هاجم الباحث والأكاديمي د. بندر الشويقي المفكر التونسي المعروف راشد الغنوشي، مؤكدا أن ما يطرحه من أطروحات هي عين الطرح العلماني،وقال بأن الغنوشي رجل صادق ومحب لخدمة الاسلام ونصرة قضاياه ،لكنه طرحه ومناقشته للمفاهيم هو عين الطرح العلماني بأدق تفاصيله و مجال صراع تطبيق الشريعة ليس بين التيارات الاسلامية بل هو صراع علماني إسلامي لا علاقه له بالسلفية او غيرها ،و أضاف بأن كلام الغنوشي عن عدم صلاحية الشريعة لا يليق بإنسان يُزعم انتمائه للفكر الإسلامي ،وأطروحاته الأخيرة اشتط فيها بعيداً ،وأدرك الملابسات التي يعانيها في تونس ولكن اتذكر له مثل هذه اللوثات قديماً ولفت د. بندر الشويقي بأن الصراع الرئيسي في العالم يتمحور حول نقطتين جوهريتين نظام ديني ونظام لا ديني ، والنظام الديني له واجهات،ونسبة إقامة الشريعة فيه تتأرجح بين الزيادة والنقصان و الجفاء والغُلو،والنظام اللاديني له جرائمه الكثيرة، وأحيانا يستخدم واجهات دينيه، و شدد الدكتور الشويقي على أن هناك قصر نظر ورؤية ضيقة لدى البعض فتطبيق الشريعة ليس هو الحدود والعقوبات و هي جزء فقط، إنما المقصود المنظومة التشريعية برمتها، مثل: نظام الدولة، ونظام الحكم،وأخلاق الناس ومعاملاتهم . جاء ذلك في لقاء له مع الإعلامي عبدالعزيز قاسم في برنامج ملفات خليجية عبر قناة فور شباب، و وضح الدكتور بندر أن لفظ تطبيق الشريعة لفظة عصرية واللفظ الذي جاء به الشارع هو إقامة الدين فالله -عز وجل- حين أرسل نبيه وبعث رسوله إنما أراد تطبيق الشريعة وإقامتها ،لا التنظير والتكثر بها ، ونبه الدكتور بندر إلى أن المجتمعات مطالبة بتطبيق ما استطاعت من الشريعة وليس صحيح اشتراط أن تبدأ بالأهم فالمهم ،هذا تصور شرعي غير صحيح ، أما القول بأن الفقه غير الشريعة خطأ بيّن لأن النص الشرعي ليس حروف دون معاني . و أوضح الدكتور بندر أن الإشكال اليوم يكمن في محاولة البعض اجترارنا لمصطلحات غربية الدولة الثيوقراطية -مثلاً- لا تناسب شريعتنا مطلقاً كونها عبارة عن شخص يتحدث باسم الله لا قواعد ولا أسس هو نفسه يشرع ويفرض ، و تساءل الدكتور بندر من الذي أوهمكم أن الحالة التركية نموذج شرعي ملهم ؟ صحيح هناك تحسن واقتراب من المفاهيم الشرعية لكن مازال البون شاسعاً ولا يمكن أن تقام الشريعة الإسلامية بهذه الطريقة ،و أضاف الدكتور الشويقي أن مقاصد الشريعة لا يمكن أن تتحقق بوسائل النظم العلمانية بتاتاً ، وتحقيقها منوط بالوسائل الشرعية كما ينص الشارع في القرآن ولا يمكن لمسلم يُؤْمِن بالله أن يدعي وجود طريقة أفضل من الطريقة الشرعية لتحقيق المقاصد الشرعية .
وأضاف الدكتور بندر أنه لا توجد علمانية غير متوحشة فهي غير متوحشة حال السلم والطمأنينة وعلو كعبها ، وريثما تشعر بالخطر أو مجرد وجود منافس تتحول الى علمانية شرسة التوحش ، والعلمانية الغربية الغير متوحشة -كما يسميها البعض– ها هي الْيَوْمَ تنقلب وتسن القوانين للتضييق على القيم التي كانت ترفع شعاراتها وتنادي بها والسبب أنها شعرت بالقلق "اذا أردت أن تنازعني سأتوحش" .
و لفت الدكتور الشويقي إلى أن الحديث بأن تصورنا عن الشريعة خاطئ وهو أساس المشكلة غير سليم ،حتى لو تصورناها بشكل صحيح سيظل خصومنا يعملون لاستبدالها بالنظم العلمانية الغربية فديننا دقيق ومحكم وغير قابل للتمييع ولا يوجد لدينا بابا يحكم ولا شخص يتحدث باسم الله ؛فقط مفتي أوعالم مستند للقرآن ولو خرج عنه سيُهاجم ، والإسلام ليس دين الأشخاص أو الكهنوت مهما علا شأن اي شخص لا يمكن أن تكون له سلطة بالمفهوم الكنيسي .
وأضاف الشويقي قائلاً علينا أن نخفف من جلد ذواتنا فالخشية من قيم الآخر عادة في كل أمة والإسلاموفوبيا دليل لكن يجب أن يكون معيارنا موافقة الشريعة لا مخالفتها مؤكداً بأنه لا يوجد مانع شرعي من البحث عن ما عند الآخرين ؛لكن وفق ضوابط الشريعة ،في الوقت ذاته من حق اي شخص ان يتخوف من كل جديد لا سيما اذا كان مصدره الغرب الذين لا يريدون خيرا بالإسلام ، مشدداً على أن المفاهيم الصحيحة والتصورات السليمة لا تتغير بالتقادم ،ومضي الزمن لا يعني عدم الملائمة، هذه معركة قديمة جديدة ،ليست وليدة الْيَوْمَ ولا الأمس بل تاريخية ومستمرة للأبد ،والخاسر الأكبر هو من سيتنازل ، فالأمر لا يقبل المناصفة هو كرسي واحد فقط إما أن يكون لنظام ديني أو لا ديني .
و في مداخلة هاتفية للباحث السياسي محمد مختار الشنقيطي هاجم بها الفقهاء بأنهم جزء من مشكلة الْيَوْمَ لكن المشكلة اكبر من هذا، فنحن أمة ضعيفة والامة الضعيفة المتذبذبة تفقد الثقة في ذاتها وتكون لديها ردود فعل مغالية في التعامل مع ثقافات الامم الاخرى والتعامل مع كل جديد والفقهاء حذرون من كل جديد ،وهذا النمط من المحاذرة والمجانبة هو عرض من أعراض الذاتية المهزوزة ، مضيفاً بأنه توجد فقهيات غير منسجمة مع العصر ،لكن الفقه غير الشريعة، الفقه كتب تاريخية وهو حصاد فهم أسلافنا للنص الشرعي ، كل أمة في عصر نهوض وقوة لا بد ان تميل للانفتاح والى استيعاب المخالف والثقافات الأخرى ،فالشريعة هي النص الخالص، والنص الشرعي من طبيعته الثبات والفقه يتجاوزه ،والزمن متغير يخطئ ويصيب ،أما النص فلا يخطأ الشريعة من الله والفقه آراء المجتهدين فهي كسب .
و شدد الدكتور محمد على أن الهجوم الْيَوْمَ على الشريعة مبني على فهمنا الخاطئ لها و نحن نحتاج الى ترتيب وتدرج نبدأ بالعقائد والاخلاق والشعائر الدينية الكلية قبل ان نصل الى القوانين الجزئية ، صحيح هناك هجمة على الاسلام ولكن المسألة اكبر من هذا ، المسألة تتعلق بمفهومنا نحن فالمسلمون شوهوا الشريعة في اذهانهم قبل ان يهاجمها الآخرون لذلك و قبل ان نرد على الآخرين يجب ان نرد على أنفسنا ونصحح مفهومنا للشريعة ، فهي ليست قانونا و من المؤسف اختزالها في التشريع و القوانين ، و أضاف الدكتور محمد إن المشكلة الكبرى ليست تطبيق الشريعة إنما تعريفها ففي الاستخدام القرآني الشريعة في الأصل هي الدين كله : عقائد واخلاق وشعائر وشرائع قانونية وليس في المعنى الاصطلاحي السائد الْيَوْمَ فهي نظام اخلاقي ونظام تشريعي .
و أكد الدكتور محمد أننا اذا أردنا تطبيق الشريعة علينا أن نقيّم قيم الدين الكلية أولا، فالقيم السياسية والأحكام العامة أهم من القوانين المتعلقة باثنين من الأفراد ، أين القيم الاسلامية أين حق الناس في اختيار من يقودهم أين حقهم في محاسبته اذا اخطأ أين العدل السياسي ؟! فمن المضحك المبكي ان تجد اسلاميين وعلمانيين يتصارعون حول اختيار قانون إسلامي أو علماني في بلد لا يوجد به قانون أصلا وإنما محكوم بهوى ،نحتاج اولا الى قانون يحكم قبل ان نقرر ما هو مصدره .
و نبه الدكتور محمد إلى أنه يفضّل فقه القيم الكبرى على فقه المقاصد وعلى المقاصديون الجدد البدء من القيم الكلية أولا وتحقيقها ثم الانطلاق الى التشريعات الجزئية و أكد أنه يتفق تماما مع القائلين بأن جمود الفقهاء وتوسعهم في باب سد الذرائع كان وبالاً على الشريعة وأدى لعدم انسجامها مع العصر ومواكبتها لمستجداته ، فلم يكن لدى المسلمون في صدر الاسلام كل هذي الخشية من الغزو الثقافي والفكري التي نجدها عند بعض فقهاء الأمة الْيَوْم فلا تجد عندهم هذي المحاذرة ،بل انفتحوا كثيرا على تراث الامم الاخرى بل كتبوه حتى الترهات كتبوها ودونوها .
و في مداخلة هاتفية لأستاذ الفقه الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عطية عدلان لفت إلى أن الشريعة الاسلامية منذ القدم صالحة لكل زمان ومكان ووضع الله فيها من المرونة ما يحقق لها العالمية والبقاء والدوام والقول بأن الشريعة غير شاملة أو غير صالحة للتطبيق يخالف الواقع فلا يوجد مجالاً واحد من أنشطة المجال البشري عجزت عن تغطيته وتلبية حاجات الناس فيه او خذلت مجتهديها فيه ؟؟ و أضاف إن من اكبر وأعظم ما استجد في العصر الحديث الاقتصاد ومع ذلك واكبته الشريعة بإطار وعمق إسلامي وتجاربنا الخاصة السلبية لا ينبغي ان نحاكم شريعة الله عليها .