نشاط مكثف للرئيس السيسي اليوم الإثنين.. فيديو وصور    وزيرة البيئة تستعرض جهود الدولة في التكيف مع آثار تغير المناخ    مي عبد الحميد: مد فترة الحجز ب"سكن لكل المصريين 7" استجابة لمطالب المواطنين    اقرأ غدًا في «البوابة».. الرئيس السيسي يؤكد ل«جروسى»: مصر في طليعة الداعمين لعالم خالٍ من الأسلحة النووية    لن ندخل الحزام الزلزالي.. البحوث الفلكية توضح مدى تأثير العواصف الشمسية    أركان البيت الأبيض تهتز.. ماسك يغادر منصبه الفيدرالى بكدمة فى عينه حاملًا «مفتاحًا ذهبيًا»    مران الزمالك - انتظام نبيل عماد بعد تعافيه من الإصابة    رومانو: الفحوصات الطبية تفصل انضمام لويس هنريكي ل إنتر    عدلي القيعي يكشف مفاجأة بشأن رحيل معلول عن الأهلي    تقارير: باير ليفركوزن يحدد شرطه للموافقة على عرض ليفربول لضم فيرتز    التحقيق مع المتهمين بتقييد شاب بالحبال وقتله في بولاق الدكرور    ماذا حدث بين أحمد السقا وطليقته وما علاقة طارق صبري؟    الجوزاء.. تعرف على صفات برج الفرعون المصري محمد صلاح    القاهرة الإخبارية: ليالٍ دامية في غزة.. الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بحق المدنيين    مدير تلال الفسطاط يستعرض ملامح مشروع الحدائق: يتواءم مع طبيعة القاهرة التاريخية    «ربنا مايكتب وجع لحد».. تامر حسني يكشف تفاصيل تعرضه ونجله لأزمة صحية ودخولهما المستشفى    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لطلاب الثانوية العامة وتيسير الأمور.. ردده الآن    يامال: لا أفكر في الكرة الذهبية.. ومن المستحيل أن ألعب ل ريال مدريد    الإصلاح والنهضة: 30 يونيو أسقط مشروع الإخوان لتفكيك الدولة ورسّخ الوعي الوطني في مواجهة قوى الظلام    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على قرارات ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم    طرح البرومو الرسمي لفيلم "في عز الضهر".. وهذا موعد عرضه في السينمات    إيساف: «أبويا علّمني الرجولة والكرامة لو ماعييش جنيه»    أرامكو السعودية تنهي إصدار سندات دولية ب 5 مليارات دولار    خالد الجندي: الحج المرفّه والاستمتاع بنعم الله ليس فيه عيب أو خطأ    ضربات الشمس في الحج.. الأسباب والأعراض والإسعاف السريع    واشنطن بوست: فوز ناوروكي برئاسة بولندا تعزز مكاسب اليمين في أوروبا    وزير خارجية الكويت: العالم يواجه تحديات إقليمية ودولية متسارعة تتطلب أعلى درجات التنسيق    أهم أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد يهنئ نافروتسكي بفوزه بالانتخابات الرئاسية البولندية    مياه الفيوم تطلق حملات توعية للجزارين والمواطنين بمناسبة عيد الأضحى المبارك    شرح توضيحي للتسجيل والتقديم في رياض الأطفال عبر تعليم القاهرة للعام الدراسي الجديد.. فيديو    رئيس جهاز العاشر من رمضان يتدخل لنقل سائق مصاب في حريق بمحطة وقود إلى مستشفي أهل مصر للحروق    تعرف على محطات الأتوبيس الترددي وأسعار التذاكر وطريقة الحجز    هل يجوز للمرأة ذبح أضحيتها بنفسها؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    في رحاب الحرم.. أركان ومناسك الحج من الإحرام إلى الوداع    موعد أذان مغرب الاثنين 6 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب الواردة في عشر ذي الحجة    رئيس جامعة المنوفية يرأس اللجنة العليا لتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي    مدينة الأبحاث العلمية تطلق سلسلة توعوية بعنوان العلم والمجتمع لتعزيز الوعي    عبد الرازق يهنىء القيادة السياسية والشعب المصري بعيد الأضحى    «أجد نفسي مضطرًا لاتخاذ قرار نهائى لا رجعة فيه».. نص استقالة محمد مصيلحى من رئاسة الاتحاد السكندري    بريطانيا: الوضع في غزة يزداد سوءًا.. ونعمل على ضمان وصول المساعدات    رئيس جامعة بنها: توفير استراحات تراعي كافة فئات الطلاب    «صحة الاسكندرية» تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى    تقارير: بي بي سي ألغت مقابلة بين صلاح ولينكر خوفًا من الحديث عن غزة    يديعوت أحرونوت: وفد إسرائيل لن يذهب إلى الدوحة للتفاوض    تسرب 27 ألف متر غاز.. لجنة فنية: مقاول الواحات لم ينسق مع الجهات المختصة (خاص)    وزير الثقافة ينفي إغلاق قصور ثقافية: ما أُغلق شقق مستأجرة ولا ضرر على الموظفين    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    السجن 3 سنوات لصيدلى بتهمة الاتجار فى الأقراص المخدرة بالإسكندرية.. فيديو    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    «التضامن»: انطلاق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة لتعزيز دور رجال الدين في بناء الأسرة المصرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة حوار
الإسلاميون
نشر في الأخبار يوم 07 - 03 - 2011

منذ بدأت أحداث الثورة وحتي اللحظة الراهنة وأنا أستمع إلي انطباعات وآراء متواترة من بعض المثقفين والزملاء والأصدقاء، تعكس مخاوفهم من ظهور جماعة الإخوان المسلمين في صدارة المشهد علي النحو الذي نراه.. كما أنصت باهتمام إلي توقعاتهم لما سوف يتمخض عنه ذلك الوضع من قبض الإخوان علي مفاتيح التحكم، وبما يجاوز من وجهة نظر من حدثوني حجم الجماعة في الشارع حتي بما أفصحت عنه أحداث الثورة وما بعدها.
وليس عندي بالقطع ما يبرر أي انحياز لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنني مع ذلك وبقراءة واقعية وموضوعية للوقائع والأحداث، وموزاييك أو فسيفساء المشهد العام »الذي أراقبه دقيقة بدقيقة.. ورقة بأخري.. بل كلمة وراء كلمة« لم أر من جماعة الإخوان المسلمين »كوادر وقواعد.. قيادة وأفرادا« ما يثير حفيظتي أو خوفي حتي الآن، وأكرر حتي الآن.. لا بل علي العكس فإنني وجدتهم معقولين يستمسكون بطروح سياسية عامة ليس فيها ما يجب أن يتحسب البعض له أو يشعروا بخوف من أي نوع.. إنني كما أشرت من قبل في هذه الصحيفة أدركت في السنوات الأخيرة تحولا نوعيا في لهجة وخطاب الإخوان المسلمين، وبالتحديد منذ أعلنوا برنامجهم السياسي، وبالتحديد كذلك منذ شاع في تصريحات قادتهم وبالذات الشباب منهم »أو الذين كانوا شبابا« د. عصام العريان، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح، أفكار التمسك بالدولة المدنية والإعتراف بالآخر، أو منذ تبني المرشد العام الجديد د. محمد بديع لونا آخر من الحديث ليس فيه تلك الحدة، وذلك العنف الذي طبع خطاب الأستاذ مهدي عاكف المرشد السابق مع الاحترام للجميع.
وحتي علي المستوي الميداني في »التحرير« فإنني لم أجد في أداء الاستاذ محمد البلتاجي عضو مجلس شوري الإخوان، وعضو مجلس الشعب »5002« ما يخرج عن الالتزام الديمقراطي أو التفاعل المستمر مع الآخرين بجميع أطيافهم الفكرية والسياسية.
كنت ومازلت استمع إلي ما يشبه البلاغات الصارخة والملتاعة من بعض المثقفين عن ان الإخوان »قادمون«، وقد أخذت تلك البلاغات أشكالا عدة، وإتكأت علي مظاهر مختلفة، وتفحصتها جميعا بإمعان، ولم أجد بأمانة أن لها ما يبررها، أو يدفع إلي معانقة الخوف نتاجا لها حتي الآن.. وأكرر مرة أخري حتي الآن.. وأظنني في حاجة إلي تفضيل وجهة نظري التي أحاول فيها تثبيت ورقة في محضر النقاش العام حول هذا الموضوع، وفي هذه اللحظة بالتحديد:
أولا: إنني علي يقين من أن أفضل حالات التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين هي حين يسود معني العلنية والوضوح والاعتراف، يعني أن تكون الجماعة وأفكارها وحركتها في النور.
وبالقطع كانت بعض الممارسات الأمنية والسياسية إزاء الإخوان في العقود الأخيرة مبررا لإختفائهم وتحوصلهم، ولذلك الغموض الشديد الذي أحاطهم.
وربما كان عدم السماح بظهورهم الإعلامي هو السبب وقد عانيت شخصيا في التليفزيون المصري من ذلك سواء عام 5002 أو حين جددت طلبي بعد صدور برنامجهم السياسي ولمرة أخري بعد تولي المرشد العام الجديد وذلك المنع الإعلامي حجب عن المجتمع فرصته في التعرف إلي فصيل سياسي مهم وتاريخي لطالما تحاورت مع رموزه ونجومه حين عملت في وسائط إعلامية وصحفية غير حكومية.
وحين أقول حجب فرصة المجتمع في التعرف إلي الإخوان، أعني سلبه حقه في الحوار، وفي تكوين رأيه سلباً أو ايجاباً أو بناء منطق مغاير، أو تطعيم منطق الإخوان بملاحظات هنا أو هناك.. يعني غياب التلاقح السياسي الفكري الطبيعي الذي يسمح بطقس صحي في البلد.
ولا ألقي في هذا السياق باللوم كاملاً علي المؤسسات السياسية والأمنية والإعلامية التابعة للنظام السابق، ولكنني أشعر أن الإخوان كذلك أسهموا في بناء ذلك الحاجز بينهم وبين المجتمع، عبر لون من الخطاب تبناه بعض قادتهم القدامي، يتحدث عن »أممية« أفكارهم، وابتعادها عن »وطنية« الارتباط، وهو أمر كما نعلم جميعا حساس جدا بالنسبة للمصريين.
ثانيا: إن بعض المخاوف التي يطرحها البعض الآن جاءت من رئاسة المستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة تشكيلة صغيرة عينها المجلس الأعلي للقوات المسلحة من أجل تعديل الدستور، كما جاءت كذلك من عضوية المستشار صبحي صالح في تلك التشكيلة.
والحقيقة انني انزعجت فعلياً من إثارة الموضوع بذلك الشكل.
إذ أن المستشار طارق البشري رجل معروف بالنزاهة الشديدة والمهنية في أرفع صورها، وحين كنت أحاوره صحفيا، أو أدعوه لندوة صحفية أديرها، أجده قد حرص علي تسجيل بعض أفكاره كتابة »وبخط منمنم« من فرط دقته ورغبته في التزام طرح لا يحيد عما يقصد، أو ربما لا يسمح له سياق المناقشة بعرضه كما ينبغي.
مهنية المستشار طارق البشري لا تسمح بإبداء تخوفات تدور حول »الميول«.
وكون المستشار أهم المؤرخين للحركة السياسية المصرية في السبعين عاماً الأخيرة بالقطع وعبر كتابه الشهير، يضيف حصانة جديدة لاسمه، لأن المؤرخ فيما هو مفترض لا يحيد.. وأذكر أنني وصفته في مقدمة حواري معه بكتابي: »الإسلاميون« قائلا: »هو قاض في ساحة التاريخ تارة، ومؤرخ في ساحة القانون تارة أخري.. وبين الموقفين يضغط معنا علي قيمة التطهر السياسي والاجتماعي والوطني«.. والحقيقة ان الموقف الغريب من اسم طارق البشري اثار عندي أسئلة كثيرة:
هل كان منتقدو اختيار المستشار سيهدأون لو كان رئيس لجنة التعديلات الدستورية له اتجاه آخر بعينه، أو لو كان المستشار ظل يراوح مكانه الفكري القديم في مربع اليسار؟!
هذا كلام لا يجوز.
لأن القاضي أو المؤرخ ينحي جانباً تلك الميول حين يزاول عمله، وذلك جزء من أخلاقية المهمة، وما نحسب أن المستشار طارق البشري حاد عنها أبدا، بدليل أننا رأينا ما خلصت إليه اللجنة ولم نلحظ فيه مؤثرا »إسلامياً سياسياً« كما ادعي البعض زوراً.. ثم تأتي مسألة عضوية المستشار صبحي صالح في اللجنة، وهو الرجل الذي يحسبه البعض علي جماعة الإخوان المسلمين.. وعلي أني لم أتشرف بمعرفة المستشار صبحي صالح شخصيا، إلا أنني لم أفهم الضجة التي أثيرت حوله، لأن هناك أعضاء كثيرين غيره في اللجنة، وكل منهم بالقطع له اتجاه أو ميل أو ارتباط، فلماذا التركيز علي شخص ذلك المستشار بالذات.. الأصل في الموضوع، اننا بصدد الحديث عن شيوخ عدالة كبار، ولا يجوز الحديث عن »القصد أو الغرض أو الهوي« فيما يخص عملهم، وإلا قلنا إن هناك عضوا قبطيا في اللجنة وهو يعبر معاذ الله عن رأي المؤسسة الكنسية.
ثالثاً: إنني ألاحظ ومنذ سنوات ظاهرة خطيرة جداً في الخطاب العام، وهي ما أشرت إليه في عدد من المقالات نشرتها في »الأهرام« وكانت عماد استشهاد تليفزيوني للكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم.
وأعني بذلك أن المواجهة مع التطرف الديني تمددت بخبث شديد لتصبح مواجهة مع الدين نفسه، وهو ما لا نقبله كمصريين علي أي نحو.. إذ تبني بعض المفكرين والمثقفين والمبدعين أفكاراً ربما تكون بعض مواريث تراثهم اليساري القديم عن نفي وإنكار الدين، وذلك شأنهم في نهاية النهار، ولكنهم حاولوا أن يجعلوا من معتقدهم »حالة« فرضوها علي المجتمع، ليحشروه في معركة ضد الدين ليست هي معركته، مودودين في أذنه بأن التطرف ليس معركته، وإنما شُبه له!
هناك مئات التجليات علي صحة ما قلت حالا.. ولقد تحول ذلك النزوع إلي ثقافة سائدة تتبناها الطبقة الثرية المتأمركة التي تري الدين طريقاً يقود إلي الخُلطة مع الفقراء من بوابة أخلاقية، وهو الأمر الذي لا تحبه تلك الطبقة وتتجنبه من بوابات اقتصادية واجتماعية وسياسية ومزاجية.
ومن ثم بات الحديث عن الدين مسألة لا تلقي ترحيباً كبيراً في أوساط الطبقة الجديدة التي قام النظام السابق بتصنيعها، اللهم إلا في إسباغ قدر من القداسة علي الطرق المعيبة جداً التي تحصلت بها تلك الطبقة ثرواتها.. بمعني إشاعة عبير ديني حول نظام اقتصادي ظالم، وحديث كل لص عن ثروته بعبارة: »هذا من فضل ربي«.
وضمن الظواهر التي لم أفهمها مؤخراً الاعتراض الملتهب جداً علي شخص وزير الثقافة السابق محمد عبدالمنعم الصاوي باعتباره قريبا إلي الإسلاميين.. والحقيقة أنني كذلك لا أعرف الرجل، كان أبوه فقط صديقاً لوالدي، كما استضفت المهندس محمد الصاوي نفسه في برنامجي التليفزيوني »حالة حوار« مرة لأناقش ظاهرة إقبال الناس علي مؤسسة ثقافة أهلية مثل »ساقية الصاوي«، وإعراضهم عن مؤسسة فاروق حسني الحكومية.
ولم أشعر أن محمد الصاوي كان ضيق الأفق، أو يتبني فكراً يمكن أن يتهدد مستقبل الثقافة في مصر، ولكنني سمعت أيام توليه الوزارة القليلة أطناناً من الكلام عن أنه يوقف بعض العروض في ساقية الصاوي لأنها غير أخلاقية ومن ثم فهو متزمت ضد منطق الفن!
والحقيقة أنني وجدت في ذلك ظلماً لمحمد الصاوي وللأخلاق، وللثقافة معا.
إذ أن من حق محمد الصاوي أن ينفذ سياسة يراها في مؤسسته الثقافية الخاصة، ولكنه لن ينفذ بالضرورة ذلك بحذافيره في المؤسسة الحكومية التي كان تولاها.
ثم ما سبب تلك الحساسية البالغة إزاء فكرة الأخلاقية، إذا كان ما تم تقديمه في ساقية الصاوي فناً وثقافة جميلين بشهادة الآلاف الذين يحضرون عروضها؟!
ثم دعونا نوغل قليلاً.
لقد تحملنا ربع قرن تقريباً من هيمنة فكر واحد علي مؤسسة الثقافة الرسمية فلماذا لا نجرب شيئا آخر أو عدة أشياء أخري معاً، وبخاصة أن ذلك الفكر الواحد أثبت عدم نفاذه إلي الناس، وعدم قبوله لديهم، فضلا عن أنه تجاوز فرض »الفكر الواحد« إلي اعتناقه »أساليب تعبير واحدة«، يعني أصبح الفن التشكيلي هو التجريد، والرقص هو ما يقدمه وليد عوني، والسينما هي فيلم »المسافر« الرديء، وهكذا.. أي تم اختزال الحالة الثقافية في أشكال بعينها للتعبير، تبعتها محاولة اختطاف وعي الناس إليها، وهي العملية التي فشلت علي نحو مدو.. المدهش أن المثقفين المصريين خرموا أدمغتنا لعهود وعقود حديثاً عن الليبرالية والمجتمع المفتوح، وحرية الرؤية والإبداع، والتنوع، ولكنهم في اختبار بسيط ومباشر أثبتوا، أو أثبت جمع معتبر منهم، أنهم ضد كل تلك القيم التي ادعوا اعتناقها، فقد رفضوا أي تصور آخر غير الذي فرضوه عن الثقافة، وقاوموا أي تغيير، هذا بافتراض أن محمد الصاوي كان سيتبني ذلك التغيير.
رابعاً: لاحظت خلطاً كبيرا للأوراق حين الحديث عن حزب »الوسط« وجماعة »الإخوان المسلمين« وكذلك خلط آخر بين مشروع حزب الإخوان ومشاريع أحزاب الجماعات الإسلامية والجهادية، ومن جهة ثالثة خلط ما بين »جماعة الإخوان« الدعوية، و»حزب الإخوان« السياسي المزمع تكوينه، وهذا بفرض الفصل بين الاثنين من الأصل والأساس.
والواقع أنني أتابع مسيرة حزب الوسط ونضاله من أجل إطلاق نفسه منذ سنوات وحتي تحصله علي حكم الإدارية العليا بالظهور، وأثمن عصرية الاجتهاد والطرح التي يمثلها ذلك الحزب، ولكنني كنت دائماً واعياً إلي الفارق بينه وبين جماعة الإخوان، فهو في تقديري ليس بديلا عن الإخوان »جماعة أو حزباً«، ومن ثم فإن دعوة البعض إلي دخول الإخوان حزب الوسط لا محل لها من الإعراب، ومن جهة أخري فإن طرح موضوع تعدد الأحزاب الإسلامية التي ستخرج من عباءة الإخوان ليس مناسبا، لأن طرحه بالشكل الذي يتم به في تقديري مرة أخري يستهدف إذكاء منطق القسمة، وهو علي أية حال ما نفاه الأستاذ خيرت الشاطر نائب المرشد بعد الإفراج عنه »وبالمناسبة فإنني قرأت كل تصريحاته بعد الإفراج ووجدتها كذلك وكما أشرت في بداية المقال تمثل خطاباً معتدلاً ولهجة سياسية مختلفة جداً عما كان سائداً قبل سنوات في خطاب الجماعة«.. أما مسألة الخلط بين أحزاب جهادية أو ترتبط بالجماعة الإسلامية وبين الإخوان فهو أيضا غلط يدخل في نطاق المغالطة، وأذكر في سياق إبانة حقيقة نظرة الإخوان لتلك الجماعات أنني حاورت منذ ربع قرن المرحوم الأستاذ صلاح شادي أحد رفاق حسن البنا »ضابط بوليس سابق كان رأس الحربة للإخوان في البوليس فيما كان محمود لبيب رأس حربتهم في الجيش« ودار حوارنا »المنشور في أحد كتبي« حول فكرة نشأة حزب للإخوان، وسألته علي نحو مباشر هل ستدخل عناصر الجهاد والجماعة الإسلامية إلي حزب الإخوان؟ فأجاب: »كيف الإخوان أهم من كم الجماعات، وشباب الجماعات المثقف المتدين يفتقد شيئا مهما هو »الماضي« والإخوان المسلمون هم ماضيه«..
وبهذا المعني فالإخوان ينظرون إلي اندماج تلك المجموعات فيهم، وإذا كان توقيت إجراء الحديث هو ربع قرن مضي، فالفكرة تظل قائمة حتي لو نجحت المجموعات الدينية غير الإخوانية في إطلاق أحزابها.
مرة أخري.. نحن نريد الإخوان في النور وفي الهواء الطلق لأن ذلك أفضل كثيراً للمجتمع، ولأن ذلك يساعدهم علي التفاعل مع مطالب الاعتراف بالآخر، والتسامح، والدولة المدنية، وهو ما يفعلونه الآن وفقاً لشهادتي التي بطبيعتها موضوعية جداً كوني لم أنتم ولن أنتمي إلي أي حزب أو مجموعة سياسية.
خامساً: وضمن صرخات الهلع من ظهور الإخوان التي بدت لي كمثل ما ترسب في أذهاننا صغاراً عن حواديت مطاردة الساحرات تأتي مسألة ادعاء أن الإخوان قادوا الهجوم المتزامن علي مقار جهاز مباحث أمن الدولة في مدن القطر المختلفة.. والحقيقة أنني لم أجد أن الإخوان وحدهم عماد المحتجين الذين تحلقوا حول ابنية الجهاز، ولكن كان هناك من ينتمون إلي اتجاهات مختلفة، وحتي من تحدثوا في محطات التليفزيون العربية التي غطت الحدث كانوا ينتمون إلي انساق سياسية وفكرية متنوعة، وبعضهم كما هو واضح جداً لا ينتمي إلا لأفكار مطلقة وعامة جداً في استقطاب مع كل رموز سلطة ثار الشعب ضدها.. والحديث عن أن الإخوان أرادوا تدمير الجهاز الذي لطالما تابعهم وطاردهم يبدو ساذجاً جداً، إذ لا يتم في تصوري تكوين ملفاتهم في مكان واحد »هو مقار الجهاز« كما لا يتابعهم هذا الجهاز وحده، وبالتالي فإن وصم الإخوان بأنهم حاولوا تدمير ملفاتهم لا يتمتع بقبولي أو اقتناعي، وبخاصة أن روايات كثيرة تقول إن اقتحام المحتجين للمقار كان للحيلولة دون إتلاف الملفات.
وهناك تفسيرات أخري لما جري وربط بين ما حدث لذلك الجهاز الأمني، وما حدث وقت الانفلات الأمني يوم 82 يناير، علي أية حال، لسنا جهة تحقيق قانوني في الموضوع، ولكننا في سياق هذا المقال حاولنا التفكير المنطقي فيما نُسب للإخوان.
................
هذه بعض أوراق تصف جانباً آخر من المشهد العام حين أفيض في تناول مظاهره عبر مجموعة المقالات التي أنشرها في »الأخبار« الغراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.