أصبح الزميل الأستاذ طارق حافظ من جريدة الفجر، مادة خصبة لوسائل الإعلام العالمية وصفحات السوشيال ميديا بمجرد الإعلان عن التحقيق معه بتهمة خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء. جاءت الشهرة للزميل طارق على طبق من ذهب. حقق خلال دقيقة واحدة من البحث عن اسمه في محرك البحث الشهير "جوجل" ما لم يحققه الأستاذ محمد حسنين هيكل إلا بعد مئات المقالات والانفرادات والكتب واللقاءات مع زعماء العالم وسنين طويلة من العمل الشاق في مهنة صعبة وخطيرة للغاية خصوصا في عالمنا العربي. تحول حافظ إلى نجم. حققت له تهمة استغربها الكثيرون كل هذه الشهرة. أنا شخصيا لم يسبق لي شرف التعرف على اسمه. أمس اتصل بي صحفي في محطة سي إن إن الأمريكية من اتلانتا بالولايات المتحدة يسألني تفسيرا لمعنى "الرونق العام" فشرحتها له من بعض المعاجم العربية وهي تعني الحسن والبهاء. نقول رونق الشباب أي أوله وطراوته ونضارته. ويقابلها في الانجليزية كلمات مثل Grace ، Brilliance، Splendor، Luster . لا أدعي معرفة بقانون العقوبات حتى أتحدث عن التهمة ذاتها، لكن ما نشرته الصحف في الأيام الماضية كشف لنا أن أساطين قانون كبارا لا يعرفونها. جريدة الوفد نقلت عن الدكتور محمود كبيش عميد كلية حقوق القاهرة أنه لا يوجد شيء يسمى الرونق العام في القانون إلا إذا كانت مستحدثة فهذا حديث آخر. أما المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق فقال للصحيفة نفسها "أول مرة أسمع الجملة دي" مشيرا إلى احتمالية قصد النيابة منها السب والقذف، مستدركا بأن استعمال جمل غير مألوفة السمع لدى الرأي العام نوع من الاجتهاد لسلطة التحقيق. أما عصام الإسلامبولي الفقيه الدستوري فبعد أن أكد عدم وجود تلك التهمة في القانون، تشكك أن تكون خرجت من سلطة التحقيق وربما استعملته الأخبار الصحفية فقط على حد قوله. الزميلة الإعلامية السورية ألما مصطفى عنتابلي المذيعة بقناة سكاي نيوز عربية، كتبت على صفحتها بالفيسبوك تنصح المصريين الضاجين بقصة "خدش الرونق" بمطالعة قانون العقوبات السوري ليجدوا ما يسرهم، فعلقت إحدى صديقاتها.. قصدك على "وهن نفسية الأمة".. أي أن هناك تهمة بهذا المسمى. في العام الماضي اهتم الرأي العام الأوروبي والفرنسي بتهمة "ابتزازالملك" الموجهة إلى الصحفيين الفرنسيين ايريك لوران وكاترين كراسي. من الطبيعي أنه لا توجد في القانون الجنائي الفرنسي تهمة بنفس المعنى الحرفي لأن فرنسا جمهورية وليست ملكية، والمقصود طبعا هو "الابتزاز" بمعناه العام وعقوبته أكثر من 7 سنوات سجنا وغرامة 100 ألف يورو، لكن ارتباط التهمة بسعي الصحفيين للحصول على رشوة من الديوان الملكي المغربي مقابل عدم نشر كتاب لهما عن المغرب، ربطت التهمة بذلك اللفظ. عموما للصحفيين المصريين مواقف مع المحاكم خلدها التاريخ وخرجوا منها بالشهرة التي عاشت زمنا طويلا. الصحفي على يوسف أول رئيس تحرير لجريدة المؤيد التي أسسها الزعيم مصطفى كامل 1889 أشهرهم على الإطلاق. في القضية التي رفعها ضده الشيخ السادات عام 1904 لتطليق ابنته "صفية" منه لعدم التكافؤ بينهما، حكمت المحكمة مؤقتا بانتقالها إلى بيت أحد قضاة المحكمة واسمه الشيخ الرافعي. وأيامها امتلأت الصحف المصرية بأحاديث عن القضية وتوابعها، وتناقلتها مجالس النكات المصرية التي كانت اختراعا عبقريا مبكرا للسوشيال ميديا الحالية. دفاع الشيخ السادات دفع في مرافعته لتطليق الصحفي علي يوسف من زوجته صفية أنه "يحترف حرفة حقيرة هي الصحافة التي تقوم على الجاسوسية والإشاعة وكشف الأسرار المنهي عنها شرعا، فرد محامي علي يوسف بأن جميع حضرات القضاة مشتركون في صحيفة المؤيد، وغيرها من الصحف، فلو صح أنها حرفة دنيئة وأن كسبها حرام لأصبح جميع حضرات القضاة من الآثمين". أصدر القاضي الشيخ أبو خطوة قرارا بإحالة الدعوة للتحقيق لإثبات أن الشيخ السادات من نسل الحسين رضي الله عنه، وأن حرفة الصحافة التي يمتهنها علي يوسف حرفة وضيعة. قصص الصحافة مع المحاكم لا تنتهي، صديقان لا يفترقان. [email protected]