رابط التقديم الإلكتروني ل تنسيق الصف الأول الثانوي 2025.. مرحلة ثانية (الحد الأدني ب 6 محافظات)    جنوب القاهرة للكهرباء تتنصل من أزمة انقطاع التيار بالجيزة وتحمل شركات النقل مسئولية الإهمال    عراقجي بعد تهديد ترامب: ردنا سيكون حاسما ومكشوفًا للعالم على عكس الضربات السابقة    تحرك الفوج الثالث من شاحنات المساعدات لغزة باتجاه معبر كرم أبو سالم    القبض على رمضان صبحي بمطار القاهرة أثناء العودة من تركيا وتسليمه إلى مديرية أمن الجيزة    مستقبله ضاع، العقوبات المتوقعة على رمضان صبحي بعد القبض عليه بمطار القاهرة    آخر أيام الجحيم، الأرصاد تزف بشرى عن انكسار الموجة الحارة، انخفاض درجات الحرارة بدءا من الغد، وتحذر من رياح وأمطار ورمال    تفاصيل القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة (إنفوجراف)    راغب علامة يودّع زياد الرحباني بكلمات مؤثرة: «كأن الزمن أطفأ آخر شمعة»    ضربة مزدوجة ل «سعر الذهب عالميًا».. هبوط لأدنى مستوى في 3 أسابيع (اتفاق ترامب الأوروبي أحد الأسباب)    «هيعمل عمليات صعبة».. خالد الغندور يكشف تطورات حالة حسن شحاتة    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    شعبة الذهب: لا طفرات سعرية قادمة.. والاتفاق الأمريكي الأوروبي سيؤدي للعزوف عن الشراء    "نيويورك تايمز": 5 قتلى بإطلاق نار في مبنى وسط مانهاتن بولاية نيويورك    ضياء رشوان: الأصوات المشككة لن تسكت.. والرئيس السيسي قال ما لم يقله أحد من الزعماء العرب    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    رئيس الإسماعيلي يعلق على أزمات النادي المتكررة    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    «رجب»: احترام العقود والمراكز القانونية أساس بناء الثقة مع المستثمرين    رسميًا.. موعد بداية العام الدراسي الجديد 2026 بالمدارس الرسمية والدولية والجامعات    سفير تركيا: خريجو مدرسة السويدي للتكنولوجيا يكتسبون مهارات قيّمة    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    يوسف معاطي: «سمير غانم بيضحك ودمه خفيف أكتر من عادل إمام»    رامز جلال يتصدر تريند جوجل بعد إعلان موعد عرض فيلمه الجديد "بيج رامي"    سكان الجيزة بعد عودة انقطاع الكهرباء والمياه: الحكومة بتعذبنا والقصة مش قصة كابلات جديدة    وزير الخارجية: العالم يصمت عن الحق في قطاع غزة صمت الأموات وإسرائيل تغتال الأطفال بشكل يومي    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    "إحنا بنموت من الحر".. استغاثات من سكان الجيزة بعد استمرار انقطاع المياه والكهرباء    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    من هو ريان الرحيمي لاعب البنزرتي الذي أشاد به ريبيرو؟    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    محمد معيط: العام المقبل سيشهد صرف شريحتين متبقيتين بقيمة تقارب 1.2 مليار دولار لكل شريحة    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    الأهلي يضغط على نجمه من أجل الرحيل.. إبراهيم عبدالجواد يكشف    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    حفل العيد القومى لمحافظة الإسكندرية من داخل قلعة قايتباى.. فيديو    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    "شوية مطبلاتية".. تعليق قوي من أحمد عبد القادر على أنباء فسخ تعاقده مع الأهلي    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة حوار
الإسلاميون
نشر في الأخبار يوم 07 - 03 - 2011

منذ بدأت أحداث الثورة وحتي اللحظة الراهنة وأنا أستمع إلي انطباعات وآراء متواترة من بعض المثقفين والزملاء والأصدقاء، تعكس مخاوفهم من ظهور جماعة الإخوان المسلمين في صدارة المشهد علي النحو الذي نراه.. كما أنصت باهتمام إلي توقعاتهم لما سوف يتمخض عنه ذلك الوضع من قبض الإخوان علي مفاتيح التحكم، وبما يجاوز من وجهة نظر من حدثوني حجم الجماعة في الشارع حتي بما أفصحت عنه أحداث الثورة وما بعدها.
وليس عندي بالقطع ما يبرر أي انحياز لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنني مع ذلك وبقراءة واقعية وموضوعية للوقائع والأحداث، وموزاييك أو فسيفساء المشهد العام »الذي أراقبه دقيقة بدقيقة.. ورقة بأخري.. بل كلمة وراء كلمة« لم أر من جماعة الإخوان المسلمين »كوادر وقواعد.. قيادة وأفرادا« ما يثير حفيظتي أو خوفي حتي الآن، وأكرر حتي الآن.. لا بل علي العكس فإنني وجدتهم معقولين يستمسكون بطروح سياسية عامة ليس فيها ما يجب أن يتحسب البعض له أو يشعروا بخوف من أي نوع.. إنني كما أشرت من قبل في هذه الصحيفة أدركت في السنوات الأخيرة تحولا نوعيا في لهجة وخطاب الإخوان المسلمين، وبالتحديد منذ أعلنوا برنامجهم السياسي، وبالتحديد كذلك منذ شاع في تصريحات قادتهم وبالذات الشباب منهم »أو الذين كانوا شبابا« د. عصام العريان، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح، أفكار التمسك بالدولة المدنية والإعتراف بالآخر، أو منذ تبني المرشد العام الجديد د. محمد بديع لونا آخر من الحديث ليس فيه تلك الحدة، وذلك العنف الذي طبع خطاب الأستاذ مهدي عاكف المرشد السابق مع الاحترام للجميع.
وحتي علي المستوي الميداني في »التحرير« فإنني لم أجد في أداء الاستاذ محمد البلتاجي عضو مجلس شوري الإخوان، وعضو مجلس الشعب »5002« ما يخرج عن الالتزام الديمقراطي أو التفاعل المستمر مع الآخرين بجميع أطيافهم الفكرية والسياسية.
كنت ومازلت استمع إلي ما يشبه البلاغات الصارخة والملتاعة من بعض المثقفين عن ان الإخوان »قادمون«، وقد أخذت تلك البلاغات أشكالا عدة، وإتكأت علي مظاهر مختلفة، وتفحصتها جميعا بإمعان، ولم أجد بأمانة أن لها ما يبررها، أو يدفع إلي معانقة الخوف نتاجا لها حتي الآن.. وأكرر مرة أخري حتي الآن.. وأظنني في حاجة إلي تفضيل وجهة نظري التي أحاول فيها تثبيت ورقة في محضر النقاش العام حول هذا الموضوع، وفي هذه اللحظة بالتحديد:
أولا: إنني علي يقين من أن أفضل حالات التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين هي حين يسود معني العلنية والوضوح والاعتراف، يعني أن تكون الجماعة وأفكارها وحركتها في النور.
وبالقطع كانت بعض الممارسات الأمنية والسياسية إزاء الإخوان في العقود الأخيرة مبررا لإختفائهم وتحوصلهم، ولذلك الغموض الشديد الذي أحاطهم.
وربما كان عدم السماح بظهورهم الإعلامي هو السبب وقد عانيت شخصيا في التليفزيون المصري من ذلك سواء عام 5002 أو حين جددت طلبي بعد صدور برنامجهم السياسي ولمرة أخري بعد تولي المرشد العام الجديد وذلك المنع الإعلامي حجب عن المجتمع فرصته في التعرف إلي فصيل سياسي مهم وتاريخي لطالما تحاورت مع رموزه ونجومه حين عملت في وسائط إعلامية وصحفية غير حكومية.
وحين أقول حجب فرصة المجتمع في التعرف إلي الإخوان، أعني سلبه حقه في الحوار، وفي تكوين رأيه سلباً أو ايجاباً أو بناء منطق مغاير، أو تطعيم منطق الإخوان بملاحظات هنا أو هناك.. يعني غياب التلاقح السياسي الفكري الطبيعي الذي يسمح بطقس صحي في البلد.
ولا ألقي في هذا السياق باللوم كاملاً علي المؤسسات السياسية والأمنية والإعلامية التابعة للنظام السابق، ولكنني أشعر أن الإخوان كذلك أسهموا في بناء ذلك الحاجز بينهم وبين المجتمع، عبر لون من الخطاب تبناه بعض قادتهم القدامي، يتحدث عن »أممية« أفكارهم، وابتعادها عن »وطنية« الارتباط، وهو أمر كما نعلم جميعا حساس جدا بالنسبة للمصريين.
ثانيا: إن بعض المخاوف التي يطرحها البعض الآن جاءت من رئاسة المستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة تشكيلة صغيرة عينها المجلس الأعلي للقوات المسلحة من أجل تعديل الدستور، كما جاءت كذلك من عضوية المستشار صبحي صالح في تلك التشكيلة.
والحقيقة انني انزعجت فعلياً من إثارة الموضوع بذلك الشكل.
إذ أن المستشار طارق البشري رجل معروف بالنزاهة الشديدة والمهنية في أرفع صورها، وحين كنت أحاوره صحفيا، أو أدعوه لندوة صحفية أديرها، أجده قد حرص علي تسجيل بعض أفكاره كتابة »وبخط منمنم« من فرط دقته ورغبته في التزام طرح لا يحيد عما يقصد، أو ربما لا يسمح له سياق المناقشة بعرضه كما ينبغي.
مهنية المستشار طارق البشري لا تسمح بإبداء تخوفات تدور حول »الميول«.
وكون المستشار أهم المؤرخين للحركة السياسية المصرية في السبعين عاماً الأخيرة بالقطع وعبر كتابه الشهير، يضيف حصانة جديدة لاسمه، لأن المؤرخ فيما هو مفترض لا يحيد.. وأذكر أنني وصفته في مقدمة حواري معه بكتابي: »الإسلاميون« قائلا: »هو قاض في ساحة التاريخ تارة، ومؤرخ في ساحة القانون تارة أخري.. وبين الموقفين يضغط معنا علي قيمة التطهر السياسي والاجتماعي والوطني«.. والحقيقة ان الموقف الغريب من اسم طارق البشري اثار عندي أسئلة كثيرة:
هل كان منتقدو اختيار المستشار سيهدأون لو كان رئيس لجنة التعديلات الدستورية له اتجاه آخر بعينه، أو لو كان المستشار ظل يراوح مكانه الفكري القديم في مربع اليسار؟!
هذا كلام لا يجوز.
لأن القاضي أو المؤرخ ينحي جانباً تلك الميول حين يزاول عمله، وذلك جزء من أخلاقية المهمة، وما نحسب أن المستشار طارق البشري حاد عنها أبدا، بدليل أننا رأينا ما خلصت إليه اللجنة ولم نلحظ فيه مؤثرا »إسلامياً سياسياً« كما ادعي البعض زوراً.. ثم تأتي مسألة عضوية المستشار صبحي صالح في اللجنة، وهو الرجل الذي يحسبه البعض علي جماعة الإخوان المسلمين.. وعلي أني لم أتشرف بمعرفة المستشار صبحي صالح شخصيا، إلا أنني لم أفهم الضجة التي أثيرت حوله، لأن هناك أعضاء كثيرين غيره في اللجنة، وكل منهم بالقطع له اتجاه أو ميل أو ارتباط، فلماذا التركيز علي شخص ذلك المستشار بالذات.. الأصل في الموضوع، اننا بصدد الحديث عن شيوخ عدالة كبار، ولا يجوز الحديث عن »القصد أو الغرض أو الهوي« فيما يخص عملهم، وإلا قلنا إن هناك عضوا قبطيا في اللجنة وهو يعبر معاذ الله عن رأي المؤسسة الكنسية.
ثالثاً: إنني ألاحظ ومنذ سنوات ظاهرة خطيرة جداً في الخطاب العام، وهي ما أشرت إليه في عدد من المقالات نشرتها في »الأهرام« وكانت عماد استشهاد تليفزيوني للكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم.
وأعني بذلك أن المواجهة مع التطرف الديني تمددت بخبث شديد لتصبح مواجهة مع الدين نفسه، وهو ما لا نقبله كمصريين علي أي نحو.. إذ تبني بعض المفكرين والمثقفين والمبدعين أفكاراً ربما تكون بعض مواريث تراثهم اليساري القديم عن نفي وإنكار الدين، وذلك شأنهم في نهاية النهار، ولكنهم حاولوا أن يجعلوا من معتقدهم »حالة« فرضوها علي المجتمع، ليحشروه في معركة ضد الدين ليست هي معركته، مودودين في أذنه بأن التطرف ليس معركته، وإنما شُبه له!
هناك مئات التجليات علي صحة ما قلت حالا.. ولقد تحول ذلك النزوع إلي ثقافة سائدة تتبناها الطبقة الثرية المتأمركة التي تري الدين طريقاً يقود إلي الخُلطة مع الفقراء من بوابة أخلاقية، وهو الأمر الذي لا تحبه تلك الطبقة وتتجنبه من بوابات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومزاجية.
ومن ثم بات الحديث عن الدين مسألة لا تلقي ترحيباً كبيراً في أوساط الطبقة الجديدة التي قام النظام السابق بتصنيعها، اللهم إلا في إسباغ قدر من القداسة علي الطرق المعيبة جداً التي تحصلت بها تلك الطبقة ثرواتها.. بمعني إشاعة عبير ديني حول نظام اقتصادي ظالم، وحديث كل لص عن ثروته بعبارة: »هذا من فضل ربي«.
وضمن الظواهر التي لم أفهمها مؤخراً الاعتراض الملتهب جداً علي شخص وزير الثقافة السابق محمد عبدالمنعم الصاوي باعتباره قريبا إلي الإسلاميين.. والحقيقة أنني كذلك لا أعرف الرجل، كان أبوه فقط صديقاً لوالدي، كما استضفت المهندس محمد الصاوي نفسه في برنامجي التليفزيوني »حالة حوار« مرة لأناقش ظاهرة إقبال الناس علي مؤسسة ثقافة أهلية مثل »ساقية الصاوي«، وإعراضهم عن مؤسسة فاروق حسني الحكومية.
ولم أشعر أن محمد الصاوي كان ضيق الأفق، أو يتبني فكراً يمكن أن يتهدد مستقبل الثقافة في مصر، ولكنني سمعت أيام توليه الوزارة القليلة أطناناً من الكلام عن أنه يوقف بعض العروض في ساقية الصاوي لأنها غير أخلاقية ومن ثم فهو متزمت ضد منطق الفن!
والحقيقة أنني وجدت في ذلك ظلماً لمحمد الصاوي وللأخلاق، وللثقافة معا.
إذ أن من حق محمد الصاوي أن ينفذ سياسة يراها في مؤسسته الثقافية الخاصة، ولكنه لن ينفذ بالضرورة ذلك بحذافيره في المؤسسة الحكومية التي كان تولاها.
ثم ما سبب تلك الحساسية البالغة إزاء فكرة الأخلاقية، إذا كان ما تم تقديمه في ساقية الصاوي فناً وثقافة جميلين بشهادة الآلاف الذين يحضرون عروضها؟!
ثم دعونا نوغل قليلاً.
لقد تحملنا ربع قرن تقريباً من هيمنة فكر واحد علي مؤسسة الثقافة الرسمية فلماذا لا نجرب شيئا آخر أو عدة أشياء أخري معاً، وبخاصة أن ذلك الفكر الواحد أثبت عدم نفاذه إلي الناس، وعدم قبوله لديهم، فضلا عن أنه تجاوز فرض »الفكر الواحد« إلي اعتناقه »أساليب تعبير واحدة«، يعني أصبح الفن التشكيلي هو التجريد، والرقص هو ما يقدمه وليد عوني، والسينما هي فيلم »المسافر« الرديء، وهكذا.. أي تم اختزال الحالة الثقافية في أشكال بعينها للتعبير، تبعتها محاولة اختطاف وعي الناس إليها، وهي العملية التي فشلت علي نحو مدو.. المدهش أن المثقفين المصريين خرموا أدمغتنا لعهود وعقود حديثاً عن الليبرالية والمجتمع المفتوح، وحرية الرؤية والإبداع، والتنوع، ولكنهم في اختبار بسيط ومباشر أثبتوا، أو أثبت جمع معتبر منهم، أنهم ضد كل تلك القيم التي ادعوا اعتناقها، فقد رفضوا أي تصور آخر غير الذي فرضوه عن الثقافة، وقاوموا أي تغيير، هذا بافتراض أن محمد الصاوي كان سيتبني ذلك التغيير.
رابعاً: لاحظت خلطاً كبيرا للأوراق حين الحديث عن حزب »الوسط« وجماعة »الإخوان المسلمين« وكذلك خلط آخر بين مشروع حزب الإخوان ومشاريع أحزاب الجماعات الإسلامية والجهادية، ومن جهة ثالثة خلط ما بين »جماعة الإخوان« الدعوية، و»حزب الإخوان« السياسي المزمع تكوينه، وهذا بفرض الفصل بين الاثنين من الأصل والأساس.
والواقع أنني أتابع مسيرة حزب الوسط ونضاله من أجل إطلاق نفسه منذ سنوات وحتي تحصله علي حكم الإدارية العليا بالظهور، وأثمن عصرية الاجتهاد والطرح التي يمثلها ذلك الحزب، ولكنني كنت دائماً واعياً إلي الفارق بينه وبين جماعة الإخوان، فهو في تقديري ليس بديلا عن الإخوان »جماعة أو حزباً«، ومن ثم فإن دعوة البعض إلي دخول الإخوان حزب الوسط لا محل لها من الإعراب، ومن جهة أخري فإن طرح موضوع تعدد الأحزاب الإسلامية التي ستخرج من عباءة الإخوان ليس مناسبا، لأن طرحه بالشكل الذي يتم به في تقديري مرة أخري يستهدف إذكاء منطق القسمة، وهو علي أية حال ما نفاه الأستاذ خيرت الشاطر نائب المرشد بعد الإفراج عنه »وبالمناسبة فإنني قرأت كل تصريحاته بعد الإفراج ووجدتها كذلك وكما أشرت في بداية المقال تمثل خطاباً معتدلاً ولهجة سياسية مختلفة جداً عما كان سائداً قبل سنوات في خطاب الجماعة«.. أما مسألة الخلط بين أحزاب جهادية أو ترتبط بالجماعة الإسلامية وبين الإخوان فهو أيضا غلط يدخل في نطاق المغالطة، وأذكر في سياق إبانة حقيقة نظرة الإخوان لتلك الجماعات أنني حاورت منذ ربع قرن المرحوم الأستاذ صلاح شادي أحد رفاق حسن البنا »ضابط بوليس سابق كان رأس الحربة للإخوان في البوليس فيما كان محمود لبيب رأس حربتهم في الجيش« ودار حوارنا »المنشور في أحد كتبي« حول فكرة نشأة حزب للإخوان، وسألته علي نحو مباشر هل ستدخل عناصر الجهاد والجماعة الإسلامية إلي حزب الإخوان؟ فأجاب: »كيف الإخوان أهم من كم الجماعات، وشباب الجماعات المثقف المتدين يفتقد شيئا مهما هو »الماضي« والإخوان المسلمون هم ماضيه«..
وبهذا المعني فالإخوان ينظرون إلي اندماج تلك المجموعات فيهم، وإذا كان توقيت إجراء الحديث هو ربع قرن مضي، فالفكرة تظل قائمة حتي لو نجحت المجموعات الدينية غير الإخوانية في إطلاق أحزابها.
مرة أخري.. نحن نريد الإخوان في النور وفي الهواء الطلق لأن ذلك أفضل كثيراً للمجتمع، ولأن ذلك يساعدهم علي التفاعل مع مطالب الاعتراف بالآخر، والتسامح، والدولة المدنية، وهو ما يفعلونه الآن وفقاً لشهادتي التي بطبيعتها موضوعية جداً كوني لم أنتم ولن أنتمي إلي أي حزب أو مجموعة سياسية.
خامساً: وضمن صرخات الهلع من ظهور الإخوان التي بدت لي كمثل ما ترسب في أذهاننا صغاراً عن حواديت مطاردة الساحرات تأتي مسألة ادعاء أن الإخوان قادوا الهجوم المتزامن علي مقار جهاز مباحث أمن الدولة في مدن القطر المختلفة.. والحقيقة أنني لم أجد أن الإخوان وحدهم عماد المحتجين الذين تحلقوا حول ابنية الجهاز، ولكن كان هناك من ينتمون إلي اتجاهات مختلفة، وحتي من تحدثوا في محطات التليفزيون العربية التي غطت الحدث كانوا ينتمون إلي انساق سياسية وفكرية متنوعة، وبعضهم كما هو واضح جداً لا ينتمي إلا لأفكار مطلقة وعامة جداً في استقطاب مع كل رموز سلطة ثار الشعب ضدها.. والحديث عن أن الإخوان أرادوا تدمير الجهاز الذي لطالما تابعهم وطاردهم يبدو ساذجاً جداً، إذ لا يتم في تصوري تكوين ملفاتهم في مكان واحد »هو مقار الجهاز« كما لا يتابعهم هذا الجهاز وحده، وبالتالي فإن وصم الإخوان بأنهم حاولوا تدمير ملفاتهم لا يتمتع بقبولي أو اقتناعي، وبخاصة أن روايات كثيرة تقول إن اقتحام المحتجين للمقار كان للحيلولة دون إتلاف الملفات.
وهناك تفسيرات أخري لما جري وربط بين ما حدث لذلك الجهاز الأمني، وما حدث وقت الانفلات الأمني يوم 82 يناير، علي أية حال، لسنا جهة تحقيق قانوني في الموضوع، ولكننا في سياق هذا المقال حاولنا التفكير المنطقي فيما نُسب للإخوان.
................
هذه بعض أوراق تصف جانباً آخر من المشهد العام حين أفيض في تناول مظاهره عبر مجموعة المقالات التي أنشرها في »الأخبار« الغراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.