ليس دفاعًا عن مرشد الإخوان بل دفاعًا عن البيت الإعلامى فهو من زجاج قابل للكسر. المرشد لم يتجاوز عندما وصف بعض الإعلاميين - وليس الكل، فهناك أساتذة كبار، وهناك رهبان فى محراب إعلام الحقيقة والتنوير وبناء العقول - بأنهم مثل سحرة فرعون يزينون الباطل للناس، وأنا إعلامى لكنى أضيف أن هناك من الإعلاميين من هم أسوأ من سحرة فرعون، فالسحرة آمنوا برب موسى وهارون عندما رأوا أن سحرهم باطل أمام حقيقة إلهية لا قبل لهم بها، أما بعض الإعلاميين فهم فى غيهم، أو جهلهم، أو ابتزازهم يعمهون دون أن يعتبروا ويعودوا إلى رشدهم دعاةً للحقيقة، وترسيخًا للمصداقية، ونشرًا للتنوير، حتى لو تكلمت الحقيقة وقالت لهم لا تكذبوا باسمى، أو تحركت وتلقفت ما يأفكون. الإعلام المصرى صار فوضويًا ليس بعد الثورة فقط، بل من قبلها عندما أصبح مهنة من لا مهنة له، فالعاطل يمكن أن يصبح إعلاميًا فى غمضة عين، والجاهل كذلك، وعديم الموهبة، والباحث عن الشهرة والوجاهة الاجتماعية من خلال تليفزيون الريادة لصاحبه المحبوس صفوت الشريف، ومن بعده أنس الفقى، والآن من خلال فضائيات خاصة تثير كثيرًا من الشبهات فى التمويل والمضمون والدور. الإعلاميون أنفسهم يشتكون من أن مهنتهم باتت مستباحة وتحتاج للتطهير، ومنذ سنوات طوال قرأت يافطة دعائية لزميل ترشح لمجلس نقابة الصحفيين مكتوبًا عليها أن الصحافة أصبحت مهنة من لا مهنة له، وكان هدفه تطهير النقابة من الدخلاء، وفى كل انتخابات ترفع تلك اليافطة وذاك المطلب من مرشحين ومن صحفيين وكتاب يريدون إعادة الاحترام للمهنة، والجمعية العمومية أوقفت القيد عامًا كاملاً لتنقية الجدول من الدخلاء - ومنهم السحرة - لكن الجدول لم ينقَّ. ويبدو أن تطهير الإعلام بكل وسائله مهمة أعقد مما يتصور أحد. الإعلام يحتاج للتطهير لخطورة دوره بالتوازى مع الأمن وربما أسرع من المؤسسات الأخرى، فالإعلام يوجه ويؤثر فى العقل المصرى، وهو يمكن أن يشعل حرائق، أو يزيف حقائق، أو يهدم مجتمعات، أو يبنى ناطحات سحاب من العلم والمعرفة والحقيقة والفضيلة. لقد مرت سنوات طوال على يافطة هذا الزميل وعلى أحلام كل من يريد التطهير، ولم يتطهر شىء، بل تتراكم سوءات الإعلام، ويزداد بؤسًا على بؤسه فى شارع الصحافة وفى ماسبيرو. آفة الإعلام التى تجعله يلد سحرة وعجزة ومرضى وانتهازيين ومخبرين هى الواسطة والمحسوبية والرِّشوة والنفاق والنميمة، ولا يقل لى أحد إن العلم والكفاءة والموهبة هى فقط جواز المرور للدخول من باب صحيفة أو تليفزيون. قد يفلت عدد تتوفر فيهم هذه المسوغات ويحظون بالفرصة لكن يدخل أمامهم وبطرق خلفية مائة من العجزة الذين لا يستحقون، وحتى يحصل شخص كفء على موطئ قدم فى وسيلة إعلامية فلابد أن يكون مسنودًا ثم قد يضطر لنفاق رؤسائه حتى يبقى فى دائرة الضوء والنشر والترقيات والمكافآت، أليس ذلك أفضل معمل لتخليق ساحر. الآن مثلاً تقرأ الأهرام فى دقائق ثم تتركها، لا شىء مدهشًا تجده فيها، ولا فى غيرها من الصحف التى تتراجع أو تفلس واحدة بعد الأخرى، بل هناك صحف تكاد تمارس الإستربتيز علنًا فى الشارع حتى تبيع وتجلب المعلن. مستقبل الإعلام التقليدى صار غائمًا بعد ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وخاصة إذا لم يطور هذا الإعلام نفسه وينتبه إلى قضية المصداقية واحترام عقل المتلقى والبعد عن الإثارة والأكاذيب والمال السياسى المشبوه. المصداقية صارت مفتقدة فى إعلامنا من كثرة الفبركات والتأليفات والردود التى تكذب ماهو منشور حتى صرت لا أصدق شيئًا مما ينشر أو يذاع إلا إذا خرج صاحبه وأعلنه بنفسه. والإخوان خصوصًا هم أكل عيش للإعلاميين ولا يحتاج المحرر أو الكاتب الجاهل أو المضلل أو المغرض وكذلك مقدم البرامج غير المهنى ولا الموضوعى إلا التأليف عنهم وادعاء البطولات الوهمية فى الهجوم عليهم وممارسة المعارضة الشرسة ضدهم وهو يعلم أنهم لن يفعلوا له شيئًا، فهم قبل الثورة كانوا مثل الحائط المائل الذى يقفز من فوقه الجميع، وكان من يكثر الهجوم عليهم يحصل على منصب أو منفعة، وبعد الثورة صار الهجوم عليهم دليل الدفاع عن الدولة المدنية والمرأة والأقباط والفن والرياضة والإبداع من برابرة العصر القادمين من قندهار وتورا بورا. أليس من حق المرشد وغير المرشد أن يصف هؤلاء السحرة بأكثر مما قال، فهم لا يراجعون أنفسهم ولا يتراجعون عندما يرون الحقيقة بعكس سحرة فرعون الذين قالوا آمنا برب هارون وموسى رغم ما كان ينتظرهم من عقوبات فرعونية شنيعة. أنا مع النقد المحترم لأى مسئول أو تيار أو حزب - حتى المجلس العسكرى- وبأقصى ما يمكن، فلا أحد فوق النقد، لكن بلغة مهذبة راقية، وأن يكون النقد مؤسسًا على معلومات وحقائق، وملتزمًا بالموضوعية والمهنية وأدب الحوار وحق الاختلاف وميثاق شرف أخلاقى. لكن للأسف كثير من النقد اليوم لا علاقة له بكل ذلك، إنما هو مجرد أقاويل مريضة، مصحوبة بالغرض، والغرض مرض، ومصحوبة بالجهل، والجهل وحل. تابعوا أيها الزملاء الإعلاميون ما يقوله المصريون فى الشارع عنا، وانصتوا لما يذكره من يتصل منهم بالبرامج، واقرأوا من يكتب منهم تعليقًا أسفل خبر أو مقال.. إنهم غاضبون منا، ولا يحترموننا بسبب شريحة لا تقدر حجم مسئولية المهنة التى يمارسونها. يكفى أن الإعلام كله - إلا استثناءات - كان يسجد لمبارك، وبعد تنحيه أصبح الإعلام نفسه، والكتبة أنفسهم، يلعنونه أكثر مما يلعنه معارضوه الحقيقيون.. فكيف يحترم الناس إعلامًا كهذا، وكيف لا يكون فيه سحرة وأبالسة؟!. [email protected]