لاشك أن منصب الرئاسة هو من أهم الواجبات التي يسير الله بها أحوال العباد الدينية و الدنيوية ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: « فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع إلى أميرٍ يسوسهم، وقائدٍ يقودهم، وإذا كان ذلك واجباً في أقل الاجتماعات، وأقصرها، فكيف بأمر المسلمين، وفي الحديث: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماعات ». إن هذا المنصب الخطير في بلد كمصر مترع بكل أنواع الابتلاءات لحري أن يفر منه ذوو العقول السليمة و الأفهام الواعية و خاصة في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمة المصرية. هذا الاستشعار بالمسئولية هل يتحسبه المتقدمون للرئاسة ، أم أن زهوة المنصب و قوة المنافسة قد تعمي الإنسان أحيانا عن رؤية الحق حتى يجد نفسه أمام فتنة قد لا يثبت أمامها. و قد هلك في تلك الإمارة من هلك و هم الأكثرون و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي ذر رضي الله عنه حين سأله أن يوليه شيئا من أمر المسلمين : إنك ضعيف وإنها أمانة . وإنها يوم القيامة ، خزي وندامة . إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )) رواه مسلم . و قد وردت فيه من الأحاديث العظيمة الشأن التي تحذر من التكالب عليها و السعي إليها ،ففي الحديث عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول صلى الله عليه و سلم قال " إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة، و ما هي ؟ أولها ملامة ، و ثانيها ندامة ، و ثالثها عذاب يوم القيامة ؛ إلا من عدل" صحيح الجامع/1420 و في الحديث أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( إنكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة )) البخاري/7148 فضرب النبي المثل للإمارة ( فنعم المرضعة ) لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات ، وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بالموت وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة ، و لذا كانت النية الصالحة و القصد الحسن و إرادة الخير و تجريد النفس للإصلاح و العدل هو الذي ينجي أصحاب تلك المناصب . و في قوله تعالى (( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )) القصص/83 . فمن صفات الذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا أنهم صالحون في أنفسهم و أعمالهم و سرهم و علانيتهم ، مصلحون لغيرهم بكل السبل الشرعية التي يستطيعونها ، فهؤلاء هم خير الناس و لهم الرفعة و المكانة العالية في الدنيا و الآخرة . و لذا ينبغي على من يطلب الإمارة أن يكون كيوسف عليه السلام ، فإنه لم يطلب الإمارة من أجل العلو في الأرض ، إنما طلبها من أجل الإصلاح و نفع العباد ، و لذلك قال لملك مصر حينما قال له ((... إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ )) ، (( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )) يوسف/55،54 . و كأنه رأى عليه السلام حال الفساد الذي كانت عليه البلاد ، و ما سيحل بها من القحط و الجفاف وفقا لرؤيا الملك التي أولها ، فطلب أن يكون وزيرا ، فعينه الملك عزيز مصر – و قد يعادل الآن رئاسة الوزراء - فكان مؤتمنا على خيراتها و مقدراتها لكي يصلح ما أفسده المفسدون و يمر بالبلاد من تلك الأزمة التي تعرضت لها بخطة محكمة من خبير عليم ، أمين على تطبيقها. فمن كان كيوسف عليه السلام فأهلا و سهلا به منافسا شريفا على حكم مصر ، و من كان غير ذلك و له هوى في نفسه و جشعا في طباعه و بعدا عن دين الله سبحانه و تعالى و إرادة الدنيا فنذكره بأنها ملامة و ندامة و عذابا يوم القيامة ، فلا يعميه عسل الرضاع عن لحظة الفطام و إلا خسر الدنيا و الآخرة . من أجل ما ذكرناه آنفا ، فقد قدم الشيخ أبو اسحاق الحويني نصيحة غالية إلى حازم أبو اسماعيل قائلا له " لا تحزن إن صرفها الله عنك " . إن الذي يتعرض له أبو اسماعيل أمر بيت بليل ، و يدل دلالة واضحة أن من بيدهم أزمّة الأمور الآن لا يريدون إصلاحا حقيقيا لمصرنا الغالية ، و قد بان بوضوح أنهم يخططون لإعادة انتاج النظام السابق بمكر و دهاء كبير متمثلا في صناعة الأزمات و إدخال البلد في متاهات و يبدو أنهم قد أعدو خططا بديلة و سيناريوهات مختلفة بحيث أنه كلما فشلت خطة ألحقوها بغيرها و هكذا حتى أوقعوا البلد في دوامة قد تدفع الكثير من الشعب إلى طلب الاستقرار و الأمن و لو بالعدو قبل الصديق ، و كأن لسان حالهم كما قال المخلوع أنا أو الفوضى . إن تلك الأحداث التي تمر بها البلاد من حالات التشكيك في الأهلية و الجنسية و التضليل الاعلامي و القيل و القال و الطعن في الذمم و الأعراض ، أخشى أن تكون منظومة جديدة من الفساد و مصيدة اتحد في نصبها قوى شر داخلية و خارجية تحرص على الرضاع من دم تلك العزيزة المجهدة ( مصر ) ، و أخشى أن يكون الاسلاميون على اختلاف انتماءاتهم قد وقعوا في الفخ ، و كأن هؤلاء السحرة و المنتفعين و أيتام المخلوع مبارك يريدون أن يستغلوا ما وصلت إليه أحوال الناس من ضنك في المعيشة و قلة في الأرزاق و خوف و عدم أمن و مرض لكي يمرروا ما يخططون و يجبروننا على ما يريدون . إن ما يحدث من تشويه لحازم أبو اسماعيل الذي نحسبه – و الله حسيبه – على خطى يوسف عليه السلام و هو يريد الاصلاح في الأرض و لا يريد العلو و لا الفساد ، ينبغي أن يتحد له الوطنيون المخلصون من أهل مصر على اختلاف انتماءاتهم و أحزابهم و دروبهم لأن اليوم أبو اسماعيل و غدا أبو الفتوح و هلم جرا حتى نفاجأ بأن عمر سليمان و أشباهه قد أصبح أحدهم حاكما علينا فنندم ولات حين مندم . أيها المصريون المخلصون هل تريدون عودة أمن الدولة من جديد و كبتا للحريات و السجون و المعتقلات و خراب الذمم و نهب ما تبقى من ثروات البلد و مقدراتها . قفوا اليوم وقفة رجل واحد في دفع تلك المظالم من تلك المنظومة الفاسدة من أيتام مبارك ، و إلا ... و الله المستعان على ما يصفون . [email protected]