حين أعلن الحزب الإسلامي العراقي في اللحظات الأخيرة قبل الاستفتاء على الدستور موافقته على مسودته ومن ثم الدعوة إلى التصويت بنعم برر ذلك بالقول إنه كان متأكداً من أنه سيمرر في كل الأحوال ، وأنه بقراره فتح الأفق أمام تعديل الدستور من خلال الجمعية الوطنية الجديدة. يشار هنا إلى أن الحزب ومعه بعض النخب في الشارع العربي السني قد أسرفوا كثيراً في التشهير بقرار مقاطعة الانتخابات الماضية، حيث حملوه وزر كل ما جرى للعرب السنة بعد ذلك، وهو قول لا يمكن أن ينطلي على عقلاء السياسة الذين يراقبون جوهر المواقف وليس ظاهرها فقط ، أو أولئك الذين يتحركون تحت طائلة التهديد والوعيد، كما يحدث مع عدد من قادة الحزب الإسلامي الذين يتلاعب بهم جلال طالباني بوعود خلابة ، مذكراً إياهم بأنه سني ويخشى على العرب السنة من الطغيان أو الطوفان الشيعي!! لم يكن قرار مقاطعة الانتخابات الماضية خاطئاً، ولو شارك العرب السنة لكان المشهد مختلفاً، لاسيما بالنسبة للمقاومة التي نالت دفعة كبيرة بقرار المقاطعة، فضلاً عما ينطوي عليه ذلك من تشريع لجميع الخطوات السياسية التي جرت منذ ذلك الحين، مع العلم أن المشاركة ما كانت لتمنح هذه الفئة سوى أقل من عشرين في المائة من المقاعد، لاسيما في ظل اتساع دائرة القناعة بالمقاطعة بعد اجتياح الفلوجة. الآن يسود أوساط العرب السنة قدر كبير من التعويل على خيار المشاركة في الانتخابات التي ستجري منتصف كانون أول القادم، وكأنها الدواء الشافي لكل العلل التي تعاني منها هذه الفئة، وهي كثيرة .. كثيرة .. تتقدمها سياسة العقوبات الجماعية التي تستهدفهم على نحو يومي بالقتل والاغتيال وهدم البيوت ، والاعتقالات التي طالت حتى النساء . والحال أن قرار المشاركة في الانتخابات هذه المرة لا يبدو خاطئاً خلافاً لما كان عليه الحال في المرة الماضية، فالمقاومة قد تجذرت كخيار أول في مناطق العرب السنة ، من أجل طرد المحتل وإخراج البلاد من مأزقها، ولأن الصراع يبدو طويلاً ، مما يسمح بأن يدخل العرب السنة من أبواب متفرقة؛ يقاوم بعضهم بالسلاح وبعضهم الآخر بالسياسة ، من دون أن يؤدي ذلك إلى شطب أي من الخيارين. مع قرار المشاركة في الانتخابات الذي اتخذه العرب السنة بالتوافق الضمني برزت جملة من المشكلات ، لعل أبرزها ما يتصل بالقانون الذي ستجرى على أساسه، إذ بادر التحالف الحاكم إلى تغيير القانون الذي أجريت على أساسه في المرة الماضية، وحيث كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، فقد تم توزيع 230 مقعداً من أصل 275 على المحافظات ،فيما خصصت البقية لعموم العراق بحسب القوائم. والحال أننا لا نحتاج قدراً كبيراً من الذكاء كي ندرك كيف صمم القانون لضرب العرب السنة ، ومحاباة الشيعة والأكراد، فقد حصلت المحافظات الشيعية والكردية على عدد من المقاعد أكثر مما تستحقه، فيما كان الأمر عكس ذلك بالنسبة للمحافظات العربية السنية، وحين نقرأ الأرقام التي لا حاجة لتكرارها هنا ، سنجد أن العرب السنة لن يحصلوا بحال من الأحوال على أكثر من عشرين في المائة ، فيما سيحصل الشيعة، وبشكل أوضح الأكراد على أكثر مما يستحقونه. الجانب الآخر الذي يعاني منه الصف العربي السني هو إمكانية عدم مشاركة فريق منه في الانتخابات، ولذلك لسببين، الأول عدم القناعة بالقائمة التي يقودها الحزب الإسلامي بعد موقفه من الدستور، وهي إلى حد ما القائمة الوحيدة المتاحة، مع ضرورة الإشارة إلى قائمة أخرى جرى تسجيلها لكنها لم تعلن ولم تبدأ حملتها الانتخابية، ربما لأن الموقف منها لم يحسم أو حسم في اتجاه عدم المنافسة، أعني قائمة تجمع الولاء للعراق، وهي قائمة تتشكل من عدد من الرموز الإسلاميين والعشائريين الأقرب في خطابهم السياسي إلى هيئة علماء المسلمين، أي أنهم مدافعون عن المقاومة ومصرون على استمرارها، في ذات الوقت الذي يريدون فيه استخدام منبر الجمعية الوطنية في تبني مطالب العرب السنة المشروعة ، على مختلف الأصعدة، من دون التهافت على المشاركة في الحكومة. وقد ووجهت هذه القائمة بمقولة شق الصف العربي السني، الأمر الذي لا يبدو صحيحاً بحال، لسبب بسيط هو أن نظام القائمة النسبية لا يسمح بذلك ، وسيحصل كل طرف على حصته الطبيعية، مع العلم أنها سجلت في اللحظات الأخيرة في بعض المحافظات العربية السنية، بل إنها لم تسجل في أهمها (الموصل) أو نينوى . هناك معضلة أخرى تتمثل في موقف بعض قوى المقاومة، لاسيما موقف قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين من الانتخابات، ذلك أن موقفاً حدياً منها كما كان الحال في الانتخابات الماضية لا بد أن يؤدي إلى إرباك الوضع، وإذا لم يتبق في الساحة غير جبهة التوافق التي يتزعمها الحزب الإسلامي فإن الموقف الحدي سيكون مرجحاً، خلافاً للحال إذا ما نزل تجمع الولاء للعراق إلى حلبة المنافسة. نتمنى أن يجري التفاهم مع قوى المقاومة على السكوت على المشاركة في الانتخابات القادمة ، كما سكتت على المشاركة في الاستفتاء على الدستور، بصرف النظر عن طبيعة العملية والمشاركين فيها. تبقى الشعارات المرفوعة، وهنا يمكن القول إن على ممثلي العرب السنة أن يكونوا واضحين في دفاعهم عن حق المقاومة، إضافة إلى رفض العقوبات الجماعية بحق مناطق العرب السنة، لاسيما موضوع المعتقلين، ومن ثم المطالبة بجدولة انسحاب قوات الاحتلال ، وهو مطلب وطني يحرج جميع القوى، لاسيما التيار الصدري الذي يشارك هذه المرة ضمن قائمة الائتلاف الشيعي. ما يجب أن يكون واضحاً هنا هو أن الانتخابات لن تحل مشكلة العرب السنة، بل ستؤكد حشرهم في دائرة العشرين في المائة ، بل ربما أقل من ذلك، ما يعني أن بقاء هيئة علماء المسلمين بعيداً عنها، مصرة على رفض تشريع العملية السياسية تحت الاحتلال ، سيكون بالغ الأهمية، لاسيما حين يجري فضح الطريقة التي تمت على أساسها ولعبة الأرقام البائسة ، التي جرى اختراعها من أجل حشر العرب السنة في دائرة الأقلية المتمردة على خيارات الأغلبية ! المصدر : الاسلام اليوم