إذا كنت تسير في إحدى الطرقات المتعرجة وفجأة رأيت سلسلة طويلة من سيارات النقل ونصف النقل تنقل عفشًا لعروس جديد فأعلم أنك في قرية تسمى "عنيبس" تلك المدينة المنسية أو الساقطة من خريطة مصر، والتابعة لمحافظة سوهاج مركز جهينة، ويقطن بها - بحسب آخر إحصائية من 10 سنوات تقريبًا - عدد سكان 27131 نسمة. يمتهن أغلب ساكني هذه القرية بيع العصائر (قصب السكر- تمر هندي- عرق سوس) يليها الفلاحة والعمل بالأراضي الزراعية وأهلها يغلب عليهم الفقر؛ فهي مفتقدة لأبسط الحقوق الآدمية فمستشفياتها خاوية وملاعبها مردومة ومدارسها غير مؤهلة. مع ذلك تجد أن من أسوأ عاداتهم هي المغالاة في المهور واستعراض العضلات بكم السيارات التي تحمل عفشًا من بيت العروسة لمنزل العريس. وتبنى عدد من مشايخ القرية من بينهم الشيخ صلاح الدين أحمد أبوالنجا، إمام بوزارة الأوقاف، والشيخ كمال الأفندي إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف هذه المبادرة، وعدد من كبراء البلدة من بينهم الشيخ عشري برهامي، مدير المدرسة الإعدادية السابق بالقرية، وعدد من مشايخ وأهالي القرية، مبادرة تضمنت "إلغاء الدين الجديد المسمى ب"العلبة"، وأن العروس لا شيء عليها إلا ما في وسعها من لوازم بيتها، والعريس عليه تجهيز شقته كما يشاء، والقائمة على ما يُتَفق عليه بالتراضي والذهب سيعرض". وسط مطالبات كثيرة من شباب القرية بإلغاء التكاليف الباهظة من دهب وعلبة ومصاريف "دي جي ونيش وغرفة أطفال، وتقليل عدد سيارات العشا أو عفشة العروسة، وأن تكتفي العروسة بالأشياء الأساسية مثل "الغسالتين أو الثلاثة أو البوتاجازين أو السفرة" بالإضافة إلى الإقلال من الملابس وشراء اللوازم فقط وإلغاء ليلة الشبكة فإن كان ولابد فيقتصروا على المقربين فقط للتوفير على الطرفين. يقول أحد الداعين لهذه المبادرة الشيخ صلاح الدين أحمد أبو النجا، إن سبب الإقدام على هذه الفكرة، هو لجوء عدد كبير من أهالي القرية لمشايخ المساجد تناشدهم وضع حد لهذه المغالاة، لاسيما في ظل الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد من تعويم للجنيه وضياع قيمته وارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة. وأوضح ل"المصريون" أن المسئولين عن المبادرة أقاموا جلستين، في الأولي تمت بلورة الفكرة، وفي الثانية تمت خلالها دعوة كبار العائلات لوضع أسس المبادرة، وبقت جلستين أخريين الثالثة ستكون بوجود كبار العائلة والشباب لمناقشة باقي الأمور المنكرة وسبل التخلص منها حتى تكون ملزمة، وذلك بتعاون القيادات التنفيذية، ثم يلخص ما في المجالس ويعرض قرارها في المجلس الأخير الذي يكون عبارة عن مؤتمر بأرض الملعب بعنيبس بوجود كل أفراد البلد يُدْعَون له بيتا بيتا- حسب قوله. وأضاف أن مبادراتهم تعتمد على تطبيق الشريعة بمعنى عدم فرض ما لا تستطيع أسرة العروسة على فعله وإذا عجزت عن الغسالة أو الثلاجة فلا داعي، وفيما يتعلق بليلة العرس "الفرح" وانتشار المكيفات من "خمور وحشيش" وغيرها قال إنه جارٍ مناقشة هذا الأمر مع نقطة القرية. من جهته، قال الشيح كمال الأفندي، إمام الأوقاف بالقرية، إنهم لجأوا لهذه الفكرة بعد زيادة شكاوي أهل القرية من المغالاة في المهور لدرجة أن البعض يضطر إلى الاقتراض بفوائد حتى لا يكون مكلمة الأهالي في القرية. وفيما يتعلق بكيفية تنفيذها أكد الأفندي في حديثه ل"المصريون"، أنهم وضعوا شروطًا على المخالف أبرزها عدم حضور "فرح" المخالف، ويكون منبوذًا بين القرية كونه لم يستجب لأكابر البلدة. أحد مواطني القرية يدعى زيدان محمود، اقترح ثلاثة بنود رئيسة هي: "إلغاء النيش، إلغاء العلبة، إلغاء غرفة الأطفال، أخيرًا إلغاء السيارات الكثيرة خلال نقل العفش وتقتصر على عربيتين أو ثلاث". وافقه محمد أحمد عبداللاه الذي دعا إلى إلغاء النيش وعدم زيادة العلبة عن عشرة آلاف جنيه؛ لأن العروسة تكلف والدها الكثير فتكون العلبة مساعدة له ومع عدم زيادتها، وبذلك نيسر الموضوع على العروسين، ثانيًا العريس يقتصد في تجهيز الشقة، ثالثًا الذهب يكون حاجة رمزية، رابعًا إلغاء ليلة الشبكة لأنها تتكلف كثيرًا. المبادرة التي شهدتها قرية عنيبس لم تكن الأولى فقد سبقتها قرية الطليحات التي ألغت جهاز العروسة من أدوات النيش الصيني مثلاً وعدد الملابس العبايات والفوط وغيرها من أشياء ليس لها أهمية زائدة كالعلبة والذهب، بالإضافة إلى لغي الدي جيه في الفرح وبعض العادات السيئة في الدخلة لتخفيف الإنفاق. فقد ذهب إليه أيضًا أهالي قرية "دنقيق" بمحافظة قنا في وقت سابق بعد الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب على خلفية ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري تيسيرًا منهم لخطوات الزواج المرهقة للشباب. كما أقدم مجموعة من شباب الكرنك بالأقصر والقرى المجاورة بالاتفاق على محاربة المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، التي انتشرت في الصعيد في الفترة الأخيرة، وتسببت في عزوف الشباب عن الزواج ما أدى إلى عنوسة الكثير من البنات، واللجوء إلى زواج عجائز أوروبا من زوار الأقصر. ولاقت التجربة نجاحًا كبيرًا وتفاعل الكثير بين النشطاء في ظل ارتفاع أسعار الذهب ووصول الجرام الواحد منه إلى 600 جنيه، ومطالبات بعض العائلات للعريس بتقديم ما لا يقل عن 100 جرام ذهب كشبكة للعروس.