتي :
1- لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل بشيرا في عطيته .
ويرد على ذلك بأن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الإستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال ، وقد اعترض على ذلك بأنه لو علم بالحال لما قال : لك ولد غيره ؟
ويرد عليه بأنه يحتمل أن يكون السؤال هذا لبيان العلة كما قال - عليه السلام – لما سُئل عن بيعِ الرطبِ بالتمرِ ، فقال : أينقصُ الرطبُ إذا يبسَ ؟ قالوا : نعم . قال : فلا إذنْ } ( رواه إبن ماجه وصححه الألبانى ).
وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع عن البيع كذا هاهنا .
الرأي الراجح :
هو الرأي الأول ، وهذا ما رجحه العلامة ابن عثيمين - رحمه الله – في " شرح رياض الصالحين " حيث قال : { وهنا مسألة وهي أن بعض الناس يزوج أولاده الكبار ، وله أولاد صغار فيوصي لهم بعد موته بمقدار المهر ، وهذا حرام ولا يحل ؛ لأن هؤلاء إنما أعطيته لحاجتهم حاجة لا يماثلهم إخوانهم الصغار ، فلا يحل لك أن توصي لهم بشيء ، وإذا أوصى فالوصية باطلة ترد في التركة ويرثونها على قدر ميراثهم ، كذلك أيضا بعض الناس يكون ولده يشتغل معه : في تجارته ، في فلاحته ، فيعطيه زيادة على إخوانه ، وهذا أيضا لا يجوز ؛ لأن الولد إن كان قد تبرع بعمله مع أبيه فهذا بر ، وثوابه في الآخرة أعظم من ثوابه في الدنيا ، وإن كان لا يريد ذلك : يريد أن يشتغل لأبيه بأجرة ، فليفرض له أجرة ، مثلا للأكل شهر كذا وكذا ، كما يعطى الأجنبي أو يقول : لك سهم من الربح ، وأما أن يخصه من بين أولاده مع أن الولد قد تبرع بعمله وجعل ذلك من البر فلا يجوز له ذلك ، وإن أعطى أحدهم لكونه طالب علم يحفظ القرآن ، فإن قال للآخرين : من طلب منكم العلم أعطيته مثل أخيه ، أو من حفظ القرآن أعطيته مثل أخيه ، فطلب بعضهم وترك بعض ، فهؤلاء هم الذين تركوا الأمر بأنفسهم فلا حق لهم ، وأما إذا كان خص هذا دون أن يفتح الباب لإخوانه ، فهذا لا يجوز } أه .
4- حكم التسوية بين سائر الأقارب :
اختلف الفقهاء في حكم التسوية بين سائر الأقارب على رأيين :
الرأي الأول : قال أبو الخطاب : المشروع في عطية الأولاد وسائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم ، فإن خالف وفعل فعليه أن يرجع ويعمهم بالنحلة .
الدليل على ذلك : لأنهم في معنى الأولاد فثبت فيهم مثل حكمهم .
الرأي الثاني : ليس عليه التسوية بين سائر أقاربه ولا إعطاؤهم على قدر مواريثهم سواء كانوا من جهة واحدة كإخوة وأخوات وأعمام وبني عم أو من جهات كبنات وأخوات وغيرهم .
الدليل على ذلك :
1- لأنها عطية لغير الأولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية كما لو كانوا غير وارثين .
2- الأصل إباحة تصرف الإنسان في ماله كيف شاء .
3- إنما وجبت التسوية بين الأولاد بالخبر وليس غيرهم في معناهم لأنهم استووا في وجوب بر والدهم فاستووا في عطيته ، وبهذا علل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال : أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال : نعم . قال : فسو بينهم . ولم يوجد هذا في غيرهم .
4- لأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده فيمكنه أن يسوي بينهم باسترجاع ما أعطاه لبعضهم ولا يمكن ذلك في غيرهم .
5- لأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم وصرفه ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم ولا يساويهم في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم ولا نص في غيرهم .
6- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم لبشير زوجة ولم يأمره بإعطائها شيئا حين أمره بالتسوية بين أولاده ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك ؟
الرأي الراجح : ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني من عدم التسوية بين سائر الأقارب ، وذلك إذا كانت النية لم تتجه إلى حرمانهم من الميراث مطلقا كأن يعطي أولاده هبات كبيرة فيخرج ثروته عن ملكه بغرض حرمان زوجته أو أمه من حقهما في الميراث بعد موته لعدم وجود ما يرثنه .
5- الأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب .
الدليل على ذلك : قوله - صلى الله عليه وسلم - : { إنما النساء شقائق الرجال } (رواه الترمذى وصححه الألبانى ).
6- ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : { اتقوا الله واعدلوا فى أولادكم } ( رواه مسلم )
7- لأنها أحد الوالدين فمنعت من التفضيل كالأب .
8- لأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداة يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها فثبت لها مثله في ذلك .
خامسا : ما الحكم فيما لو قسم الشخص ماله بين أولاده على سبيل الميراث حال حياته ثم وجد ورثة آخرون بعد وفاته لم يبق لهم مال يستحقونه ؟
للإجابة عن ذلك نعرض فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في " مجموع الفتاوى " ، ردا على سؤال مفاده : { رجل له بنتان ومطلقة حامل ، وكتب لابنتيه ألفي دينار وأربع أملاك ، ثم بعد ذلك ولد للمطلقة ولد ذكر ، ولم يكتب له شيئا ، ثم بعد ذلك توفي الوالد وخلف موجودا خارجا عما كتبه لبنتيه ، وقسم الموجود بينهم على حكم الفريضة الشرعية ، فهل يفسخ ما كتب للبنات أم لا ؟ }
فأجاب - رحمه الله - : { هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم ، إن كان قد ملك البنات تمليكا تاما مقبوضا ، فإما أن يكون كتب لهن في ذمته ألفي دينار من غير إقباض ، أو أعطاهن شيئا ولم يقبض لهن ، فهذا العقد مفسوخ ، ويقسم الجميع بين الذكر والأنثيين ، وأما مع حصول القبض ، ففيه نزع ، وقد روى أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده ، فلما مات ولد له حمل ، فأمر أبو بكر وعمر أن يعطى الحمل نصيبه من الميراث ، فلهذا ينبغي أن يفعل بهذا كذلك ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } . وقال : { إني لا أشهد على جور } لمن أراد تخصيص بعض أولاده بالعطية ، وعلى البنات أن يتقين الله ويعطين الابن حقه } أه .
والله الموفق .
* نائب رئيس هيئة قضايا الدولة – الكاتب بمجلة التوحيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.