سواء قصدت أم لم تقصد، فإن جماعة الإخوان المسلمين بقرارها نحو الدفع بمرشح من أبنائها قد أحدث تغييرًا جذريًّا فى إستراتيجيتها التى شرعت فى تبنيها منذ أحداث الثورة وحتى هذا القرار الأخير.. فالجماعة شاركت بقوَّة فى فعاليات الثورة ولكن بالجلوس فى المقعد الخلفى! كما أنها أثيرت مبكرًا وقبل الإطاحة بمبارك، عن إعلان تقييد مشاركتها المزمعة فى السلطة؛ لطمئنت من يعتبرون وصولها للحكم تهديدًا لهم ولمصالحهم. ولكن قرار الجماعة الأخير غيَّرَ المعادلة. ومن المؤكد أن خيار ترشيح «الإخوان» لعضو منها لم يكن الخيار الأول؛ لأن قيادات الجماعة تعلم أكثر من غيرها أن هذا القرار (فى الوقت الراهن)، قد يحمل من المخاطر بأكثر مما يحمل من المكاسب السياسية، بل لن تكون مبالغة القول بأنه قد يحمل انتكاسة للمشروع السياسى والاجتماعى للإخوان لسنواتٍ قادمة. إذن ما الذى دفع «الجماعة» إلى اللجوء لهذا الخيار؟ بداية يجب أن نستبعد الكثير من التبريرات التى تساق فى غالبية وسائل الإعلام والتى تحمل فى مجملها مواقفًا سلبية من الإسلاميين عامة و«الإخوان» خاصة، لتفسير إقدام الجماعة على مثل هذا القرار الخطير، بعد ذلك نستطيع القول أن هذا التحرك كان بمثابة «هجوم عكسى» شنته الجماعة بعد أن بدا لها أن المجلس العسكرى، بدأ يضرب طوقًا حولها!حيث حقق لها مكاسب قليلة حتى الآن، ويمنعها من تحقيق المزيد. وكانت أول معالم هذا «الطوق»، هو رفض المجلس العسكرى لمطالب الجماعة، بتشكيل الحكومة، وسعيه إلى تأجيل ذلك حتى الانتخابات الرئاسية، أو قبل ذلك ولكن بشروط بدت بالنسبة للجماعة وحزبها مجحفة. وهذا معناه ألا حكومة للإخوان، إلا بعد تولى الرئيس المنتظر لمقاليد الحكم والذى كان مفترضًا أنه لن يكون من «الإخوان». والمشكلة التى تواجه الجماعة بالنسبة لهذا التأجيل، هى أنها باتت تتحمل جزءًا من سخط الناس فيما يتعلق بقصور حكومة الجنزورى بحكم أكثريتها فى البرلمان، فى حين أنها لم تتقلد منصبًا تنفيذيًّا واحدًا. وبالتالى صار استمرار الحكومة بأدائها الحالى نزيفًا لقاعدة تأييدها الشعبى. هذا فضلاً عن أن الحكومة الحالية شرعت فى اتخاذ تدابير وقرارات، سيمتد أثرها إلى أى حكومة مستقبلية، ومن المنتظر أن يكون للإخوان فيها نصيب كبير. الضلع الثانى من أضلاع هذا «الطوق» المذكور، هو ما تواتر عن احتمال ترشح عمر سليمان، وتأكد الترشح فى اليوم التالى لترشح خيرت الشاطر. وإذا قلنا إنه من غير المتصور إقدام عمر سليمان على هذه الخطوة دون تفاهم مع المؤسسة العسكريَّة، فإن هذا يعنى أن الجماعة ستواجه رئيسًا قويًّا من داخل النظام كان أحد رؤوس حربه لنظام مبارك، فى مواجهة «الإخوان». على أى حال، فإن الظاهر أن المجلس العسكرى أراد الاستئثار بملف الرئيس، ولم يرد التنسيق مع «الإخوان» فيه. الأمر الآخر المهم، هو ما أثير من تكهنات حول احتمال إصدار المحكمة الدستورية العليا، حكمًا بحلِّ البرلمان، على الرغم من أنه لاشك فى أن الجماعة ستحصل على نتائج جيدة فى حال أعيدت الانتخابات، فإن هذا سيشكل عبئًا على مقدراتها وأعضائها، وقبل ذلك سيبقى الجماعة لفترة طويلة دون أى شكل من أشكال المشاركة فى السلطة السياسية، حتى يأتى رئيس جديد بصلاحيات الإعلان الدستورى الحالى. وبهذا الشأن وعلى الرغم مما يقال عن استقلالية المحكمة، فإن تأثير المؤسسة العسكرية لا شك أنه حاضر. وهو ما أشارت إليه جماعة الإخوان فى بيانها الأخير قبل بيان العسكرى، حيث أوردت أنها تلقت تهديدات بحل البرلمان فى حال بدأت فى إجراءات سحب الثقة، مما دفع الجماعة إلى التشكيك الضمنى فى نزاهة المحكمة، وردت الأخيرة بدورها على هذه الاتهامات. ما ساهم بقوة كذلك فى زيادة الضغط، الذى تعرضت له جماعة الإخوان فى الفترة الأخيرة هو ما ظهر من احتمال تأخر عمل الجمعية التأسيسية، وبالتالى صياغة دستور جديد، ومن ثم احتمال أن يأتى الرئيس الجديد كما ذكرنا بصلاحيات واسعة، وألا يكون المجلس العسكرى القائم حاليًا بمهام الرئيس أو الرئيس القادم، ملزمًا دستوريًّا بتكليف حزب الغالبية بتشكيل الحكومة. فى لحظةٍ واحدة كانت جهود «الجماعة» تتعثر فى تشكيل الحكومة، وتجد صعوبات فى ملف اختيار الرئيس المناسب، ويتهدد البرلمان الذى تحوز فيه الأكثرية والشكل الوحيد الرسمى لمشاركتها فى الحكم، وتتأخر عملية صياغة الدستور، وتتعرض لما يشبه الانتفاضة من قبل القوى السياسية العلمانية، على ضوء انتخاب الجمعية التأسيسية. إزاء كل هذه الجبهات المفتوحة، كان أمام الجماعة خيارين، كلاً منهما يحمل معه المخاطر: إما تنتظر حتى تتكاثف الضغوط عليها، أو تقرر ما قررته وتهرب إلى الأمام!