يمثل حزب النور القوة التصويتية الثانية بعد الإخوان، كما تجلى ذلك فى الانتخابات البرلمانية، وهناك تقديرات بأن القدرة التصويتية للسلفيين بشكل عام هى أكبر من ذلك بكثير إذا أخذنا فى الاعتبار تردد بعض القطاعات السلفية فى المشاركة السياسية، ونظرًا لحداثة عهد الحزب وكوادره بالسياسة، فقد افتقد القدرة على المبادرة وصناعة القرار خشية التورط والحسابات الخاطئة وعواقبها، وهذا ما دفع الحزب إلى السير فى ركاب الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة فى معظم المواقف والمبادرات السياسية، وخاصة بعد دخول البرلمان، غير أن استمرار هذا الموقف أساء بالتأكيد لحزب النور ودوره وقيمته فى الحياة السياسية، خاصة أنه حزب ولد كبيرًا بالفعل بفضل الدعم الذى وفره له رموز سلفية كبيرة والحصاد الانتخابى، الذى جعله ثانى أكبر قوة برلمانية، ومن ثم يتحتم على الحزب أن يبدأ مرحلة "الفطام" السياسى، وأن يستقل بقراراته ومواقفه ومبادراته، وكانت هناك مؤشرات على مثل هذا التوجه مؤخرًا، ربما ظهرت فى الموقف من رفض متابعة الإخوان فى طلبهم سحب الثقة من حكومة الجنزورى. الآن مصر على أعتاب استحقاق سياسى خطير، يتمثل فى رئاسة الجمهورية، وبدون شرح طويل، فإن الكتل التصويتية للإسلاميين هى التى ستحسم إلى حد كبير نتيجة هذا السباق لكرسى الرئاسة، وإذا كان الإخوان قد أظهروا حتى الآن إصرارًا على الدفع بعضو منهم للوصول إلى رئاسة الجمهورية، رافضين أى مقترح للتوافق الوطنى ولا حتى الإسلامى، إلا أن القوة التصويتية للإخوان بكاملها لن تتجاوز 30%، وهو ما يعنى أن الجماعة لن تستطيع أن تفرض مرشحها إلا إذا تلقت دعمًا من الكتلة التصويتية السلفية الكبيرة، حزب النور، وهذا ما يجعل لموقف حزب النور أهمية استثنائية فى تلك اللحظة من عمر الوطن، لأنه يصبح أشبه برمانة الميزان فى سباق الانتخابات، وأنا على يقين من أنه إذا أعلن حزب النور والتيار السلفى تحفظهم على استئثار الإخوان بمنصب الرئيس فإن ذلك سيكون حافزًا قويًا للغاية لدفع الإخوان إلى مراجعة عنادهم والعودة إلى التوافق الوطنى، والإعلان عن دعم مرشح رئاسى له قبول بين الجميع، ولا يمثل حزبًا أو جماعة أو تنظيمًا بحيث يخشى أن يكون خاضعًا لتوجيهات قيادة الجماعة أو التنظيم أو الحزب أو يحابى أبناء الجماعة والحزب على ما سواهم من القوى الأخرى أو يتسبب فى زيادة مساحات التوتر والنزاع والقلق فى النسيج الوطنى، ويعرف أنه أتى بدعم الجميع وتوافق الجميع، فهو فى النهاية يكون ملكًا للجماعة الوطنية بكل أطيافها. حزب النور كان قد دخل فى حلف غير معلن مع الإخوان عند الدفع بترشح خيرت الشاطر، كمخرج للاثنين، الإخوان من معضلة أبو الفتوح، والنور من معضلة أبو إسماعيل، والآن أصبح الاثنان خارج السباق الانتخابى، فانتفت الضرورة ورفع الحرج، وأصبح من حق "النور" بل من واجب الوطن عليه أن يفكر باستقلالية مستحضرًا مصلحة الوطن فى تلك اللحظة الفارقة، الوطن فى حاجة لاستقرار، فى حاجة إلى الخروج سريعًا من الانفلات الأمنى والفوضى المجتمعية، فى حاجة إلى إرسال رسالة قوية للمستثمرين فى الداخل والخارج لإطلاق مشروعات تنموية حقيقية، فى حاجة إلى بث الطمأنينة فى مختلف القوى الوطنية الفاعلة وبناء جسور من الثقة معهم، فى حاجة إلى إعطاء البرهان العملى على صدق "دعواهم" طوال السنوات الماضية بأنهم ليسوا طلاب سلطة، فى حاجة إلى البرهنة العملية على صحة مبدئهم الأخير أنهم سيختارون الأنسب لمصر الآن وليس الأصلح، فى حاجة إلى إقناع كل القوى الحية فى الوطن بأن الحزب السلفى لا يخضع فى قراراته للعواطف والضغوط الشخصية، وإنما يخضع لمصلحة الوطن وصوت العقل حتى وإن أغضب ذلك بعضا من التيار الإسلامى نفسه. هل يفعلها حزب النور ويعين الوطن على الانتقال إلى الديمقراطية والاستقرار والأمان والتنمية ويبنى جسور الثقة مع الجماعة الوطنية، هذا يتوقف على مدى قدرتهم على استقلالية قرارهم، والإعلان عن أنفسهم كقوة سياسية لها قرارها الخاص وصاحبة مبادرة سياسية مستقلة بالفعل. [email protected]