هذه مقتطفات من حيثيات حكم الإدارية العليا يوم أمس 16/1/2017، والذي أصدره القاضي الجليل المستشار أحمد الشاذلي. المقتطفات هي درس بالغ الأثر في "الوطنية المصرية" الحقيقية، ودليل إدانة لكل من تورط في اتفاقية التنازل عن "تيران وصنافير" للمملكة العربية السعودية، من منتحلي صفة الوطنية، والمتزلفين للنظام الذي فرط وتنازل، واتهموا من دافعوا عن مصرية الجزيرتين ب"الخيانة".. ولنتأمل المقتطفات: إن أعمال السيادة ليست نظرية جامدة، وإنما تتسم بالمرونة وتتناسب عكسيًا مع الحرية والديمقراطية، فيتسع نطاقها في النظم الديكتاتورية، ويضيق كلما ارتقت الدولة في مدارج الديمقراطية. والثابت من الأوراق أن موضوع الدعويين مسألة، قانونية خالصة تدور حول صحيح تطبيق نص المادة 151 من الدستور، ومدى مشروعية التوقيع على الاتفاق المطعون عليه؛ بما يتضمنه من التنازل عن الجزيرتين المذكورتين، في ضوء النصوص القانونية واللائحية والاتفاقيات التي تحكم وضعهما، والظروف التاريخية والواقعية المحيطة بهما على ما سيرد تفصيله، ولاشك أن ما يتعلق بأرض الوطن والسيادة الثابتة عليه هو شأن كل مواطن في مصر، والشعب وحده هو صاحب السيادة يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية طبقًا لنص المادة 4 من الدستور، ومن ثم فإن التنازل عن جزء من أرض هذا الوطن أو النيل من سيادته ليس من المسائل التي ينطبق عليها المناط سالف الذكر الذي أخذت به أحكام مجلس الدولة لإدراج عمل من أعمال الإدارة أو قرار ضمن طائفة أعمال السيادة، والنأي به بعيدًا عن رقابة القضاء. نص المادة (151) من الدستور الحالي فقد ورد فيه الحظر على الإبرام ومصطلح إبرام المعاهدات أعم وأشمل من مصطلح إقرار المعاهدات، والحظر الوارد في المادة (151) من الدستور يمتد إلى السلطة التنفيذية، فهو يحظر عليها كل عمل من أعمال إبرام المعاهدات الدولية بما فيها التوقيع عليها إذا كانت المعاهدة تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، وذلك حتى لا ترتبط الدولة باتفاقيات من هذا النوع، وهو حظر وقائي ومقصود؛ ليجنب الدولة والمواطنين مخاطر إبرام اتفاقيات تخالف الدستور، أو تؤدي إلى التنازل على أي جزء من إقليم الدولة وليمنع السلطة التنفيذية من الاقتراب من مثل هذه الاتفاقيات, كما أنه حظر مطلق ولا استثناء فيه، ولا مجال للتحلل منه تحت أي ظروف أو مبررات، وهو ما يوجب على السلطة التنفيذية قبل التوقيع على أي اتفاقية أن تدرسها دراسة دقيقة وافية؛ للتأكد من خلوها من القيدين المشار إليهما, فإن تبين لها أن الاتفاقية مخالفة للدستور أو تؤدي إلى التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وجب عليها أن تحجم عن التوقيع عليها, وضمن الدستور بذلك احترام أحكامه، وعدم جواز خرقها عن طريق اتفاقيات دولية, كما قصد التأكيد على أن لإقليم الدولة قداسة بالمعنى الوطني وحرمه بالمعنى القانوني، وأنه يشكل وحدة واحدة ولا سبيل إلى التنازل عن أي جزء منه, وأرسى الدستور بذلك فكرة الاختصاص الممنوع أو المحظور على السلطة التنفيذية في مجال إبرام المعاهدات الدولية. الدستور المصري أكد في المادة (1) على أن (جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة) وألزم الدستور، رئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة قبل أن يتولوا مهام مناصبهم، وقبل مباشرة أعمالهم أن يؤدوا يمينًا يتعهدون فيها بالمحافظة على وحدة وسلامة أراضي الوطن، وقد وردت صيغته في المادتين "144 و165". الدستور أوصد جميع الأبواب التي يمكن أن تؤدى إلى التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وكل عمل حظره الدستور لا يجوز لسلطة أو لأحد أن يجيزه, فأرض الوطن لا تخص جيلًا واحدًا من المصريين، وإنما تخص الأمة التي عاشت عليها أجيال سبقت، وستبقى مهدًا لأجيال قادمة يقع عليها أيضًا واجب الدفاع عن هذه الأمة؛ امتدادًا لما كان عليه أسلافهم ممن بذلوا أرواحهم، وأريقت دماؤهم واختلطت بتراب هذا الوطن حماية له ودفاعًا عنه, لذلك منع الدستور التنازل عن أي جزء منه؛ خاصة وأن حماية إقليم الدولة ووحدة وسلامة أراضيه هو التزام وواجب دستوري وقانوني في عنق كل مواطن من مواطني الدولة أيًا كان عمله أو موقعه داخل سلطة ما أو فردًا عاديًا, وقد جُبل المواطن على حماية أرض بلاده قبل أن يحضه على ذلك نص في الدستور أو القوانين. أن جميع القرارات والاعتبارات القانونية والتاريخية التي تأكدت منها المحكمة بواسطة مراجع رسمية قدمها الطاعنون تثبت مصرية الجزيرتين، وأن الواقع الحاصل على الأرض منذ زمن بعيد أن الدولة المصرية تمارس على الجزرتين بالفعل حقوق سيادة كاملة، لا يزاحمها في ذلك أحد، لدرجة أن مصر ضحت بدماء أبنائها دفاعًا عن الجزيرتين، وهو ما يفصح إفصاحًا جهيرًا عن أنها أرض مصرية. انتهت المقتطفات عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.