ويلات السياسة الخارجية الأمريكية على العالم العربي ليست بالأمر الجديد. فهي سياسة ناتجة عن ثوابت إستيراتيجية للإدارة الأمريكية تجاه المنطقة العربية بغض النظر عن انتماءات الرئيس. تلك الثوابت لا تفرق بين "باراك أوباما" الليبرالي الديمقراطي – صاحب الخطاب المعسول عن القيم والمباديء الديمقراطية (وهو منها براء) – وبين "دونالد ترمب" الشعبوي الجمهوري صاحب الخطاب الجمهوري المباشر ضد كل ما يمت بالديمقراطية والتعددية بصلة، وصاحب الفعل المتماشي تماماً مع خطابه. إن الإستيراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي "لا يزيدها مرور السنين إلا رسوخاً وتفنناً بأقدار الوطن العربي، وتلذذاً بعذابات الملايين من ساكنيه"، كما يؤكد "علي محمد فخرو". سيبقى الكيان الصهيوني الحليف مقدماً على كل حليف عربي؛ وستبقى الإدارة الأمريكية مصرةً على منع وجود أي نظام عربي حاكم مقاوم للتطبيع، وعلى منع وجود أي جيش عربي قادر على دحر إسرائيل. لن تتراجع الإدارة الأمريكية عن استيراتيجية الهيمنة على ثروات البترول؛ ولن تحارب التكفيريين حرباً حقيقيةً طالما ظلوا محصورين في أرض العرب.فهؤلاء التكفيريون يبقون على اشتعال الحروب في داخل الوطن العربي، وعلى استمرار "الفوضى الخلاقة" – التي بشر بها "جورج دبليو بوش" أثناء ولايته من عام 2000 إلى عام 2008 – وهو عين ما أراده "أوباما" الليبرالي الديمقراطي، وعين ما يريده "ترمب" الشعبوي الجمهوري. لم يكن "اوباما" ملاكاً، كما يصوره المتباكون من العرب الذين فُجعوا من وصول "ترمب" إلى سُدة الحكم. فهل يمكن نسيان سلبية "أوباما" المفرطة تجاه الحرب السورية اللهم إلا تصريحاته المناوئة لنظام الأسد؛ تلك "التصريحات" التي لم تُغن ولم تُسمن من جوع؟ وهل يمكن نسيان دعمه المستمر للأكراد في سوريا والحشد الشيعي في العراق على حساب مصلحة الوطنين السوري والعراقي؟ بل هل يمكن نسيان سلبيته – حتى على مستوى الداخل الأمريكي – تجاه مشاكل العنصرية التي اكتوى الأمريكيون السود بنارها من قبل أشقائهم ونظرائهم ذوي البشرة البيضاء؟ إن ما فعله "أوباما" – خلال فترة ولايته – كان تطبيقاً لتلك الثوابت الأمريكية التي لا يستطيع أن يحيد عنها أي رئيس أمريكي. لقد طبق تلك الثوابت من وراء "القناع الديمقراطي" الذي وضعه على وجهه، خافياً وراءه النوايا الحقيقية المتماشية مع تلك الثوابت. وإذا كان "اوباما" قد أضمر القبح وراء ابتسامته الصفراء، فإن "ترمب" سارع في الكشف عن ذلك القبح فور وصوله إلى البيت الأبيض...دون مواربة أو خجل. تمثل ذلك القبح "الترمباوي" في قراراته السريعة بشأن حظر دخول المهاجرين المسلمين (من سبع دول إسلامية) في أراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ كما تمثل في دعمه لاستفحال واستمرار الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، والذي من شأنه تصفية القضية الفلسطينية برمتها. هذا فضلاً عن دفعه نحو تغيير جذري في داخل البنية السياسية الدولية، وتمهيده لصراع عالمي يجهض قيم ومباديء "السلام الأمريكي" الذي دُشن بعد الحرب العالمية الثانية، كما أكد "إبراهيم عوض" في مقال له تحت عنوان "انقلابات السياسية الدولية". وأخيراً، إعلان هجومه على النظام الإيراني – على عكس "اوباما" – وسعيه نحو استمالة الدول السُنية المعتدلة – على حسب تعبيره – للوقوف في الخندق الإسرائيلي سوياً ضد إيران. إذا كان "أوباما" قد استخدم السكين الإيراني لتقطيع المنطقة العربية، مستخدماً "الكارت" الطائفي الشيعي، فإن "ترمب" يستخدم الآن "السكين" الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية بأكملها وتصفية العرب، بل وحذفهم من الخريطة. فما اصطفاف الدول العربية سوياً مع إسرائيل ضد إيران إلا تصفية للمنطقة العربية برمتها. دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 2010