أصبح الحديث عن الخطر الإسلامي هو سيد الساحة الآن في الغرب ولا يكاد يمر يوم إلا وينعقد مؤتمر لوزراء الداخلية أو الخارجية في الاتحاد الأوروبي بمفردهم أو مع نظرائهم من أوروبا الشرقية أو أمريكا أو الدول العربية أو الدول الإسلامية أو البلدان المتوسطية أو الآسيوية أو الأفريقية، والهدف واحد في كل الأحوال وهو التدارس في أساليب ووسائل مكافحة الخطر الإسلامي والوقاية منه قبل أن يقع، وعلاجه بعد أن يحدث. وتعددت وتنوعت توصيفات الخطر الإسلامي لتمتد من الإرهاب والتطرف إلى مجرد الفكر، ثم إلى التدين والالتزام الأخلاقي، ثم إلى التعاليم وأحكام الشرع، إلى مظاهر الزي والمأكل، مروراً بالعلاقات الأسرية وتربية الأبناء. وتعددت كذلك مظاهر الخطر ومصادره في المساجد والأئمة إلى كتاتيب تحفيظ القرى، والمكتبات ودور النشر والمراكز الثقافية والأندية الاجتماعية والشركات التجارية والمكاتب المهنية وأخيراً إلى مواقع الإنترنت. باختصار كل نشاط أو فعل يكون طرفه أو أطرافه، المسلمون، سواء داخل الغرب أو خارجه. ولا يكاد يمضي شهر دون أن نسمع عن مشاريع قوانين ولوائح تعد في أوروبا وأمريكا والدول التابعة لهما وفي العالم الإسلامي على امتداده تحت مسمى مكافحة الإرهاب أو محاربة التطرف. ووصل الأمر إلى حد أن الكثير مما يدور على الساحة الغربية الداخلية فضلاً عن كل ما يدور على هذه الساحة من ناحية العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي أصبح يمكن إدراجه تحت مسمى التعامل مع الخطر الإسلامي المزعوم. وفي هذا الخضم العارم من الحديث الجارف عن الخطر الإسلامي يغيب عن الذهن العام المصدر الأصلي والجزء الرئيسي لهذه الضجة. وتعود القصة إلى بعض البلدان العربية [وربما إلى بلد عربي واحد هو مصر] في منتصف السبعينات. بعد حدوث صحوة دينية كبيرة أعقبت سنوات من الكبت السياسي والفكري والاجتماعي على يد أنظمة حاكمة انتسبت إلى الفكر اليساري أو اليميني، لكنها كانت علمانية التوجه في الجوهر، جاءت الصحوة الإسلامية تقودها هيئات دينية وجمعيات دعوية ومنتديات وشخصيات فكرية وأحزاب سياسية مختلفة، طالما قمعت وحجبت عن الساحة. وتنامت هذه الصحوة وجرفت في طريقها الفكر العلماني بشتى مدارسه، والذي كان قد تعوّد الاستفراد بالساحة العامة في تلك البلدان. وهنا لجأت النخب العلمانية الأقلية إلى إنقاذ نفسها باختراع أكذوبة الخطر الإسلامي الذي يتمثل في عودة الإسلام إلى ساحة العمل أو مجرد الوجود في البلدان ذات الطابع الإسلامي! وكان أول تحرك لهذه النخب الضئيلة العدد واسعة التأثير السلطوي أن اقتربت من الحكام وحتى من الذين كانت حتى أيام قليلة قبلها تناصبهم العداء لكي تقنعهم بأن كراسي الحكم في خطر وهي تعلم أن هذه الكراسي هي كل ما يهمهم وأن مجرد الحديث عن تهديد لها سوف يدفعهم إلى تدمير كل من يقال لهم إنه مصدر التهديد بدون أي تفكير عقلاني في حقيقة هذا الزعم أو حجمه إن وجد. وسرعان ما تلقف الحكام هذه المقولة، وكان ذلك بدون تدبر أو بنوع من رد الفعل اللا عقلاني في البداية، لكنهم بعد سنوات قليلة وجدوا مبرراً انتهازياً ونفعياً لتبني مقولة الخطر الإسلامي والترويج لها كوسيلة لابتزاز الدول الغربية ولاسيما الولاياتالمتحدة لكي تدعم وتساند أنظمة حكمهم مادياً ومعنوياً وبكل الوسائل الأخرى على اعتبار أن البديل الوحيد لهذه الحكومات هو الخطر الإسلامي المتمثل في جماعات متطرفة وإرهابية تضرب المصالح الغربية بها وبالدول الغربية ذاتها بينما تتسم الدول المحلية بصداقة الغرب والتحالف معه. وفي بعض الأحيان جرى اصطناع جماعات مشبوهة وغامضة وأوكلت لها مهام القيام بحوادث معينة، تأكيداً لمقولة الخطر الإسلامي وذلك إن لم تقم جماعات إسلامية بحوادث من تلقاء نفسها تؤكد هذه المزاعم. وسرعان ما انتقلت المتاجرة بالخطر الإسلامي من الأنظمة العربية إلى دول الغرب نفسه ربما عملاً بمبدأ الاحتكار الرأسمالي. فبعد أن كان الغرب هو ضحية الابتزاز بالخطر الإسلامي لدفعه إلى مساندتها والحيلولة دون سقوطها حيث إن هذا الخطر هو البديل الوحيد لها انعكس الأمر وأصبح الغرب هو الذي يهدد الأنظمة بالخطر الإسلامي بمقولة إنه إذا لم تستجب تلك الأنظمة لكل ما يطلبه الغرب منها، بما في ذلك إعطاء الأولوية لخدمة كافة مصالحه، وبما في ذلك ضرب الإسلام نفسه في مجتمعاتها، فإنه سوف يتخلى عنها لتلقى مصيرها المحتوم على يد البرابرة الإسلاميين، أو ربما يأتي بحكام آخرين وأنظمة أخرى أكثر طواعية وأكثر قدرة على التصدي للخطر الإسلامي. وعلى مدى العقد الأخير من السنين، شهدنا نوعاً من التعايش الغريب بين مصدري الابتزاز. فبعض الأنظمة لم تعد لها حيلة في البقاء إلا رفع ورقة الخطر الإسلامي في وجه الغرب. أما الغرب وعلى رأسه أمريكا فقد وجد في نفس الورقة مصدراً لمكاسب سياسية كبرى مكنته من إحكام السيطرة على بلدان المنطقة العربية إلى حد أصبح معه يستعمل الحكومات للقضاء على الإسلام ذاته عقيدة الشعوب. وأخيراً وربما ليس آخراً دخلت قوة جديدة في عالم تجارة الخطر الإسلامي ألا وهي قوة اليمين والصليبية الغربية العائدة إلى الساحة بقوة هناك والتي تريد مبرراً أو غطاء شاملاً تستغله لإباحة وتوسيع سياسات تقوم على عامودي الرأسمالية الشرسة والتوجه الديني المغرق في التعصب. وهذان العامودان يخالفان أسس الليبرالية العلمانية التي قامت على أسسها أنظمة الحكم الغربية لعشرات السنين حتى وإن لم تكن الشعوب في عمومها تعتنقها. وهذا المسوّغ القوي لسياسة بسط هيمنة اليمين والصليبية على الحياة العامة في الغرب هو دعوى الخطر الإسلامي التي تنتقل الآن لفرض شتى القيود وأنواع الهيمنة اليمينية الصليبية على الساحة الغربية المصدر : مفكرة الاسلام