الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة،يختص دون غيره بالقيام علي كافة شئونه،وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية،ويتولي مسؤلية الدعوة ونشرعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم.وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل،وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. هذه يا سادة هي نصوص فقرات المادة السابعة من من دستور2014م،تحدد وبوضوح التوصيف القانوني الدستوري لمؤسسة الأزهر،وتبين اختصاصاته،وتظهر بما لا لبس فيه الالتزام الواقع علي عاتق الدولة تجاه تلك المؤسسة العتيقة،ثم أخيراً وضعت النصوص الفاصلة القاطعة لمنصب شيخ الأزهر،التي بها يُحفظ استقلال الأزهر في أداء دوره المحلي والعالمي،دونما تأثير قد يقع عليه،فيعرقل دوره في أداء رسالته،الذي إذا ماتعثر عن عمد أو خطأ أو سهوٍ فأقولها للكافة حكاماً ومحكومين تخلفت البلاد،وتاه العباد،وماالمؤتمر العالمي للسلام الذي دعا إليه الأزهر الشريف واستجاب له بابا الفاتيكان وأثره العالمي الذي تناوله الإعلام العالمي بكل صوره إلاخير شاهد. _ ياعلماء الأزهر وطلابه ومريديه خاصة،ويا شعب مصر،وياشعوب العالم الإسلامي بشكل عام تعالوا لنقف جميعا علي حقيقة التنيظم الدستوري لمؤسسة الأزهر،ثم علي بيان مواطن الكوارث المدمرة في مشروع القانون الجديد،المعدل للعديد من مواد قانون الأزهرالحالي 103لسنة 1961م، في نقاط أحسب أنها معرفتها أصبحت فرض عين علي جميع أبناء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب،بحسبانها المؤسسة التي قامت ولازالت وستظل حامية الحمي الاسلامي للأمة بأسرها، والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر بشكل خاص.. أولاً: التوصيف الدستوري لمؤسسة الأزهر _ وصف الدستور مؤسسة الأزهر بكونها (هيئة) إسلامية علمية مستقلة .وعلي هذه الفقرة نلحظ العديد من الأمور،وهي: الأمر الأول..أنه وصفها بكونها (هيئة) ولم يصفها بكونها (جهة) كما هو الحال بشأن كافة المؤسسات المستقلة،كجهة القضاء العادي الطبيعي،والعسكري الاستثنائي،رغبة منه في عدم منح الاستقلالية الحقيقة لتلك المؤسسة الخطيرة،وهذا هو الفارق الجوهري الكامن بشكل خفي بين مصطلحي (هيئة)،(جهة)،الفارق الذي ينتقص من استقلالية الازهر لصالح أصحاب الهوي. الأمر الثاني ..أن الدستور ذاته وصف الأزهر بكونه هيئة (إسلامية علمية)،وذلك علي خلاف نص المادة الرابعة من دستور 2012م ،والتي وصفته بكونه (هيئة إسلامية مستقلة جامعة)،لماذا ؟ لسبب خبيث مستر، وهو التأكيد علي أن دوره الإسلامي دور علمي محض،لا علاقة للدين فيه بسياسة أمور الدنيا،أو التدخل فيها،حتي يظل دوره محصوراً بين باحات أروقته العلمية،لايخرج بحال لأحوال الناس،ولاشوراعهم،وقطع كل صلة بينه وبين معاش الناس،وبذلك يستطيع كل من يلي حكم البلاد أن يقرر بشأن الناس مايشاء،في أي وقت شاء،دونمارقيب من قواعد الشرع الحنيف،فيصبح العقل،والعقل وحده هو صاحب السلطان علي العقل في تصريف الأمور،وهذه هي الفلسفة الغربية العلمانية،التي نادي بها سحرة الإعلام بشكل فج،وطالبوا من رئيس الدولة صراحة أن يعلنها علي الملأ أن مصر علمانية،لاإسلامية. وفي سبيل تحقيق ذلك أُطلق العنان للسحرةالنيل من هذه المؤسسة التي اكتنفت المصريين بين ذراعيها عبر التاريح من البطش والظلم والقهر.والعجيب أيها الأعزاء أنهم يأتون بعد ذلك لإلقاء اللوم علي الأزهر لتراخيه في أداء رسالته ودوره الاجتماعي،الذي به سبب كل رخاء اقتصادي،واستقرار سياسي .الأمر الثالث..أن الدستور قد منح الأزهر استقلاليته،حتي وإن كنا نراها ناقصة علي نحو ما أوضحنا،وذلك بالقول(هيئة إسلامية علمية مستقلة)،والمراد بالاستقلال في حقيقته هو الاستقلال العلمي والإداري والمالي بالحد الذي يمكن الأزهر أن يؤدي رسالته العالمية في إطار من الدستورية،ومن هنا كان أي تعديل لقانون الأزهر يمس هذه الاستقلالية الدستورية سواءًمن الناحية العلمية بالانقضاض علي اختصاصه بتطوير مناهجهه،أو من الناحية الإدارية بالتدخل في اختيار قياداته علي النحو الذي يجعل ولائهم لمن اختارهم لا للمؤسسة فحسب،أومن الناحية المالية بالسطو علي أوقافه التي أغنته عن الجميع داخليا وخارجيا، فهو ووفقاً لحكم الدستور تعديل غير دستوري، لا قيمة له في عين الدستور ولا عقل القانون ولا عرف الناس،بحيث إذا ماتم فإما القضاء بعدم دستوريته باعتبارنا دولة مؤسسات حقيقية،تقدر الدستور،وتعلي من شأن القانون،وإما دخلنا مرحلة التيه التي لا قيامة لنا بعدها إلا أن يأذن الله . ثانياً: الاختصاص الدستوري لمؤسسة الأزهر _ حدد دستور 2014م مجموعة من الاختصاصات،تم حصرها ليكون أمر تحقيقها من اختصاص الأزهر وحده دونما تدخل أو تسلط يُعيق الأزهر في ذلك،وهذه الاختصاصات هي: أ_ يختص الأزهر وحده دون غيره بالقيام علي كافة شئونه.ب_ يختص بكونه المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية .ج_صاحب المسئولية في تولي أمر الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم.والنتيجة الطبيعية هنا وعلي نحو ما ورد في المادة الثانية من الباب الأول لقانون الأزهر أن الأزهر هوصاحب المسؤلية الكبري في حفظ التراث الإسلامي،الذي يريد العلمانيون تدميره،وتشويهه،وإحراقه إن أتيح لهم ذلك،بحجة التجديد والتطوير،والخروج من الجمود الذي يدعونه زورا وبهتاناً.وهو المختص بدراسته،وتجليته،ونشره،وتنقيته مما قد يكون قد علق به في عصر من العصور لأسباب فكرية انحرافية من شوائب الفكر.وهو الذي يحمل علي مر العصور فوق كتفيه أمانة الرسالة الإسلامية إلي كل شعوب الأرض،ليظهر حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر،ورقي الحضارة،وكفالة الأمن والطمأنينة،وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة. كما يهتم ببعث الحضارة العربية،وإحياء لغتها،والحفاظ عليها من الموات.كما يقع علي عاتق الأزهرأمانة إحياء التراث العلمي والفكري للأمة العربية ،ونشره للعالمين،وإظهار أثر العرب في نفعها وتقدمها.كما يتحمل الأزهر العتيق أمانة تزويد الوطن العربي،والعالم الإسلامي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن وعلومه.كما لم يتأبي أبداً أن يحمل الأمانة علي ظهره رغم شُقتها في تخريج العلماء العاملين المتفقهين في الدين،الذين يجمعون إلي الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح،كفاية علمية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والدينا.كما يهتم دونما تراخٍ أو تقاعس كمايدعي كل أفاك أثيم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات الإسلامية والعربية والأجنبية . ثالثاً: كيف حافظ الدستور علي استقلال منصب شيخ الأزهر _نظراً لخطورة منصب شيخ الأزهر علي المستوي العلمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي،باعتباره رمز إسلامي عالمي،هذه الخطورة التي علمهاجيداً،ووقف علي قوة آثارها المحتل علي مر التاريخ،والتي علي أساسها حاول رغم جبروته وبطشه وطغيانه أن ينتزع شرعية مزيفة لاحتلاله بالتقرب إلي شيخ الأزهر وعلمائه،فخاب مسعاه.تلك الخطورة التي جعلت السلطان العثماني سليمان الثالث في 3يونيو 1806م يشترط عند تعيينه لواليه الجديد علي مصر موسي باشا رضاء شيخ الأزهر وعلمائه،واشتراط كونهم ضامنين لتسيير الأمور في مصر في ظل الوضع السياسي الجديد علي أكمل وجه.نظراً لهذه الخطورة ،التي لم ولن تتبدل مابقي الناس،فقد ضمنت الفقرة الثالثة من المادة السابعة من دستور2014م استقلال شيخ الأزهر عن ثمة تأثير قد يقع عليه،أو يُوقع به من سلطة تنفيذية،أو تشريعية،أو قضائية، طالما كان يؤدي أمانته علي النحو المنوط به دستوريا،بأن جعلته غير قابل للعزل.أما والأمر كذلك ،حتي وإن كان الدستور قد أحال إلي القانون تنظيم طريقة اختياره فإن أي حراك لمجلس الشعب،لتعديل قانون الأزهر علي النحو الذي يطيح بهذه الاستقلالية لهو لعب بالنار،نتيجيته الطبيعية القضاء علي دور الأزهر علي النحو سابق البيان،بتدمير صرحه،وعزل شيخه،الأمر الذي لن يستقر معه حال البلاد علي كافة الأصعدة. أما عن مظاهر الآثار الكارثية للمشروع الجديد لقانون الأزهر فهو محل لقائنا القادم إن شاء الله. د_محمد فتحي رزق الله مدرس القانون الخاص،جامعة الأزهر