في العام 1984 الميلادي كنت شابا حديث السن أراسل بعض الصحف والمجلات لعلها تنشر لي كلمة أو مقالة صغيرة في باب بريد القراء ، وكان ممن أراسلهم مجلة المختار الإسلامي ذائعة الصيت أيامها ، كانت هذه المجلة تختفي من السوق فور نزولها ، لها وهج وانتشار هائل بين الشباب الإسلامي يتخطفونها ، وكانت عندما صدرت أول مرة عام 1979 تحمل أسماء كتاب من العيار الثقيل ، مثل المرحوم فتحي الشقاقي مؤسس الجهاد الإسلامي في فلسطين والدكتور محمد يحيى أستاذ الأدب الانجليزي في جامعة القاهرة والمثقف الفذ والكاتبة القديرة صافي ناز كاظم والباحث المعروف الدكتور بشير موسى نافع والدكتور محمد مورو وغيرهم ، كانت لغة جديدة ، ووعيا سياسيا جديدا لم يألفه الإسلاميون ، وكان السادات قد أغلقها في أيام غضبه الأخيرة ، وعادت بعد عدة سنوات بحكم قضائي . كنت أتيه فخرا بما نشرته لي المجلة من رسائل في بريد القراء ، ثم بدا لي أن أسافر إلى القاهرة وأذهب إلى مقر تلك المجلة لعلي أحظى بخطوة أخرى عند ناشرها ، وذهبت إلى العنوان "16 شارع الفجالة" ، كانت مكتبة المختار الإسلامي ضيقة ، ومكتب الحاج حسين عاشور يقع في "صندرة" خشبية علوية تصعد لها بسلم صغير وتحنى رأسك حتى تصل إلى المكتب ، وكنت أندهش أن تخرج تلك المجلة بكل وهجها من هذا "الخندق" ، قابلني وأنا المغمور كأنه يعرفني من زمن ، قلت له أنا أرسل للبريد بعض الأفكار ، فقال لي : انت بتكتب كويس يا ابني ولو نفسك تبقى صحفي اكتب وواصل والمجلة ترحب بك ، استغربت جدا للسهولة الشديدة التي حدثني بها وفتح لي بها بابا كان هو أول وأهم سلم لي في عالم الصحافة ، وعلمت بعد ذلك أن هذه هي طبيعة حسين عاشور مع أبناء جيلي ، يبحث عن المواهب أو ما يظن أنها مواهب ، ولا تهمه الأسماء ، كما كان بسيطا في تعاملاته كما في حياته ، ومخلصا لرسالته . انتقلنا بعدها إلى مقر خاص بمجلة المختار الإسلامي في القصر العيني ، حيث شهدت تلك الفترة مولد عدة أسماء من الشباب صغير السن أو طالبات الجامعة أصبح لها حضور فيما بعد في دنيا الصحافة والفكر والأدب والسياسة ، خاصة الشابات ، مثل الدكتورة هبة رؤوف عزت ، وميرال الطحاوي التي اتجهت للأدب والرواية بعد ذلك ، ومثل الدكتورة ليلى بيومي والدكتور وفاء السعداوي وأخريات ، وأذكر أن الحاج حسين كان يطاردنا وقتها لكي يقدم لنا أوراقنا في نقابة الصحفيين لنحصل على العضوية ، وهو موقف يستغربه كثيرون الآن ، حيث كان العكس هو ما يحدث وما زال ، وقد عنفني كثيرا عندما تأخرت في تجهيز أوراقي ، كان حالة خاصة بين ناشري الصحف والمجلات . عندما تقع عينك بعشوائية بحتة على أي كتاب إسلامي صدر في السبعينات أو الثمانينات الماضية ، في مجال الفكر الإسلامي أو الأدب الإسلامي أو الثقافة الإسلامية ، فسوف تجد عليه غالبا بصمة أحد من "آل عاشور" ، إما المختار الإسلامي أو دار الاعتصار للمرحوم حسن عاشور أو الفضيلة لمصطفى عاشور ، فهذه الأسرة كانت رائدة في نشر الفكر الإسلامي الجديد ، كما كانت رائدة في مجال الصحافة الإسلامية ، فأصدر حسين عاشور المختار الإسلامي ، وأصدر حسن عاشور مجلة الاعتصام ، وكلاهما كانت تحظى بحضور واسع في الساحة السياسية والدينية في مصر تلك الأيام . عندما داهمه المرض قبل عدة سنوات ، وأقعده عن الحركة بصورة شبه تامة ، كان أهم ما يشغله في تلك الدنيا هو انتظام صدور مجلة المختار الإسلامي ، على الرغم من أن الزمن تجاوزها ، والأفكار تجاوزت مرحلتها ، وحضورها أصبح أقل كثيرا مما مضى ، لكنها بالنسبة له كانت "ابنه" الوحيد ، وظل وفيا لها ، ومكافحا في استمرار صدورها رغم ضعف الإمكانيات المادية التي عانى منها حتى في نفقات بيته ، حتى وافته المنية ظهر اليوم الجمعة . رحم الله حسين عاشور ، وجزاه عن وطنه وعن أمته خير الجزاء ، وجزاه عني وعن جيل كامل من الصحفيين والأدباء والمفكرين والكتاب الإسلاميين خير الجزاء ، فقد كان له كثير من الفضل علينا يعرفه جيدا من خالطه أو اقترب منه يوما ما .