منح الإعلان الدستورى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية حصانة مطلقة ، تجعل من قراراتها أحكامًا نهائية لا تقبل المراجعة ولا الطعن من أى جهة قضائية أو غير قضائية ، وهذا "المنح" من المفترض أنه يحمل أعضاء تلك اللجنة مسؤولية أخلاقية ووطنية ضخمة ، فهو ليس تشريفًا، بل هو تكليف ثقيل؛ لأن أى انحراف أو خطأ أو هوى يؤثر فى قرارها يكلف مصر الكثير، كما لا يُمحَى من التاريخ المهنى والوطنى والأخلاقى لجميع أعضاء اللجنة ، ومن ثَم يكون من حق الرأى العام المصرى أن يطمئن إلى أن اللجنة تعمل وفق مقتضى القانون والعدالة، وليس وفق الهوى والغرض ، وأن يتسع صدر اللجنة إلى سماع توجّسات الناس وتساؤلاتهم وتجيب عليها ، وبطبيعة الحال فإن أهم وأخطر سؤال يفرض نفسه الآن هو المتعلق باستبعاد المرشح الرئاسى الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل من السباق الانتخابى ضمن تسعة آخرين ، جميعهم كان استبعادهم معلنة أسبابه، ويمكن نقاشها وإن تحفّظ كثيرون عليها ، ولكن مسألة أبو إسماعيل هى الوحيدة التى تتسم بالغموض وغياب الشفافية . اللجنة قالت فى بيانها أمس إن المستندات التى لديها تقول إن والدته حصلت على الجنسية الأمريكية ، وهو كلام كان يمكن أن نتفهَّمه، وإن اختلفنا معه، قبل صدور حكم القضاء المصرى الذى وصف تلك الأوراق المقدمة كلها بعدم الموثوقية، وأنها لا ترقَى دليلاً على حصول والدة المرشح على الجنسية الأمريكية، وأثبت أن وزارة الداخلية المصرية التى أناط بها القانون مسؤولية تحديد جنسية المواطنين وحمْلهم لأى جنسيات أخرى، لا تملك أى مستند يدل على حصول والدة المرشح الرئاسى على جنسية أى دولة أخرى ، أمريكية أو غير أمريكية ، ومن ثم قضت المحكمة بإلزام وزير الداخلية بمنح المرشح الرئاسى "شهادة / وثيقة" تُثبت أن والدته مصرية الجنسية بدون أى جنسية أخرى ، وهى الوثيقة التى صدرت بعد مماطلة، وسلمها المرشح الرئاسى للجنة العليا للانتخابات، وأصبحت ضمن ملفه المرفق للترشح ، وهنا يبقى السؤال الضرورى والبديهى : لماذا تجاهلت اللجنة العليا للانتخابات وهى مشكَّلة من قضاة حكم القضاء المصرى؟ ، ولماذا لم تأخذ بالشهادة / الوثيقة التى أصدرتها الحكومة المصرية لصالح المرشح الرئاسى؟ ، وهل اللجنة تعتبر الشهادات الأمريكية إن توفّرت فعلاً كما تقول وثائق تُحترم، بينما تعتبر أن الشهادات التى تصدرها الحكومة المصرية كلام فارغ، ولا تساوى الورق الذى تُطبع عليه؟! اللجنة قالت فى بيانها المتأخر جدًا إنه توفر لها فى اليوم التالى مباشرة لصدور حكم المحكمة شُوف إزاى!!! وثيقة أمريكية أصلية، تؤكد أن والدة المرشح أمريكية ، وهو ما طعن عليه المرشح بالتزوير ، وفى هذه الحالة فإن القضاء هو الفيصل ، وينبغى أن تلجأ اللجنة للقضاء المصرى من جديد لاستجلاء الحقيقة بدلاً من أن تعتمد على صفة قانونية لمواطن، ليست هى الجهة المخوّلة بإثباتها ، وإنما اخترعتها هى افتئاتًا على الجهة الرسمية المختصة التى خوّلها القانون ذلك ، والأسوأ أن تقول اللجنة إن "من المستقر عليه" أن ثبوت الجنسية الأجنبية لا يكون إلا عن طريق سلطات الدولة المانحة لتلك الجنسية، وقد لا يثبت لدى جهات الدولة صاحبة الجنسية الأصلية ، وهو ما يعنى إهدار كيان مؤسسات الدولة المصرية بالكامل ، وإذا أرسلت "إسرائيل" اليوم خطابًا تقول فيه إنها منحت أم "عمرو موسى" مثلاً الجنسية تحتم على اللجنة حرمانه من حقه القانونى والدستورى دون رجوع إلى أى جهة مصرية؛ لأنها فى تلك الحالة غير مختصة و"إسرائيل" وحدها المختصة بذلك، وهى المرجع والمنتهى ، والحقيقة أنى لا أعرف عبارة "من المستقر عليه" التى صدَّرت بها اللجنة تلك الفِرْية من أين أتت بها؟ ، والمستقر عند مَن؟ ، وفى أى شرع أو قانون؟! .