طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى فضيلة الامام شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب أكثر من مرة بتجديد الخطاب الدينى وفى المرة الأخيرة أثناء الاحتفال بعيد الشرطة قائلا لفضيلة الامام أتعبتنى يا فضيلة الامام وقد استغل بعض الكتاب قول الرئيس لفضيلة الأمام وجعله عنوانا لمقاله داعيا الى الاصلاح الدينى طبقا لما حدث فى اوروبا منذ قرون عديدة بفصل الدين عن الحياة,اذن ينبغى فصل الاسلام عن الحياة ,والى هؤلاء ومن لف لفهم ونسج نسجهم نود أن نفصل القول فى حقيقة التجديد وماهيته لغويا واسلاميا فالتجديد كما جاء تعريفه فى المعاجم اللغوية هو صيرورة الشىء القديم او البالى جديدا.أما التعريف الشرعى أو الاسلامى فهو ما شرحه العلقمى فى شرح سنن ابى داود :احياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وهذا التعريف للتجديد شرح لحديث أخرجه ابو داود فى سننه عن أبى هريرة -رضى الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد للناس دينها" . وبناء على ماهية التجديد لغويا واسلاميا نستطيع بكل جدال البحث والاستقصاء عما اندرس واهُمل وهُمش من العمل بالكتاب والسنة والامر بمقتضاهما فى حياتنا السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأسرية. فى اعتقادى ويقينى أن أهم واخطر ما تركناه تجاهلا أو تناسيا أو انشغالا هو حقيقة وجوهر وحدانية الله عز وجل التى لا تعنى الا العدل والقسط والانصاف, وهذا التعريف لكلمة التوحيد ومعانيها ومقاصدها وغاياتها ليس من تأليفى او اختراعى انما هو ما يؤكده علماء اللغة العربية قائلين: ان من معانى التوحيد هى النصفة والقسط والعدل, ذلك أن نقيض التوحيد هو الشرك "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" لقمان 13 ومن معانى الشرك ايضا التجاوز والاسراف والتعدد وان كل متدبر أوتى فهما جيدا وفكرا حياديا وموضوعيا يقر ويؤمن بمصداقية ما ذهب اليه اولئك العالمون بروح وجوهر اللفظ العربى وايحاءاته ومضامينه البعيدة الغور, ذلك أن كلمة التوحيد ومشتقاتها مثل الأحد والواحد والتوحد والوحدانية,تعنى عدم الازدواجية والتعددية والاختلاف ومادام التوحيد نقيضا للازدواجية فمن الحتمى أن يكون من معانيه العدل والانصاف والمساواة ولذلك كانت الدعوة الى التوحيد ووحدانية الله عزوجل بغيضة ومكروهة من قبل الظالمين و المفسدين فى الارض فقد سمع عربى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أيها الناس قولوا لا اله الا الله عندئذ قال له هذا العربى هذا امر تكرهه الملوك, وعربى اخر معقبا على كلمة التوحيد ايضا إذن تحاربك - أى يا محمد – العرب والعجم ,وكأنى بهذين العربيين المدركين بسليقتيهما العربيتين النقيتين يعلمان جيدا مساوئ ومظالم وجرائم حكم الفرد وظلم وطغيان الاستبداد الديكتاتورى استبداد وألوهية " مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي " القصص 38 و "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"غافر 29 ولا يحسبن أحد أن تطبيق وتفعيل عدالة الوحدانية إكراه لغير المسلمين اعتناق الإسلام,فإن قضية حرية العقيدة حسمها القرآن منذ أربعة عشر قرنا مؤكدا فى قوله تعالى "لا اكراه فى الدين" البقرة 256 ونقول: مؤكدا لأن "لا" عند النحويين تفيد نفى الجنس أى جنس الإكراه "نفى كونه ابتداء فهو يستبعده من عالم الوجود والوقوع" فحرية العقيدة مكفولة فى الإسلام "أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 99 ولكن من حق غير المسلمين أن يجنوا وينعموا بثمار ونتائج عدالة الوحدانية السياسية والأقتصادية والمساواة فى الحقوق والواجبات والحرية الكاملة فى ممارسة شعائرهم الدينية هذه العدالة والروح الإسلامية تجاه غير المسلمين ليست جديدة ولا مخترعة فتاريخ الفتح الإسلامى لمصر خير شاهد على تأكيد حرية العقيدة, يقول الدكتور محمد حسين هيكل فى كتابه "الفاروق عمر" إن عمرو بن العاص "جعل حرية العقيدة من اسس هذه السياسة ,فلما عرف رهبان القبط هذا الأمر خرج عدد عظيم منهم من الأديار التى كانوا قد اعتصموا بها من الاضطهاد, وساروا الى عمرو يعلنون له الطاعة وكان عمرو حريصا على أن يعود البطريق بنيامين الى رياسته الدينية لما عرفه من محبة القبط له وتعلقهم به .ومن ازدياد هذه المحبة فى نفوسهم بعد فرار بنيامين الى اقصى الصعيد واعتصامه به من الروم بالصحراء, لذا كتب للقبط جميعا أمانا خص فيه بنيامين بقوله "فليات البطريق الشيخ آمنا على نفسه وعلى الذين بأرض مصر والذين فى سواها لا ينالهم أذى ولا تخفر لهم ذمة" وعرف بنيامين عهد الفتح العربى ,فخرج من مخبئه بالصحراء وسار إلى الاسكندرية فدخلها دخول الظافر فى مظاهر من ابتهاج القبط لا يساورها خوف ولا يشوب صفوها كدر" (ص157) يطيب لى اخيرا وختاما أن أقدم رؤية فكرية وسياسية لمعنى ومدلول ومنطوق الواحد والتوحد والتوحيد لأستاذ ومفكر معاصر هو الدكتور حسن حنفى الأستاذ الجامعى فى كتابه "جذورالتسلط وآفاق الحرية",يقول "التوحيد اسم فعل أو مصدر "وحد يوحد توحيدا التوحيد جهد ومعاناة ضد التجزئة والتشتت والتبعثر والتفتيت وتضارب الأهواء ,وهو ما عبر عنه علماء أصول الدين والصوفية فى آن واحد فى نظريات وحدة الشهود,ان لا يرى الإنسان العالم إلا من منظور واحد ضد المعيار المزدوج ,وتضارب المعايير فى الحكم على الأشياء فما يقوم به العرب والمسلمون فى فلسطين والعراق وافغانستان والشيشان وكشمير إرهاب, وما يقوم به اسرائيل وامريكا وروسيا والهند مقاومة ودفاع عن النفس وتحقيق السلام. ومبدأ التوحيد بالشخص توحيد طاقات الأنسان الداخلية والخارجية ,الداخلية فى الفكر والوجدان والخارجية فى القول والعمل حتى يأمن الإنسان من الخوف والجبن والرهبة وأن يفكر فيما يشعر به ,حتى يصدق الفكر مادام قد صدق الوجدان كما يتجنب النفاق والتملق ,ويعتقد ما يقول ضد الكذب والمداهنة والساكت عن الحق شيطان اخرس ,كما يتجاوز قول مالا يفعل وفعل مالا يقول وهو نوع من الكذب العملى كما يفعل القادة والمسؤلون تخديرا للناس إيهاما لهم بأن الحلول قادمة وأن عنق الزجاجة قد قارب على العبور "﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾ سورة الصف.وبعد وحدة الشخص تأتى وحدة المجتمع حيث تذوب الفوارق بين الطبقات,فالمجتمع الذى تسوده الفوارق الشديدة بين الأغنياء والفقراء مهددة بالأنقسام دون تقاسم السلطة والثروة كما هو الحال فى السودان بين شماله وجنوبه وغربه ,والوطن العربى بين مشرقه ومغربه ,والأمة الإسلامية كلها بين سلاطينها و أغنيائها من ناحية وفقرائها الذين يموتون من التصحر والفيضان والجوع والعطش من ناحية أخرى,والمواطنة بلغة العصر هى التى تخلق وحدة الوطن والمساواة بين الحقوق والواجبات أمام القانون بلا تمييز بين ذكر وأنثى أو طائفة أو عرق أو لون أو بشرة أو أقليم أو لغة. وبعد وحدة المجتمع والوطن تأتى وحدة الأمة على كل مسئولياتها ,والأمة العربية والأمة الأسلامية.ولا تناقض بين الدائرتين الدائرة الأضيق القلب والمركز والأصل ,والدائرة الأوسع التى أعزت الإسلام ودخلت شعوبها فيه أفواجا,بحيث فاقوا من حملوه بشرا وثروة واقتصادا ونموا ولا تعنى وحدة الأمة بالضرورة الوحدة السياسية نظرا لترامى الأطراف بل تعنى وحدة المقاصد والأهداف والمصالح المشتركة والتنسيق والتعاون وحماية الأستقلال والتوازن فى نظام العالم.