لايوجد أى مانع سياسى أو دستورى الآن يَحُول دون إنجاز مشروع الدستور المصرى الجديد خلال الشهرين المقبلين، وقبل انتخابات رئاسة الجمهورية، أو بالتوازى معها، ولا أجد أى منطق لهؤلاء الذى يحذرون من إنجاز الدستور خلال تلك الفترة أو يطالبون بتأجيله إلى ما بعد انتخابات الرئاسة، كما لا أجد أى معنى لمحاولة إعادة إنتاج الجدل القديم، الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً؟!؛ لأن المسار تحدد الآن بشكل كبير، والشعب انتزع سلطته التشريعية والرقابية، كما أن إنجاز برلمان الثورة جعل المسار منضبطًا دستوريًا وفق الإعلان الذى اعتمده الشعب المصرى، إضافة إلى أننا فى الأمتار الأخيرة من إنجاز ثانى أهم وأخطر مؤسسات الدولة "مؤسسة الرئاسة"، ومن ثَمَّ انتفت الموانع الدستورية والسياسية، وأصبح إنجاز الدستور مطلبًا ملحًا وحيويًا للغاية، وربما كان الرأى الذى يصر على إنجازه قبل انتخابات الرئاسة هو الأقرب الآن للمنطق والسلامة؛ لأن الدستور الجديد هو الذى سيحدد صلاحيات رئيس الجمهورية الجديد، ويقلل المخاوف من مفاجآته، والمؤكد أنه سيحدّ من تلك الصلاحيات ويقلص من طغيانها، الذى تم تفصيله سابقًا على مقاس الفراعين والجبابرة والطغاة. حديث البرادعى عن سلق الدستور والاستعجال فى إنجازه كلام "إنشا"، لا يتصل بالحقيقة والواقع والمنطق؛ فمعالم الدستور واضحة للغاية أمام غالبية القوى الوطنية، ولا يوجد خلاف حول المبادئ العامة، بما فيها المادة الثانية للدستور، ولا خلاف على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا يوجد خلاف على كل ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق المواطنة وسيادة القانون والتعدُّدية، وهناك فقط اجتهادات فى حجم تقليص سلطات الرئيس ومداه، وأغلب القوى الوطنية تتفق الآن على النظام المختلط بين الرئاسى والبرلمانى، والخلاف الحقيقى المتبقى ربما ينحصر فى وضع مجلس الشورى وفى نسبة الخمسين فى المائة للعمال والفلاحين، وأيضًا وضْع المؤسسة العسكرية، وأظن أن تركيز الجهد والحوار الوطنى حول هذه النقاط يمكن أن يُنجَز خلال أسابيع قليلة، ويتم التوصل إلى اتفاق حولها، وليس من المعقول أن نظل نتناقش حول هذه النقاط القليلة لعام مقبل، بخلاف العام الذى سبق وجرى فيه النقاش حولها بصورة أو أخرى، كما أن الدستور فى النهاية ليس كتابًا سماويًا منزلاً لا يمكن العودة إلى تعديله حال الضرورة، وإنما هو جهد بشرى فى مرحلة معينة، وإذا ثبت بوجه القطع بعد عدة سنوات أن مادة من المواد تسبب حَجْرًا على الديمقراطية، أو معوّقًا لنهضة الوطن، فلا يوجد ما يمنع الحوار حولها من جديد، والعودة إلى الشعب من أجل تعديل هذه "المادة"، وهو أمر استثنائى، وسيتم فى ظل أوضاع سياسية ودستورية مختلفة جذريًا عن الاستباحة الماضية، وهيمنة الرجل الواحد على كل السلطات، بمعنى أن أى تعديل سيتم بعد ذلك لن يكون وفق الهوى والغرض لشخص أو حزب أو أىّ كان، وإنما وفق مصلحة وطنية فرضت نفسها على الجميع، واستشعر الجميع أن ثمة حاجة إلى مراجعتها. أتمنى أن تنجح القوى الوطنية فى إنجاز دستور مصر الديمقراطية قبل أو بالتوازى مع انتخابات الرئاسة، وقد بدت معالم توافق كبير حول موضوع "التأسيسية" ، كما أن "بركات" عمر سليمان التى حلَّت على أطياف الوطن، وأخرجت لهم فجأة الأفاعى والحيّات والثعابين التى كانت كامنة ومختبئة فى الإعلام والسياسة وبعض أجهزة السلطة، أحيت روح التوحُّد والثورة من جديد، وجعلت الأجواء أكثر استعدادًا لدستور توافقى، نأمل أن نذهب للتصويت عليه قريبًا. [email protected]