"لا بيرحموا ولا بيخلوا رحمة ربنا تنزل.. مصر خلاص بتتباع حتة حتة".. خرجت هذه الكلمات من فم أحد المواطنين القاطنين في الأماكن العشوائية، معبرين عن غضبهم تجاه المستثمرين العرب وبعض رجال الأعمال الذين يريدون شراء مساكنهم بأموال بخسة، وسط صمت قاتل من جانب الحكومة، بحسب ما قالوا. فخلال السنوات الأخيرة، ساءت الأوضاع الاقتصادية للبلاد بشكل متردٍ للغاية، هذا الأمر جعل عددًا كبيرًا من المستثمرين العرب يدخلون مصر ويعرضون أموالاً طائلة لشراء مناطق قديمة وعشوائية، لبناء فنادق ومشاريع، وبالفعل استجابت الحكومة لبعض العروض؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية. وبسبب توغل مستثمري الخليج في البلاد لشراء أجزاء من أراضى المحروسة، فتحت "المصريون" ملف بيع الأراضي المصرية لرجال الأعمال غير المصريين، واقتربت من المواطنين المتضررين من هذا الأمر. "جزيرة الذهب" بمجرد نزولك من محطة مترو "ساقية مكي" في الجيزة وتسير للأمام ستجد منطقة قريبة من حي المنيب تسمى "جزيرة الذهب"، في بدايتها عبارة عن شارع طويل به مبانٍ سكنية وسوق للخضار كبير، وبمجرد أن ينتهي بك السير في هذا الشارع ستجد قدميك وقفت عند شارع "البحر الأعظم"، وعند عبورك هذا الشارع ستجد مكانًا ما أروعه فتسرى النيل على ضفافه النباتات الخضراء وعلى الجانب الآخر منازل بسيطة من طين متواجدة وسط المزارع فها هى "جزيرة الذهب"، ولكي تذهب لها لابد أن تعبر النيل من خلال معدية يمتلكها شاب عشريني يدعى "إبراهيم" ويأخذ منك جنيهًا فقط لتعدى الطريق. ولكن للأسف الشديد تلك الجزيرة تخلو تمامًا من أى مرافق ولا خدمات ولا يوجد بها مدارس ولا مستشفيات ولا حتى قسم شرطة ولا أى شيء سوى الزراعة وبيوت من طين قديمة، وكشك "أبو فاديا" به بقالة بسيطة، والجزيرة بها خمس مساجد وكنيسة، وتعتمد على الاكتفاء الذاتي في توفير غذائها. وتلك الجزيرة لا يعرفها الكثيرون ولكنك من الممكن أن تراها وأنت تسير بسيارتك من أعلى كوبرى "المعادى"، وخلال جولتنا في المناطق التي تعرضت لشبح البيع للأجانب، ذهبنا لتلك الجزيرة وتحدثنا مع الأهالى هناك وأكدوا لنا أن "مستثمرين عرب" لديهم مطامع في شراء جزيرتهم؛ بسبب موقعها الجغرافي المتميز بحسب قولهم، وقالوا لنا.. قال أحد فلاحي جزيرة الذهب ويدعى "ح.م": "جالنا يوم الاثنين اللى فات ده على طول أمير عربى ورش فلوس على الفلاحين هنا، هو بيحاول يوسع الطريق لنفسه عشان لما يعرض على الناس البيع الغلابة يوافقوا". وأضاف: "ناس كتير طمعانة في الجزيرة دية من أيام مبارك وعايزين يدوها للناس العرب، بس إحنا مش هنمشي من بيوتنا مهما عملوا فينا، المكان هنا من جدود جدودنا مينفعش نسيبه، على الرغم إنه مفيش حد بيعرف يتعلم وأطفال كتير اتحرموا من التعليم، ومفيش مستشفيات". أما الحاج عامر صاحب ال50 عامًا فقال ل "المصريون": "مجموعة من العرب عاوزين ياخدوا مننا الجزيرة برخص التراب، عشان دايما بيجلنا ناس عرب وبيعرضوا علينا إننا نبيع القيراط ب150 و200 ألف جنيه، واًصلا سعر القيراط يستاهل أكتر من كدا لأنه وسط بحر، بعدين إحنا لو إدونا كنوز الدنيا مش هنسيب مكانا الجميل ده". يقول محمد زين، مزارع في الجزيرة: "الحكومة من زمان عايزة تخلص مننا لأن المكان كنز ليها لو اتباع، بس احنا مش هنسيب المكان مهما كلفنا الأمر". ويستكمل: "الدولة سايبة المكان من غير مدارس ولا مستشفيات ولا حتى قسم، عشان تطفشنا، يعنى لما حد يتعب بالليل مش بنعرف نعمل إيه، لأن المعدية مش بتكون موجودة بالليل، ولو لا أننا هنام بنزرع خضرنا وعندنا المواشي بتاعتنا كنا جوعنا". يقول ماهر ياسين، مزارع في الجزيرة: "الجزيرة تنتج 60 % من احتياجات محافظة الجيزة والقاهرة، من طماطم وخيار وخضراوات، بجانب المواشي التي تريدها المحافظة". ويستكمل قائلًا: "برغم كل ذلك الدولة سايبة علينا الناس العرب عشان ياخدوا مننا الجزيرة بأرخص ثمن". وتابع: "دايما بتتوجه لينا تهم إننا بنحمي إرهابيين برغم أن الجزيرة كل اللى فيها ناس من أهلها وعمر ما حد غريب بيخش عندنا، والمسيحيين عايشين معانا زى الفل وزى الإخوات". "مثلث ماسبيرو" خلال جولتنا الميدانية في منطقة "مثلث ماسبيرو" بالأخص منطقة بولاق أبو العلا ووكالة البلح، والذي أعلنت وزارة الإسكان خلال الأيام الماضية نيتها لتهجير جميع الأهالي المتواجدين في تلك المنطقة لتطويرها، اقتربنا من الأهالى لنستمع لمشكلاتهم بشأن هذا الموضوع. ويقول "س.م"، موظف في وزارة الزراعة: "إحنا هنا في المنطقة بقالنا 50 سنة والشقة اللى قاعد فيها بتاعت والدى يعنى قديمة، بعدين البيت كله مفيهوش أى مشكلة ومش ضارر الحكومة، لكن الهدف الأساسي مش تطوير المنطقة زى ما الدولة بتقول لأن الهدف الحقيقي هو بيع الحتة للمستثمرين الأجانب، عشان كدا إحنا هنا مش هنسيب المكان مهما حصل". أما محمد عبده، شاب عشريني يقطن في منطقة بولاق أبو العلا يقول: "بنتعرض لتهديدات كتير ومضايقات عشان تجبر إننا نمشي من المكان، والمستثمرين العرب ياخدوا المكان ويبنوا فيه أبراج"، واختتم حديثه قائلا: "البلد بتتباع ارحمونا".