لأؤكد أولًا أمرين: 1- أن أيا ما كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية القادمة فلا بد أن نحترمها، فهى تعبير عن إرادة الشعب واختيار الجماهير، وعندما نتحدث عن تسعة وأربعين مليون مصرى لهم حق التصويت فى الانتخابات فإننا نتكلم عن أمة اختارت حُكمها ساعتها، يفوز بقى سلفيون أو إخوان مسلمون أو يساريون أو الجن الأزرق فهذا حقهم تالت ومتلت! 2- أننى مع توحد الإسلاميين مع القوى المدنية والأحزاب القديمة والوليدة فى قائمة واحدة تدخل الانتخابات، ومن هنا لا يمكن أن أكون مع إقصاء طرف أو استبعاد تيار. ننتقل إذن إلى المشهد الأهم والأغم سياسيا، حيث يخرج علينا حزب سلفى فى مؤتمر انتخابى يعطى فيه داعية الحزب نصائحه لأعضائه بأن أحدا لو طلب منهم تطبيق الديمقراطية أن يمتنعوا عن تطبيقها، أى لا يسألون فيها أو فيه! نحن أمام أحزاب سلفية تعتبر الديمقراطية مخالفة لشرع الله، فماذا ننتظر منها حين تنجح وتحكم؟ ننتظر منها ولاية الفقيه! رغم هذا العداء المتطرف الذى يعلنه السلفيون للشيعة، فإن السلفيين وأحزابهم يقودون مصر نحو ولاية الفقيه دون تردد، بل بكل فخر وتقرب من الله عز وجل. أساسا ولاية الفقيه ليست من أصول ولا أفكار الشيعة، بل هى اجتهاد من الإمام الخُمينى حتى يسمح لنفسه بالحكم باسم الشرع والدين، نحن سندخل شيئا مثل هذا، ويمكن أن نذهب إليه بالدستور وبالانتخابات الحرة الديمقراطية إذا فاز التيار السلفى ويصبح لدينا مرشد للجمهورية تماما على الطريقة الإيرانية! ولاية الفقيه تسمح للإمام أو الشيخ الأعلى (لعله سيصبح مع الأحزاب السلفية مؤسس الدعوة أو يكون مرشد الإخوان لو تسلَّف الإخوان أو ذهبوا ناحية الدولة الإسلامية التى يتحدثون عنها) بأن يملك الولاية على إصدار القوانين وقرارات الدولة والحكم على مدى مطابقتها الشرع أو مخالفتها له! وعلى إيه الشرح، تعال نقرأ الدستور الإيرانى لنعرف مبدئيا الشروط الواجب توافرها فى مرشد الجمهورية: طبقا لما جاء فى المادتين (5) و(109) من الدستور فإن الشروط الواجب توافرها فى مرشد الجمهورية هى: 1- العلم، ليقوم بدور المفتى فى النوازل. 2- العدالة والمروءة. 2- الفقه الواسع بظروف العصر. 3- الشجاعة، والفطنة والذكاء، والقدرة على إدارة الأمور. أليست هذه هى المواصفات التى تسمعها ليل نهار من السلفيين حول صفات الحاكم والخليفة المسلم؟ ننتقل إلى المادة (110) من الفصل الثامن فى الدستور الإيرانى، فإن صلاحيات (المرشد الأعلى) هى: المصادقة على الانتخابات الرئاسية، وإقالة رئيس الحكومة. ثم تعالى بقى للنقطة الأغرب، حيث تتبدى السلطة المطلقة التى يتمتع بها المرشد الذى من المحتمل أن يكون بيننا فى مصر إذا صرنا أمام جمهورية سلفية، وهى صلاحية «حل المشكلات التى لا تُحل بالطرق العادية» هكذا نصا، وبذمتك فاهم يعنى إيه حل المشكلات التى لا تُحل بالطرق العادية، ما طبيعة هذه المشكلات؟ ثم ما الطرق غير العادية؟ لكن هذا تعبير عن الدمج الكامل بين تصور الإسلام السياسى (وهو شيعى فى حالة إيران وسلفى فى حالة مصر) بين الخليفة والإمام، بين الرئيس والمفتى، بين الخليفة والشيخ، بين الحاكم والفقيه. طبعا أضف إلى هذه الصلاحيات الكثير، وأهمها مثلا حل الخلاف والتنسيق بين الهيئات الثلاث فى إيران (القضائية والتنفيذية والتشريعية)، وحل أزمات النظام فى حال تعقيدها (حلوة دى برضه وجديدة)، ثم الأقوى من هذا كله صلاحية عزل رئيس الجمهورية! والحقيقة أن خطورة الذهاب نحو ولاية الفقيه ليست مقتصرة على صعود السلفيين وحكمهم، بل هى ماثلة كذلك مع الإخوان المسلمين، حيث مرشد عام لجماعة تملك حزبا من الممكن أن يفوز بأغلبية البرلمان فيشكل حكومة رئيسها عضو تحت يد وولاية المرشد! ومن الجائز أن يرشحوا رئيسا للجمهورية فينجح فيأتينا رئيس يأتمر ليس من الشعب المصرى ولا الدستور، بل من مكتب الإرشاد، رئيس يُقبِّل يد مرشده! ومنذ أيام شاهدنا شابا من «حماس» يقبِّل يد مرشد الإخوان فى مصر، وصورة أحد أعضاء جماعة الإخوان وهو يقبِّل يد مرشد الجماعة ليست جديدة، صحيح أنها الصورة الأولى لقبلة على يد الدكتور محمد بديع، حيث سبق وشفنا قبلات على أيدى سابقيه من المرشدين، لكن الصورة الجديدة تأتى فى واقع مختلف يجعلنا أكثر تأملا فى هذه القبلة التى تعنى الولاء الكامل من أعضاء لزعيمهم، تقبيل اليد مرتبط عندنا فى مصر بالأبوة، حيث يقبل الشخص يد والده احتراما وطاعة، ثم هناك قبلة المريد فوق يد شيخه فى الصوفية، وقبلة القبطى على يد البابا أو القسيس، أو قبلة البدوى لشيخ القبيلة. كل المعانى تدق شوما فى دماغنا، حيث إن قبلة الإخوانى على يد مرشده فيها من كل ما سبق، وهو ما يسمح لنا بالقلق من ازدواج حاد فى الشخصية، حيث لا تستقر عند حدود فاصلة بين الجماعة الدينية والجماعة السياسية! ونصبح أمام ولاية فقيه فى وقت نحن فى أشد الحاجة فيه إلى ولاية نبيه!