لا خلاف بين الفقهاء علي أن الأب إذا أعطي لأولاده أو بعضهم- في حياته- عطية صحت عطاياه. ولكنهم اختلفوا في وجوب التسوية بين الاولاد في العطية علي مذهبين. * المذهب الأول: يري أن التسوية بين الأولاد في العطايا مستحبة وليست واجبة. فيجوز للأب أن يعطي لبعضهم دون بعض. أو يعطي أحدهم أكثر من غيره حسب ما يراه من اجتهاد وتقدير. وهو مذهب الجمهور. قال به الحنفية والمالكية والشافعية. وحجتهم: ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ عن عائشة- رضي الله عنها- أن أباها الصديق كان قد وهبها عشرين وسقاً من ماله بالغابة دون سائر أولاده. كما روي أن عمر بن الخطاب فضلا ابنه عاصماً بشئ من العطية علي غيره من أولاده. ولأن حديث النعمان بن بشير الذي طلب والده من النبي- صلي الله عليه وسلم- أن يشهد علي عطيته للنعمان وهو أحد أبنائه. جاء سفي بعض رواياته في صحيح مسلم أن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال له: "فأشهد علي هذا غيري". مما يدل علي جواز العطية لأحد الابناء دون الباقين. فقد أذن له أن يبحث عن شاهد آخر علي عطيته. ولم يمنعه منها. * المذهب الثاني: يري وجوب التسوية بين الاولاد في العطايا في حكم الأصل. فإن خص بعضهم بعطية. أو فاضل بينهم. أثم ووجبت عليه التسوية إلا أن يكون عنده عذر مسوغ مثل إعطاء طالب العلم لتحصيله. واعطاء المريض لمداواته. وهو قول أبي يوسف من الحنفية ورواية عند المالكية وإليه ذهب الحنابلة. وحجتهم: ما أخرجه الشيخان من حديث النعمان بن بشير. أن أباه ذهب إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- ليشهد علي عطيته لأحد أبنائه وهو النعمان. فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-: "يا بشير ألك ولد سوي هذا"؟ قال: نعم. قال "كلهم وهبت له مثل هذا"؟ "قال لا. قال النبي- صلي الله عليه وسلم: "فأرجعه". وفي رواية: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وفي رواية: "لا تشهدني علي جور إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم "قالوا: ولأن عدم التسوية بين الاولاد في العطايا ذريعة للتباغض والتحاسد. وما يؤدي إلي الحرام يكون حراماً. واختلف الفقهاء في معني التسوية بين الاولاد علي مذهبين في الجملة. * المذهب الاول: يري أن معني التسوية في العطية بين الاولاد يكون بالعدل بينهم لا فرق بين ذكر وأنثي. وهو مذهب الجمهور قال به المالكية وأكثر الحنفية والشافعية. وحجتهم: عموم الامر بالعدل بين الاولاد. وهذا يشمل الذكر والانثي كما في قوله سبحانه: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين" "النساء:11". فكل من الذكر والانثي من الابناء والبنات يسمي ولداً. قالوا: ولأن عطية الحياة يجب ان تختلف عن الإرث. ففي الحياة يكون العطاء من الاب صلة بأولاده. وهي لا تختلف بالذكورة والانوثة. أما الارث فهو عطية الله. وتختلف بحسب التكليف الشرعي من الغرم والغنم. فالذكر مسئول بالانفاق علي الانثي. المذهب الثاني: يري ان التسوية في العطية بين الاولاد تكون بقدر ميراثهم. أي للذكر مثل حظ الانثيين. وهو مذهب الحنابلة وقال به محمد بن الحسن من الحنفية وهو قول مرجوح عند الشافعية. وحجتهم: أن الله تعالي قسم لهم في الإرث هكذا. وهو خير الحاكمين.