الفقه فى اللغة يعنى العلم بالشىء والفهم له, وليس المراد منه مطلق العلم, بل المقصود دقة الفهم، أمَّا التعريف الاصطلاحى لكلمة الفقه: فهو معنى الكلمة بعد استعمال علماء الإسلام لها، سواء كان هذا الاستعمال وارداً فى النصوص الشرعية، أو مستنداً إليها بحيث أصبح لها معنى خاصاً لم يكن معلوماً عند العرب سابقاً، فكلمة فقه تعنى العلم والفهم فى كلام العرب، كما اصطلح العلماء على تسمية العلم الذى يهتم بالعبادات العملية: (فقهاً) فأصبح علم الفقه يدل على مدلول خاص عرف بعد الإسلام لم يكن معروفاً قبله. والفِقْهُ ليس شيئًا واحدًا؛ بل هو متنوِّعٌ شاملٌ؛ فمِنْ ذلِك: فقه المقاصد والنيَّات، وفقه الموازنات والأوليَّات، وفقه الاختلاف، وفقه سماحة الإسلام ويُسْره، وفقه الواقع، وفقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفقه الدعوة، وفقْه الثوابت والمتغيِّرات.. وغير ذلك.. وأضيف عليه ومن واقع قراءتى للأحداث التى تمر بها مصر أدعو إلى فهم المعنى الذى أقصده بفقه الثورة..! هذه مقدمة كان من الضرورى إيرادها، كى يعلم كل ذى بصر وبصيرة ممن يقرأون كلامى هذا على أننى أحاول أن أضع أمام قارئى مفهومى للثورة، التى قام بها الشعب المصرى.. وبشكل سلمى غير مسبوق، أدهش العالم، هذه الثورة التى تصدر المشهد فيها ثلة من شباب مصر، اخترعوها فى عالمهم الافتراضى.. ومن ثم نقلوها حين أغلق عليهم الفاسدون من أبناء نظام مبارك، الأبواب والشبابيك.. التى بين الواقعى فيها والافتراضى.. المسموح بها وغير المسموح. وفى الحقيقة وقبل أن أدلف إلى تفسير مفهومى عن الثورة والعمل الثورى، أجد أنه من الضرورى أن استعرض بعضًا مما قيل عن الثورة فى أكثر من تعريف.. لعل أهمها مفهوم الثورة كمصطلح سياسى، والذى يتم التعبير عنه بأنها الخروج عن الوضع الراهن لإحداث تغيير سريع وجذرى فى شتى مناحى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية وغيرها، ومن ثم ندلف إلى المفهوم الشعبى للثورة: الذى يقول بأنها انتفاضة الشعب ضد الحكم الفاسد الظالم، يأتى من بعدها مفهوم الثورة كمصطلح علمى الذى يعنى قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة، ووجد هذا التعريف مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية كما يقول المؤرخون.. وليس معنى القوة هنا استخدام السلاح وإلا كان انقلاباً عسكرياً.. فالمقصود بالقوة فى هذا التعريف هو القوة العددية وقوة إرادة التغيير الجذرى فى هؤلاء الثوار وإصرارهم على تنفيذ مطالبهم المشروعة بصورة فورية. أما الثورة كمفهوم اصطلاحى فإنها تعنى الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم وللثورة تعريفات مُعجَمِية تتلخص بتعريفين اثنين التعريف التقليدى القديم الذى وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية، وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً هو التغيير الذى يحدثه الشعب من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.. والمفهوم الدارج أو الشعبى للثورة هو الانتفاض ضد الحكم الظالم، وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية فى نوفمبر 2004 أو عسكرية وهى التى تسمى انقلابا مثل الانقلابات التى سادت أمريكا اللاتينية فى حقبتى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية {1954-1962}.. وأضيف مفهوما أخيرا للثورة فى إشارة إلى معنى اصطلاحى سياسى حيث تعنى الثورة: عملية انفجار هائلة تأتى بعد أن يكون شعب من الشعوب أو أمة من الأمم قد تحملوا بأكثر ما يطيقون (اقتصاديًا وسياسيًا وفكريًا واجتماعيًا).. بعدها قاموا ليس بتحطيم القيود والأغلال، ولكن حتى الحدود والسدود، ومن ثم أسقطوا النظام، سعيًا نحو إقامة نظام آخر بديل. وهذا بالضبط ينطبق على حالنا قبل الثورة.. وكان الانفجار الذى حدث فى وجه ثلاثة عقود من الفساد والإفساد والديكتاتورية، والعمالة والتحقير من الشأن المصرى فى كل المحافل. وغالبًا ما تحدث الثورات جراء استياء عام بين الشعب بسبب تراكم مشاكل خطيرة، فالفقر والظلم والقسوة والفساد ووجود حكام غير مؤهلين كلها عوامل تؤدى إلى الثورة ولكن فى أغلب الحالات لا تكون المشاكل الاجتماعية وحدها سببًا كافيًا لأحداث ثورة فالمشاكل الاجتماعية تدفع المرء إلى اليأس أكثر مما تجعله يعمل للحصول على حياة فضل والثورة بحاجة إلى قادة أقوياء يستغلون الأوضاع المتردية ويعملون على توحيد الجماهير خلف برنامج يمنيهم بتحسين الأوضاع وتحدث الثورة عندما يفقد الحكام الثقة فى أنفسهم ويبدأون بالإذعان إلى مطالب غرمائهم، فالتنازلات التى يبديها الحكام وتحسن الأحوال الاجتماعية تؤدى إلى ثورة الآمال الطموحة خاصة بعد أن يلتمس الشعب أملا فى تحقيق حياة أفضل وعندما لا ترضى التغييرات تطلعات الجماهير وآمالها تفقد هذه الجماهير الثقة فى حكامها وتلتف حول القادة الثوار.. هذه السببية توافرت فى ثورة يناير 2011.. فقد كان لها مقدمات.. وأسباب.. نترك الحديث عنها إلى الحلقة التالية بإذن الله. طه محمد كسبه [email protected]