لقد ألقت ثورة 25 يناير بظلالها الوارفة على أبناء الحركة الإسلامية فأظلتهم من قرظ الشدائد.. وأمنتهم من خوف كان يتخطفهم ليل نهار.. وأطاحت بمن كان يسعى لتكتيم أفواههم وكبت حرياتهم وتقييد حركاتهم. وأفسحت المجال أمامهم للعودة إلى المجتمع من جديد.. بل وعودة المجتمع إليهم ومواصلة العمل الدعوى والخيرى ونشر الفضيلة ووأد الرذيلة بالتى هى أحسن.. والأخذ بيدى الناس إلى الحق وتبصيرهم بروابط المحبة والألفة وتعاونهم على البر والخير. وفى رأيى أن من أكثر المستفيدين من الثورة المباركة هم أبناء الحركة الإسلامية.. شريطة أن يجددوا فى خطابهم الدعوى بما يتوافق مع متطلبات عصرنا وظروف بلدنا الراهنة. وأن يغيروا من أساليبهم بما يتناسب مع أوضاع شعبنا وطبائعهم فيقبل الناس عليهم ولا ينفضوا من حولهم. وأن يغرسوا فى نفوسهم احترام الآخر فى عقله وتفكيره فى مساراته ووسائله.. طالما لا تخالف الدين والعقيدة فى شىء . وأن يتحدوا لا يتفرقوا.. أن يتفقوا لا يختلفوا.. أن يتحابوا لا يتباغضوا.. أن يجتمعوا لا يتفرقوا.. أن يتعاونوا لا يتنافروا. لا يخفى على أحد أن بلدنا تمر الآن بمرحلة حرجة من تاريخها.. وهذه المرحلة تحتاج إلى صياغة جديدة للخطاب الدعوى ترتكز على الوعى والفهم الدقيق لواجب الوطن والمواطنة. هذه المرحلة تقتضى بأن يكون الخطاب الدعوى واضحًا لا يعرف المجاملات أو التدليس.. بل تكون سمته الإخلاص والصدق والوضوح وعدم الإبهام.. ونصرة هذا الدين والسعى الحثيث لإقامته بين الناس. فلابد أن يرتكز الخطاب الدعوى بعد الثورة على عدة أولويات.. ليعلم كل واحد دوره ومسئوليته. فى مقدمتها إحياء الربانية فى القلوب.. وتقوية الإيمان وتجديده.. وربط القلوب بالله عز وجل وأن ما وقع على أرض مصر كان صناعة ربانية.. وليس بفضل أحد أو طائفة أو جماعة.. وإنما هو استجابة لدعاوى المظلومين المكلومين التى غفل عنها النظام البائد.. ولم يغفل عنها رب السموات والأرض. ومن هذه الأولويات علاقة الفرد المسلم بأخيه المسلم.. لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. بل هم كالبنيان يشد بعضه بعضًا. من هذه الأولويات علاقة الفرد المسلم بغير المسلم.. وما له من حقوق وواجبات وعهود ومواثيق. فيجب أن نحرص على كل الناس فى الخطاب الدعوى ولا نصنع أعداءً جددًا للدعوة الإسلامية.. فمن لم نستطع أن نكسبهم إلى الدعوة يجب علينا أن نحيدهم. ومن ثم فلابد يكون الخطاب الدينى مطمئنًا للآخرين مسلمين وغير مسلمين.. لأن بلدنا ليست ملكًا للمسلمين فقط.. بل يعايشنا فيها غيرنا.. وهذا الغير له من الحقوق والواجبات ما له.. فلا يجوز قتله ولا سلب ماله لما له من عهد وذمة. ينبغى أن يكون الخطاب الدعوى مركزًا على حقيقة التغيير. مؤكدًا أن التغير لن يحدث إلا بعد تطهير أنفسنا وتنقيتها من شوائبها ومعالجة أدرانها "ِإنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" ويجب أن يركز الخطاب الدعوى على التكامل بين جماعات أهل السنة.. بدلاً من التصارع والتناحر.. لأنها ما دامت متفقة فى الأصول فلا حرج من الاختلاف فى الفروع والتفاصيل.. بشرط أن يكون أبناؤها واعين لأدب الاختلاف.. لأنه من ثوابت الإسلام. فالخطاب الدعوى يحتاج إلى وقفة لإعادة صياغته وتوضيح أسسه وقواعده وبيان هدفه والغرض منه فى هذه المرحلة . الخطاب الدعوى يحتاج إلى أهله المتخصصين الذين أتوا قسطًا من البيان والحجة.. حتى يصل ناصعًا واضحًا.. فتزال عنه كل شبهة وفرية. الخطاب الدعوى يحتاج إلى نفوس متجردة عن الهوى والأغراض والمصالح الشخصية.. همها رفعة هذا الدين ونصرته. فلا تجعلوا للإعلام الموجه عليكم سلطانًا.. ولا تدعو له ثغرة يهاجمكم منها.. ويشوه صورتكم من خلالها.. بل قابلوه بخطاب دعوى قوى الحجة واضح المعالم بين الأسس.