_ كما علمنا أساتذتنا أن التعارف ومن ثم التعايش الذي يريده الاسلام بين جميع الأمم والشعوب علي اختلاف ألوانها وأجناسها ودياناتها وحضاراتها لن يصبح في الامكان إلا إذا كشفنا الغطاء عن القنابل الملغومة في الثقافات الأجنبية التي تحول دون بلوغ هذه الأهداف.وأنا هنا أعرض لما سطره علماؤنا في مؤلفاتهم القيمة من تشخيص دقيق للداء المستعصي حتي الآن،في نقاط أهديها لغير المسلمين بشكل خاص،أينما كانوا علي وجه الأرض،علي النحو الآتي .. أ_الإنسان الغربي ضحية الافتراءت الغربية فالافتراءات والاكاذيب التي يتناولها الغرب علي لسان العامة من شعوبه وأبنائه لا يعني بالضرورة إدانة الانسان الغربي،الذي قد يكون ضحية لهذه الافتراءات والاكاذيب الموجودة بالمخزون الثقافي والتراثي والغربي.إذ أن تناقلهم لتلك الاكاذيب وهذه الافتراءات قد يكون عن جهل،أو عن تأويل فاسد،فكما قال السابقون من علمائنا أن كفر المقولة لا يعني كفر قائلها. ب_ المشكلة في مواجهة الهجوم علي الاسلام يلخص علماء الفكر الاسلامي،والسياسة الشرعية المشكلة الحقيقية للمسلمين في مواجهة الهجوم والعداء الغربي للاسلام ولرسوله محمد صلي الله عليه وسلم، وعلي وجه الخصوص تلك التي تصدر وبشكل مستمر عن الدوائر السياسية والدينية والاعلامية في الغرب أننا نتعامل مع هذه الاساءات،وهذا الكره البغيض تعاملاً انفعاليا،موسميا، سرعان ما يتبخر مع بقاء المواقف المعادية علي حالها.وإذا ما أردنا حل هذه المشكلة فإن علي العقول المسلمة في كل مكان من بقاع الارض أن يعرفوا مجموعة من الحقائق يجب أن تكون بمثابة الأسس الراسخة ،والحاكمة عند اتخاذ أي موقف تجاه هذه الهجمات العدوانية ،وهذه الحقائق هي : الحقيقة الأولي _ ضروة إدراك قدم العداء الغربي للاسلام. فليعلم الناس في مشارق الأرض ومغاربها أن عداء غير المسلمين للاسلام ،وحقدهم علي رسوله،والتطاول عليه،وتجهمهم للمسلمين، ليس وليد العصر،وإنما ظهر علي الساحة بظهور الاسلام كنور للبشرية جاء ليبدد ظلمات الارهاب الفكري،والجسدي،والظلم الانساني،والتدهور الاجتماعي،وكقاصم لظهر الوجاهة والمكانة السياسية التي استغلت الانسان حيناً من الدهر،واستعبدته،وقهرته.وقد سجل القرآن الكريم،وسطرت السنة النبوية ،وحفظ لنا التاريخ الكثير من الشواهد والبراهين علي هذا العداء والتطاول المقيت،الذي كان ولا يزال،وسيظل حتي فناء الدهر،ومن ذلك قول الله سبحانه، في الآية التاسعة بعد المائة من سورة البقرة:" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" _ولكي تعم الفائدة من هذا الدليل القرآني،كان لابد من الوقوف علي معرفة سبب نزول هذه الآية أولاً،ثم علي العدل الإلهي الوارد فيها ثانياً. أما عن سبب نزول الآية فكان ماحدث بعد غزوة أحد،حيث طلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َمن الرماة ألا يغادروا مواقعهم عند سفح جبل أحد، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا. . فلما بدأت بوادر النصر طمع الرماة في الغنائم،فخالفوا أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فهزمهم الله، ولكن الكفار لم يحققوا نصرا لأن النصر هو أن تحتل أرضا وتبقى فيها. _هؤلاء الكفار بعد المعركة انطلقوا عائدين إلى مكة. . حتى أن المسلمين عندما خرجوا للقائهم في اليوم التالي لم يجدوا أحداً، فجاء يهود المدينة وحاولوا استغلوا هذا الحدث.،وعندما التقوا بحذيفة بن اليمان وطارق بن ياسر وغيرهما. . قالوا لهم إن كنتم مؤمنين حقا لماذا إنهزمتم ؟ فارجعوا إلى ديننا واتركوا دين محمد. . فقال لهم حذيفة ماذا يقول دينكم في نقض العهد؟ . . يقصد ماالذي تقوله التوراة في نقض اليهود لعهودهم مع الله ومع موسى؟. ثم قال أنا لن انقض عهدي مع محمد ما حييت. أما طارق فقال: لقد آمنت بالله ربا وآمنت بمحمد رسولا وآمنت بالكتاب إماما وآمنت بالكعبة قبلة وآمنت بالمؤمنين إخوة وسأظل على هذا ما حييت. فلمابلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر فسر بذلك ،ولكن اليهود كانوا يستغلون ما حدث في أحد ليهزموا العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين كما استغلوا تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ليهزوا الإيمان في القلوب، وقالوا إذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس باطلة فلماذا اتجهتم إليها، وإذا كانت صحيحة فلماذا تركتموها، فنزل قول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} .ولروعة العدل الإلهي جاءت دقة التعبير القرآني لتخبر الناس في كل زمان ومكان أنه ليس كل أهل الكتاب من يفعلون ذلك، لا.. لكن البعض منهم فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم. . ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. . ولو أن الله جل جلاله حكم على أهل الكتاب جميعاً بأنهم أهل حقد وبغض وحسد ،لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا. .فكان المعني أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة. . لأن الله تعالى قال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب} .ثم جاء القرآن ليؤكد علي أن السبب الرئيس في مايتمناه غير المسلمين للمسلمين من ارتداد عن العقيدة ،ومعاداة محمد وما جاء به ليس مبدأ أو عقيدة تأمرهم التوراة به، وإنما هو الحسد، والحقد والكره،وتمني زوال نعمة الاسلام، التي جعلت المسلمين إخوانا متحابين ،متكاتفين ،مترابطين، بدأت لهم دولة حضارية ،تحترم الانسان،وتعظم من تشييد الدول علي العدل والحرية والمساواة ،بينما هم في حالة تشيع وتحزب.وها هو شاهد من أهلهم،وهو القائد و الكاتب الانجليزي جلوب باشا (ت 1986م) يؤكد علي قدم هذا العداء الغربي للاسلام والمسلمين،فيقول :(إن مشكلة الشرق الاوسط إنما تعود إلي القرن السابع للميلاد)،وهو يقصد بذلك بداية ظهور الاسلام ،ببعث رسول الله محمد .أما عن الحقيقة الثانية فهي عنوان المقال القادم إن شاء الله . د. محمد فتحي رزق الله مدرس القانون الخاص،جامعة الأزهر