اختلفت الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر فى التعامل مع التيار الإسلامى بكل طوائفه داخل السجون المصرية على مدار التاريخ. فى بداية التسعينيات اشتد الصراع بين الجماعة الإسلامية والدولة المصرية، متمثلة فى وزارة الداخلية، وهو الأمر الذى راح ضحيته العديد من الأشخاص من كلا الجانبين، ولكن بعد فترة استطاعت الدولة السيطرة على الأمور، وتمكن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى ذلك الوقت متمثلاً فى جهازه الشرطى القوى من أن يفرض سيطرته على تلك الجماعات بكل أقسامها، وهو ما نتج عنه دخول الآلاف من أبناء التيار الإسلامى المنتمى للجماعة الإسلامية إلى المعتقلات موزعين على سجون مصر المختلفة سواء فى طرة بكل ملاحقاته العقرب والمزرعة ولاحقًا بسجن شديد الحراسة بمنطقة الوادى الجديد وهذه السجون كانت بمثابة الموت البطيء لأبناء التيار الدينى المناضل بقوة السلاح حينذاك. على الجانب الآخر، وفور ثورة 30 يونيو 2013 وعزل جماعة الإخوان المسلمين من الحكم ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى السلطة، اكتظت السجون المصرية بالعديد من المعتقلين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض المساندين لهم من الجماعة الإسلامية ليعود أبناء التيار الإسلامى إلى السجون مرة أخرى فى عهد الرئيس السيسي، ولكن بشكل أكثر شراسة وتعذيبًا عن سجون عهد مبارك. مما دعا بعض قيادات التيار الإسلامى إلى وصف سجون مبارك بأنها كانت "نزهة" للإسلاميين بالمقارنة بالسجون التى يقبع فيها أبناء التيار الإسلامى حاليًا فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى خاصة جماعة أعضاء الإخوان المسلمين وأعضاء الجماعة الإسلامية. "المصريون" رصدت كيف كان يعامل أبناء التيار الإسلامى وعلى رأسهم الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين داخل السجون المصرية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك والحالى عبد الفتاح السيسي.. سجون "الجماعة الإسلامية" اكتظت سجون مبارك بمعتقلى الجماعات الإسلامية، وكما كانت تجرى التصفية الجسدية لأعضائها فى الخارج بالمواجهات مع الأمن، كانت تتم تصفية أخرى معنويًا أو جسديًا داخل المعتقلات، حيث مارس جلادو مبارك أبشع أنوع التعذيب والتنكيل بمعتقلى الجماعة الإسلامية طوال العقدين الماضيين، حتى قتل عدد كبير منهم جراء هذا التعذيب، ومن بقى حيًا منهم أصبح بقايا إنسان، الأمر الذى مهد الطريق لفكرة المراجعات التى بدت هى المخرج الوحيد من جحيم المعتقل، وبالفعل انطلقت المباردة الأولى من أحد قيادات تنظيم الجماعة الإسلامية فى أثناء إحدى المحاكمات العسكرية، حيث أعلن عن نية الجماعة للقيام بمراجعة شاملة للأفكار الجهادية ونبذ العنف نهائيًا والعودة للعمل الدعوى فقط، لكن المبادرة توقفت بعد حادثة الأقصر والتى راح ضحيتها 57 سائحًا وتبنتها مجموعة أطلقت على نفسها كتائب الخراب والدمار التى حسبت على تنظيم الجماعة الإسلامية. بداية جديدة لمبارك معها مع بداية الألفية الثالثة وبالتحديد بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، بدأت مرحلة جديدة من حياة نظام مبارك، فى هذا السياق تم إحياء مبادرة وقف العنف التى تقدمت بها الجماعة الإسلامية، وفى عام 2002 تم الإعلان عن صفقة بين النظام وقيادات الجماعة الإسلامية تقوم فيها الأخيرة بإتمام البحوث الفقهية الخاصة بالمراجعات الفكرية للجماعة، فى مقابل الإفراج عن معتقليها على دفعات، وبالفعل أصدرت الجماعة أربعة كتب شكلت النواة الأولى للمراجعات والتى استبدلت فيها تفسيرات الأحكام الدينية المتطرفة التى بنيت عليها فكرة الجهاد والخروج على الحاكم بتفسيرات أخرى على النقيض تحرم العنف وتكفير الحاكم، وبدأت المرحلة الثانية والأصعب من عملية المراجعات وهى إقناع أعضاء الجماعة فى المعتقلات بالفكر الجديد، وبالفعل أخذت قيادات الجماعة تجوب المعتقلات لإقناعهم بنقيض ما يعتقدون، ورغم أن أفكار المراجعات وُجهت برفض شديد من قواعد الجماعة فى البداية، إلا أنه تحت وطأة جحيم المعتقل لسنوات دامت فى بعض الحالات لأكثر من عشرين عامًا، لم يجدوا أمامهم سوى الاستسلام للأمر الواقع. هكذا جاءت مراجعات الجماعة الإسلامية فى سياق التغيرات الكبرى التى وقعت على المستوى الإقليمى والمحلى والتى شكلت ضغطًا كبيرًا على نظام مبارك دفعه دفعاً لفتح ملف من أخطر ملفات استبداده يخص عشرات الآلاف من المعتقلين الإسلاميين اكتظت بهم معتقلاته على مدار أكثر من عشرين عامًا، وأصبح يشكل له نقطة ضعف أراد التخلص منها، عكس ادعاءات أبواق النظام أنها خطوة تنم عن ديمقراطية مبارك وسعة صدره، فشروط الصفقة تقول عكس ذلك تمامًا، فلم يكتف النظام بالمراجعات الفكرية التى قدمتها الجماعة، بل اشترط أيضًا عدم انخراط أعضاء الجماعة المفرج عنهم فى أى تنظيمات أو تشكيل أى أحزاب سياسية، ولم يسمح لهم إلا بممارسة العمل الدعوى فقط. ومع قدوم ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 وانتهاء عصر مبارك مع الجماعة الإسلامية والسجون والتعذيب، وبدء عصر جديد من حيث العمل السياسى وإنشاء أحزاب والمشاركة فى الحياة السياسية بكل أشكلها، إلا أن هذه الآمال والطموحات التى كانت حقيقة فى بعض الوقت قد تبخرت بعد إتيان نظام 30 يوينو2013 ودفعت الجماعة الإسلامية ثمنًا آخر، وهو لأنها وقفت بجوار التيار الإسلامى الأكبر وهى جماعة الإخوان المسلمين. زنازين "الإخوان" مع بداية عهد جديد عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات فى أكتوبر 1981، استقبل الإخوان هذا العهد بتولى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك السلطة فى مصر، وكما كانت عليه بدايات حقبة السادات، فقد بدأت علاقة الإخوان بمبارك بقيام الأخير بالإفراج عنهم من السجون فى سياق الإفراج عن المتحفظ عليهم فى قرارات سبتمبر الشهيرة التى اتخذها السادات قبيل اغتياله. وشكر مرشد الجماعة الشيخ عمر التلمساني، الرئيس الأسبق مبارك ومدحه لأنه أطلق لصحف المعارضة حقها فى النقد، ووصفه بأنه "حريص فى كل مناسبة على التصريح بالتزامه جانب الحرية، وأنه لن يعدل عنها، كل هذه مبشرات، ومن حقه علينا أن نذكرها له". وخلال حقبة مبارك، كان الإخوان ضيوفًا دائمين على السجون والمعتقلات، لا يخرجون منها إلا سرعان ما يعودون إليها. فسجون الإخوان فى عهد مبارك تحديدًا عبارة عن نزهات، فبالرغم من أن الإخوان كان يتم الزج بهم فى السجون، إلا أنهم كانوا أعضاءً فى البرلمان وفى النقابات وفى المجالس المحلية وغيرها، وهو ما يمكن وصفه بأن سجون مبارك للإخوان كانت عبارة عن "قرصة ودن" لا أكثر من ذلك. إلا أن ذلك لا ينفى أن جماعة الإخوان المسلمين كان لها نصيب من التعذيب فى سجون الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث اعتقل مبارك على مدار حكه الذى استمر ثلاثين عامًا، 50 ألفًا، منهم 30 ألفًا فى العشر سنوات الأخيرة من حكمه، واستخدم الطرق القمعية ضدهم منها التضييق عليهم ومحاربتهم، وتلفيق التهم لهم وإثارة الشبهات حولهم. فقد عقد مبارك سبع محاكمات عسكرية للإخوان منذ عام 1995 حتى عام 2006، أحيل منهم 170 شخصًا، تم الحكم على 119 منهم بأحكام مشددة ومصادرة أموال بعضهم. الإخوان فى سجون السيسي لم تختلف معاملة السجناء الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين فى العصر الحالى الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى عن نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بل ازدادت قسوة فى الوقت الحالي، خاصة مع خروج الإخوان المسلمين من الحكم عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى من الحكم فى يوليو 2013. إسماعيل والفلاحجى.. أبرز ضحايا الإخوان تحولت السجون ومقار الاحتجاز فى مصر منذ يوليو 2013 ووصول السيسى إلى الحكم، إلى ما تشبه المقابر الجماعية، بالنظر إلى المعاملة غير الآدمية والتعذيب البدنى والنفسى غير المسبوقين مما نتج عنه وفاة عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين داخل السجن، أبرزهم فريد إسماعيل وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب السابق، الذى توفى بمستشفى سجن العقرب بالقاهرة، بعد دخوله فى غيبوبة كبدية، وبعد عشرة أيام توفى عضو مجلس الشعب عن محافظة دمياط محمد الفلاحجى بعد غيبوبة مماثلة. وسبق هؤلاء موت أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة عين شمس الدكتور طارق الغندور، بعد إصابته بنزيف حاد. الجماعة الإسلامية وسجون السيسى دفعت الجماعة الإسلامية ثمن وقوفها بجانب جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم، ودفعت أيضا ثمن عزلها من السلطة، ففور عزل جماعة الإخوان من السلطة فى يوليو 2013، تم اعتقال عدد من أعضاء الجماعة الإسلامية بعد أن هرب معظمهم للخارج أبرزهم طارق الزمر، وكان من أبرز المعتقلين من صفوف الجماعة الإسلامية بعد عزل الإخوان من السلطة هو الدكتور عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، الذى توفى فى 9 أغسطس 2015، فى أثناء نقله من محبسه بسجن طرة شديد الحراسة إلى أحد مستشفيات العاصمة. حمزة: مبارك اختلف عن السيسى فى التعامل مع الإسلاميين قال مصطفى حمزة، مدير مركز دراسات الإسلام السياسى، إن هناك فرقًا بين تعامل نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك مع طوائف التيار الإسلامى والنظام الحالى بقيادة الرئيس السيسي، وإن كان الدافع للمواجهات فى النظامين هو العنف الذى صدر من هذه الجماعات، فمع لجوء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وتورطهم فى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ودخول مصر فى دوامة الدماء، كان لزامًا أن يواجه نظام مبارك العنف المسلح مواجهة عسكرية بالسلاح. وأضاف حمزة، أن التعامل داخل السجون فيما يتعلق بالجماعة الإسلامية فى عهد مبارك، كان أسوأ ما يكون، لكنه تحول إلى الأفضل بعد مبادرة وقف العنف من طرف واحد عام 1997م، ودخولها حيز التنفيذ، وتقديم المراجعات الفكرية التى تؤكد شرعية التخلى عن العنف، وهو ما لم تفعله جماعة الإخوان التى روجت للعنف ودعت إليه ومارست شيئًا منه دون اعتذار أو توبة أو تراجع أو اعتراف بالخطأ. وأكد مدير مركز دراسات الإسلام السياسي، أن الإخوان المسلمين كانوا يعاملون معاملة حسنة داخل السجون المصرية، لا سيما فى حقبة مبارك، وهذا بشهادة قيادات إخوانية سابقة، أمثال الدكتور محمد حبيب، النائب الأول للمرشد السابق للإخوان المسلمين، والمحامى مختار نوح، وثروت الخرباوى، فى الوقت الذى كانت تعامل فيه الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد أسوأ معاملة، فى فترة السبعينيات وأعمال العنف. وأكد حمزة، أن الملمح الأهم فى المقارنة بين نظامى مبارك والسيسى فى التعامل مع الإسلاميين داخل السجون، أن نظام مبارك كان يعتمد على الاعتقال والمحاكمات العسكرية عملاً بقانون الطوارئ الذى تم إلغاؤه الآن، إلا فى شمال سيناء، على خلاف التعامل الحالى مع جماعة الإخوان وعناصرها الذين يحاكمون محاكمات جنائية أمام القاضى المدنى الطبيعي. وتابع: فى كل الأحوال فإن نظام مبارك كان يتمتع بخبرة أطول فى التعامل مع الجماعات الإسلامية، منحته حكمة أكبر من حكمة النظام الحالي، حيث اعتمد على المواجهة العسكرية والفكرية على حد سواء، أما النظام الحالى فهو يركز بشكل أساسى على المواجهة الأمنية والعسكرية، وقدر غير كاف من المواجهة الفكرية.