عاد الحديث مجددًا داخل "الإخوان المسلمين" حول على تلويح جبهة الحرس القديم، ممثلة في آخر مكتب إرشاد بزعامة نائب المرشد والقائم بأعماله محمود عزت، بورقة التمويل في صراعها مع تيار الشباب، داخل "الجماعة". ومنذ إعلان تيار الشباب الشهر الماضي، تشكيل مكتب إرشاد موازٍ (المكتب العام للإخوان المسلمين) بخلاف المسيطر حاليًا والمتمثل في القيادات التاريخية وعلى رأسها مجموعة عزت، وتدخل أزمة الإخوان الداخلية في منحدرات خطرة تهدد تماسكها. عز الدين دويدار، القيادي الشاب بالإخوان، اتهم الرابطة العالمية للإخوان المسلمين (محسوبة على جبهة عزت)، ب"ابتزاز مستحقي التمويل الإخواني من أفراد التنظيم المنتسبين له داخل مصر، لكسر إرادتهم في رفض قيادته"، بحسب تعبيره. وقال دويدار، عبر منشور على "فيس بوك"، إن "الإخوان حول العالم الذين يوجهون أموال زكاواتهم واشتراكاتهم للرابطة، لا ينفقونها من أجل سواد عيون الزعيم الرباني صاحب السرداب قائد كل العصور والمحن وأصدقائه المؤتمرين بأمره من دون الشورى (يقصد عزت) بل ينفقونها ويقتطعونها من أرزاقهم لله نجدة لإخوانهم ودعمًا للمطاردين والمعتقلين وأسر الشهداء". واعتبر أن "هذه الرابطة العالمية وإدارتها تعصف بمبادئ الدعوة وثوابت الدين عندما تتعسف في توجيه أموال الإخوان وتستخدمها كسلاح في ترتيب أوضاع الجماعة على عكس إرادة الصف وشوراه ومؤسساته". وأضاف: "أموال الإخوان صدقات وزكاوات أخرجها أصحابها لله، ولأن الصف حتى الآن لا يعرف طريقًا للمحاسبة والتغيير لتلك المجموعة (الحرس القديم) التي تتحكم في الرابطة العالمية للإخوان منذ عقود ولأن الرابطة اختارت أن تدعم الشخصيات التي انقلبت على الشورى والمؤسسية في الداخل ولأن هذا الخلاف مع الرابطة لن يحسم قريبًا وأيًا كان موقف كل واحد منا من هذا الخلاف الذي لن يحسم في كلمات، فالواجب الآن هو ثلاثة أمور". والأمور الثلاثة بحسب دويدار هي أن "يجد الإخوان حول العالم طريقًا لإيصال دعمهم لإخوانهم الذين جارت عليهم الرابطة وليبحث الإخوان أفرادًا وجماعات في أقطار العالم عن الطريق لنجدة إخوانهم في الداخل وفي بلدان المنفى التي تعاني جور الرابطة وتعسفها". أما الأمران الثاني والثالث وفق دويدار فهما: "أن يجد الإخوان في كل قطر طريقًا لمحاسبة قيادة الرابطة التي شاخت في مقاعدها حتى تصورت أنها مالكة الجماعة والوصية على أعضائها، وليسألوهم: كيف تنفقون أموالنا، وأن يتحروا الحقيقة ولا تهدأ نفس الواحد منهم حتى تصل للحقيقة". في المقابل، قال مصدر مطلع على تفاصيل الأزمة الداخلية بالإخوان إن الأموال صارت إحدى صور الانقسام الداخلي للجماعة التي تواجه أشرس حملة ضدها في تاريخها المعاصر. وفي تصريحات ل"المصريون"، أضاف المصدر متحفظاً على ذكر اسمه، لأسباب شخصية: "طالما بقي الخلاف الداخلي ستزداد صور الصراع حول الجهة التي تمتلك زمام الأمور إداريًا والتي من الواضح أن جبهة محمود عزت وعبدالرحمن المرسي داخليًا ومحمود حسين خارجيًا هي الأكثر امتلاكًا لها وهذا ما يؤكده أن كثرة الانتقادات التي وجهت كانت من طرف مناوئ له". ومتطرقاً إلى أزمة التمويل، أوضح المصدر: "في قضية التوزيع المالي للاشتراكات محليًا وخارجيًا من المعروف أن العضو الإخواني ومسارات الجماعة الاقتصادية غير المباشرة إحدى أذرعها المالية، وما يحدث اليوم تكرار لنماذج قريبة مشابهة من الصراعات الداخلية شهدتها الجماعة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي". وأكدت مصادر إخوانية متطابقة أن "الحرس القديم" بدأ في تهديد معارضيه بتجميد عضويتهم واستبدالهم واللعب على ورقة رعاية أسر المعتقلين. وألقى الانقسام بظلاله على صفوف الجماعة، ما دفع تيارًا كبيرًا من الشباب لتأييد القيادة الشبابية الجديدة باعتبارها تمثل إرادتهم في مواجهة السلطات عبر حراك ثوري. ويدين للقيادة الجديدة بالولاء الجانب الأكبر من المكاتب الإدارية بما فيها "مكتب الخارج" (يرأسه أحمد عبدالرحمن)، و"اللجنة الشرعية" ولجنة "الشباب المركزية" التي تأسست مؤخرًا. وتلك المكاتب اكتسبت شرعيتها من انتخابات أشرف عليها المكتب الجديد في فبراير 2014، كما أنها توافق على رؤية القيادة الجديدة للمشهد وتعاملها معه وتحظى بتأييد الشباب، وتدرك ذلك القيادة التاريخية والتي بدأت في مد جسور التواصل مع المكاتب الإدارية لتقوم بعزل القيادة الجديدة عن جسد الجماعة. أما العلاقات الخارجية والتمويل فهي من نصيب القيادة التاريخية ورموزها مثل محمود حسين والذي يمثل تنظيم إخوان مصر في التنظيم الدولي. وتعود جذور أزمة الإخوان إلى اعتصام رابعة العدوية الذي استمر قرابة 45 يومًا وجرى فضّه في 14 أغسطس 2013، وفيه اجتمع مجلس الشورى العام للجماعة (الهيئة التشريعية العليا) واتخذ قرارًا بالمضي في التصعيد، وأوصى بإيجاد قيادات بديلة في حالة اعتقال قيادات الصف الأول. فيما طالت أيدي النظام قيادات الصف الأول والثاني والثالث في الجماعة، ولم يتبق سوى بعض أعضاء مكتب الإرشاد المطاردين في الداخل، وآخرون في الخارج كان قد خرجوا بتوصيات قبيل أحداث 30 يونيو، كان أبرزهم محمود حسين الأمين العام للجماعة وأمين صندوقها وجمعة أمين الذي توفي بالخارج بعد صراع مع المرض. وعقب الفض كُلف الأمين العام محمود حسين بإدارة شئون الإخوان المطاردين بالخارج، ومع الاهتزاز الإداري بالجماعة سعت الصفوف المتبقية في مصر بالتنسيق مع القيادات في الخارج إلى إجراء انتخابات لتشكيل مكتب إرشاد جديد يدير الجماعة وأزمتها الحالية وهو ما جرى في مرة أولى في فبراير 2014، وثانية في ديسمبر الماضي، وهو ما رفضت الاعتراف به جبهة الحرس القديم.