بدون تعالٍ على الواقع والتاريخ والحقائق، وبدون الابتعاد عن التوقعات المبنية استنادًا لهذا الواقع وذلك التاريخ وتلك الحقائق، يجب أن نعى أننا مقبلون على أزمة دستورية مختلفة عن كل الأزمات الدستورية فى تاريخ الدولة المصرية الحديثة، فالطعن هذه المرة هو فى الدستور نفسه، الذى يضبط شكل الدولة وهويتها ونظامها، والمشكلة تبدأ من إعراب كلمة (انتخاب) قانونيًا أو لغويًا، حيث يرى الماضون فى طريقهم: أن الانتخاب يعنى الاختيار من داخل البيت البرلمانى ومن خارجه، فيما يرى الساعون دومًا للتأزيم أن الانتخاب يعنى الاختيار والانتقاء من خارج البرلمان، ولا أدرى لماذا يصر حزبا النور والحرية والعدالة على أن يمثل النواب نصف اللجنة التأسيسية، وخذ بالك وتذكر أنى فى أول المقال ذكرتك بشبه الجملة (دون تعالٍ)، فلو اعتبر حزبا الأغلبية أن التيار الإسلامى قد حاز ثقة الناس وتوكيل الشعب، فلم تكن إذن أرض الله ضيقة، بل فى الحزبين والفصيلين الكبيرين - الإخوان والسلفيين - من الكوادر ما تنوء عقولهم بالخبرة، وتمتلئ بالحكمة وتموج بالرؤية الصائبة واحتياجات البلاد والعباد، يعنى هى واسعة جدًا ومتسعة للاختيار، وإن كان الفصيلان لا يملكان مفكرين ومنظرين غير تلك الحفنة من الرجال التى خاضت الانتخابات، فتلك طامة كبرى. طيب النقطة الثانية سيقول الناس: حتى لو فعل الإسلاميون ذلك لما رضى عنهم الليبراليون ولا جماعة (يسقط يسقط حكم العسكر) ولافتعلوا الأزمات والأزمات ولبحثوا عن المشاكل والاعتصامات، وربما يكون هذا صحيحًا، لكن على الأقل لم يكن سيمنحهم تلك الفرصة من سيل الاحتجاجات التى تزداد كل يوم. ثم إن الإسلاميين لو نظروا واستمعوا لما فى الطعون المنظورة أمام المحكمة الإدارية العليا، لما وصلنا لهذه النقطة، ولأثبتوا كذلك شعار الإخوان المسلمين الذى بدأوا به معركتهم الانتخابية (مشاركة لا مغالبة). فالأمر يبدو- والله أعلم والله يشهد أنى ناصح محب- أن الإخوان المسلمين يستمسكون بتلك اللجنة وبهذا الشكل انتظارًا لتبين واستكشاف طريق الانتخابات "الرياسية"، فلو دفعوا بمرشح لهم مثل المهندس خيرت الشاطر، فسوف يسعون لدستور يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات فرعونية، تحصنهم من بأس المجلس العسكرى حتى لا تتكرر تجربة الاصطدام مع الضباط الأحرار، ولتصبح كل مفاتيح اللعبة بيده وأيديهم، أما لو وجدنا الطريق مفتوحة لأحد هؤلاء الأربعة البارزين عمرو موسى أو عمر سليمان أو أبو الفتوح أو حازم أبو إسماعيل، فسيكون الاتجاه هو تقليص صلاحيات رئيس الدولة، وزيادة ثوب اختصاصات صلاحيات رئيس الحكومة فى نظام مختلط أو برلمانى تتمكن فيه الأغلبية من حق استحقاق تشكيل الحكومة. أيًا كان الغرض الظاهر أو الباطن، فإن أثمن وأغلى وأعظم ما يملك الإخوان هو الصدق، ومظنة إيثار المصلحة العامة على مصلحة الجماعة، أما أن تكون الطريق هى التمكين لمجرد التمكين، فلا محل إذن للمصداقية من الإعراب. وسنخسر جميعًا لا قدر الله. [email protected]