أصبح توحد الاسلاميين على دعم رجل واحد مطلبا ملحا و وحيدا ، فبعد استبعاد حازم أبو اسماعيل بتلك الطريقة المعيبة و المريبة و التي أظهرت كأننا لسنا في دولة محترمة ، فإما أن أمريكا في إرسال إفادتها للخارجية المصرية لا تحترمنا ، و نحن دولة أقل من أن ترسل إلينا أوراقا محترمة عليها شعارات و أختام و توقيعات معتبرة ، و تلك مصيبة تجعلنا نحتاج فعلا إلى شعار "أبو اسماعيل" ((سنحيا كراما)) ، أو أن تكون تلك الأوراق لعبة كبرى من خدع المجلس العسكري بالاتفاق مع لجنة "الشرفاء" المسماة بلجنة الانتخابات الرئاسية ، و قد يكون لأطراف خارجية دور في استبعاد "أبو اسماعيل" لوضوح منهجه القائم على الاسلام و ما يحمله و يريده من الكرامة و العزة التي لم يعتد الغرب منذ زمن طويل أن يلمسه في حكام أمتنا العربية المنبطحة . هناك مشكلة كبيرة تكتنف مشهد المرشحين الاسلاميين ، و هي بمنتهى الصراحة موقف الاخوان المسلمين ، فهم بكل وضوح يُظهرون لأي قوى اسلامية أخرى أنهم الأحق باحتكار المشروع الاسلامي - بفهمهم طبعا - ، و هم لا يمانعون من وجود تيارات اسلامية أخرى ، و لكن بشرط أن تعترف بأنها الجماعة الأم ، أو أم الجماعات ، و إذا أرادت أن تعمل لمصر بدافع ديني و وطني فلا بد أن يتوافق ذلك مع رؤيتها ، أو أن تعمل من خلالها و بما يريدون ، و لا مانع أن تكون هناك مفاوضات و مناقشات في التفاصيل و لكن ضمن هذا الإطار العام . و كذلك مفهوم التوافق بينهم و بين القوى الاسلامية الأخرى هو أن تتوافق تلك القوى على ما يريدون ، و في حالة الدكتور محمد مرسي رؤيتهم أن تتوافق جميع القوى الاسلامية على مرشح الاخوان ، و إلا فتلك القوى لا تريد التوافق ، مما جعل بقية القوى الاسلامية في حرج بالغ . ثم اغترارهم بقوتهم التصويتية في الشارع ، مع أن تلك القوة عند قطاع عريض من الشعب قد تكون لأي سبب آخر غير القناعة الكاملة بفكر الاخوان أوغيرهم ، و لذا أتأمل كثيرا قول أحد الناس حينما سئل عن ترشيحه للاسلاميين قال " لأنهم على الأقل لن يسرقونا " و هذا هو غاية معظم الناس ، و ليس اقتناعا بفكر معين ، إنما الناس مسلمون في الجملة و يحبون دينهم ، و هذا يجعلنا نفكر كثيرا في شأن معظم الناس الذين صوتوا للاسلاميين ، فلابد أن يعرف الاسلاميون أن الناس غير "مؤدلجين" ، إنما قول معظمهم هو أننا جربنا "الحرامية" ستين سنة فلم لا نجرب هؤلاء المتوضئين ، و لا شك أن ذلك في حد ذاته منقبة للاسلاميين غير أنه يحتاج إلى نظر دقيق عند حساب القوى المساندة للمشروع الاسلامي لنهضة مصر . من جهة أخرى فإن ما كان يميز حازم أبو اسماعيل ، أو الشاطر المستبعدين و كذلك أبو الفتوح هو سهولة تسويقهم لدى عموم الناس ، لما اكتسبه حازم من شعبية جارفة خلال العام المنصرم بأطروحاته الجريئة و حسن عرضه لما يراه برنامجا طموحا لنهضة مصر ، و يقترب من ذلك أبو الفتوح أيضا ، و الشاطر لكثرة معاناته في النظام السابق من ظلم و سجن و تجميد أموال ، علاوة على نظرته الاقتصادية التي يشفع لها نجاحاته على مستوى شركاته و تجارته سواء الشخصية أو في إدارة أموال الاخوان ، فتسويقه سهل لدى عموم الشعب تعاطفا معه و كرائد نهضوي اقتصادي قد يخرج البلد من أزمتها . أما الدكتور محمد مرسي مع احترامنا الشديد لشخصه ، فالواضح أنه لا يحمل كل تلك المزايا الموجودة في المستبعدَيْن ، و لا كذلك الموجودة في "أبو الفتوح" ، و ترشحه المتأخر - و الذي كما يتضح لم يكن في الحسبان – قد يؤثر عليه كثيرا في تسويقه لدى عموم الناس . و لا أدري كيف يغفل الناس و خاصة الاسلاميين عن رجل بحجم الدكتور عبد الله الأشعل ، فالرجل يحمل مؤهلات جيدة لحمل تلك الرسالة العظيمة ، و هو و إن كان لا يحسبه كثير من الاسلاميين ضمن مرشحيهم ، إلا أنه يحمل حسا اسلاميا عاليا ، و يتبنى الهوية العربية الاسلامية بوضوح ، و هو من المطبخ الدبلوماسي و يعرف أسرار الكواليس السياسية داخليا و خارجيا ، و ليس له عداء مع الدعوة الاسلامية ، و لا يتبنى مشروعا تغريبيا يظن أن فيه نهضة مصر كغيره ممن له أفكار بعيدة عن آمال و طموحات الأمة ، غير أن الرجل هادئ جدا في طرحه ، و ليس له الكاريزما التي يستطيع بها تسويق نفسه ، و لا الامكانيات المادية اللازمة ، وكذلك ليس لديه مناصرين كُثر يحملون عنه ذلك في الدعاية و الإعلان ، فلو كان له رجال لقد كان من الممكن أن يكون الأوفر حظا ، بل لا أبالغ إن قلت و الأكفأ لإدارة دفة مصر في تلك المرحلة ، فهل ينتبه الاسلاميون له أم يصرون على تفتيت الأصوات ، بل إنني أحث جميع القوى بالساحة على جعله رئيسا توافقيا بينهم . بصفة شخصية لا أعتبر "أبو الفتوح" و "العوا" مشروعين اسلاميين ، فالأول لا يبدو من طرحه أنه يحمل مشروعا اسلاميا نقيا و غايته في حملته إرضاء المخالفين من جميع الأطياف و خطابه لهم ، و لا يهتم كثيرا بأن يتبناه الاسلاميون - و إن كان يريد ذلك و يتمناه - و إلا أسقط نفسه أمام ما يعتقد أنهم القطاع العريض في مصر خاصة بعدما يثار بشأن انخفاض شعبية الاخوان . أما العوا فالرجل و إن كان يصرح بأنه يحمل مشروعا اسلاميا إلا أن أفكاره و ضوابطه للأمور تحتاج إلى نظر و تأمل و خاصة في استخفافه و عدم تقديره للمشروع الرافضي الصفوي الإيراني بالرغم من وضوحه لدى العامة و الخاصة ، و هذا يضع عليه علامات استفهامية كبيرة ، و خاصة بعد أحداث سوريا و موقف الروافض في ايران و العراق و لبنان و اصطفافهم جميعا لوأد ثورة أهل السنة على طغيان حكام سوريا العلويين. الحاصل أنه لو لم يتوافق الاسلاميون على رجل واحد و لو كان به بعض العوار ، فنستطيع بكل وضوح أن نهنئ أحدا غيرهم برئاسة مصر و نرجو له التوفيق و السداد ، و إن كنت لا أتمنى أن يحكمنا أمثال عمرو موسى الذين رضعوا لبان التبعية و الخضوع سنينا و نبتت أجسادهم منها و رسخوا لها ادعاءً للحكمة و الأناة ، فلا أظننا قادرين على أن نحيا كراما بأمثالهم. لك الله يا مصر من أبنائك ، و الله يقدر لنا الخير حيث كان. [email protected]