يبدو أن الصراع الذي شاهدته الساحة السياسية بين جماعة الإخوان والنظام الحالي منذ ثورة يونيو حتى الآن بدأ في الانتهاء، وبدأت الدولة للاتجاه نحو الحلول السياسية التي لم تخلو من تدخل وزارة الداخلية، جاء هذا في إطار تصريحات وزير الداخلية الأخيرة حول «نية التوبة» لبعض قيادات الصف الثاني والثالث لأنصار جماعة الإخوان المحبوسين على ذمة قضايا سياسية. مع رفض الدولة المصالحة مع قيادات الإخوان، لم تتراجع عن محاولة خلق حالة جديدة من خلف الستار عن طريق التوجه لقيادات الصف الثاني والثالث بالجماعة داخل السجون لإقناعهم بمراجعه أفكارهم والتوقيع على استمارة «اعتراف بثورة يونيو» مقابل وعود بالإفراج عنهم بالرغم من أنهم محبوسين على ذمة قضايا. لم تكن هذه الطريقة جديدة على النظام الحالي، فقد لجأ إليها الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، في حقبة التسعينيات تحت مسمى «المراجعات الفكرية» مقابل الإفراج عن عدد كبير من الإسلاميين حين ذاك. المراجعات الفكرية في عهد «مبارك»: شهدت نهاية حقبة التسعينيات انتهاء الحرب التي دامت ما يقرب من عقدين من الزمان بين النظام والجماعات الإسلامية، وكانت نتيجته الواضحة انتصار ساحق للدولة وهزيمة منكرة لهذه الجماعات، تجسدت هذه النتيجة في الخسائر الهائلة التي منيت بها الجماعات الإسلامية من آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين امتلأت بهم سجون «مبارك»، أدت في النهاية إلى رفع الأخيرة للراية البيضاء عام 1997 عندما ظهرت لأول مرة فكرة المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية والتي أعلنها أحد قادتها أثناء إحدى المحاكمات العسكرية لأعضاء الجماعة. هذه المراجعات التي أعلنت خطأ الجماعة ومنهجها في الخروج على الحاكم والنظام ومقاومته بقوة السلاح، ودعت إلى وقف العنف بشكل نهائي، والعودة إلى العمل الدعوى فقط، استناداً إلى تأويلات جديدة معتدلة للأحكام الفقيه فيما يتعلق بفكرة الحاكمية، وغيرها من المفاهيم التي كانت الجماعة تتبناها. بالفعل أقدمت الجماعات الإسلامية على إتمام مراجعات فكرية من داخل السجون غادر على أثرها المئات من المعتقلين زنازينهم لتتم أكبر مصالحة بين قيادات الجماعة والدولة في عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك. من جديد مراجعات فكرية في عهد «السيسي»: منذ ثورة يناير المجيدة عاد الإسلاميون مرة أخرى للساحة السياسية بقوة، وهذا ما أوصلهم كتنظيم حقيقي متماسك إلى الحكم بعد ثورة يناير، وبعد أن فشلت كل القوى المدنية في عمل تنظيم تغزو به الانتخابات الرئاسية، كما فشلت في الالتفاف أو الاتفاق على مرشح مدني واحد وتفتت الأصوات مقابل تجمع الإسلاميين الذين يمتلكون قوة تصويتيه لا يستهان بها انحصرت حول مرشحهم محمد مرسى، وهو ما أهله للوصول للحكم وقد كان. مع بدايات الغضب الشعبي الذي عاقبة ثورة يونيو في مقابل اعتصام أنصار «مرسى» في محيط ميداني رابعة العدوية والنهضة بدأت أزمة الإسلاميين تشتعل من جديد ومع سقوط نظام الإخوان بدأت الأزمة تصل إلى زروتها حتى تم الزج بالآلاف في السجون على خلفية عدد من التظاهرات التي أقدموا عليها عقب عزل «مرسي». ومع تواصل الأزمة بينهم وبين النظام وعلى الرغم من تردد عدد من الأنباء بعدم وجود نية للمصالحة، لم يجد النظام أمامه حل لهذه الأزمة من جديد سوى الحل الذي لجأ إليه ما سبقوه وهو «المراجعات الفكرية» التي أقدم عليها من قبل «مبارك» وقد نجح فيها بالفعل. «التوبة مقابل الإفراج»: ونحن على أعتاب الذكرى الرابعة لثورة يناير، بدأت الأنباء تتردد حول وجود نية رئاسية للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين، فيما انتشرت خلال اليومين الماضيين ورقة بعنوان «إقرار التوبة» بين سجناء متهمين بقضايا متعلقة بجماعة الإخوان المسلمين، تتضمن التبرؤ من التنظيم وممارساته والتعهد بعدم ارتكاب أعمال العنف أو تظاهرات والخروج على القانون مقابل الإفراج عن المُقر بذلك، في خطوة للتصالح مع الدولة مقابل العفو عن عدد من المعتقلين. وعن هذا قال الحقوقي محمد زارع، إن المصالحة السياسية في مصلحة المجتمع ككل، وأن التناحر السياسي الذي تشهده مصر منذ 30 يونيو سيؤدي إلى خسارة الكل، فالجميع مخطئ ولذلك علينا جميعا السعي نحو التصالح السياسي. وتابع أن هذه المصالحة من المفترض أن تصل إلى قيادات الصف الأول من جماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى كل الفصائل السياسية، موضحا أن المصالحة ستأتي أجلاً أو عاجلاً لأن النظام ليست من مصلحته هذا التناحر. ومن جانبه قال أحمد مجدي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن المصالحة السياسية مسألة صحية للمجتمع، ولكن في الحقيقة أنها لابد أن تأتى من القضاء وليست من وزارة الداخلية، حيث أن المحبوسين على ذمة قضايا والإفراج عنهم من خلال وزارة الداخلية يعنى أنها تلغى سلطة القضاء. وتابع أن الإجراءات القانونية التي تقوم بها وزارة الداخلية أثناء القبض على أي فرد لا تحترم حقوق الإنسان، وغير أنها لابد أن تختص بدورها فقط.