كثيرون يكتبون عنها "عروس الصعيد" وربما "عروس المحروسة" هو الأقرب إلى الصواب، إذا سرت على الكورنيش كأنك بالإسكندرية، ولو تجولت فى أحياء "أرض سلطان" تشعر أنك فى قصر البارون ، وان سهرت فى فنادقها وكافيهاتها تعتقد انك فى مقاهي باريس ، وحينما تزور القرى والنجوع والعزب تشعر بكرم أهلها ودفء قلوبهم. في عام 2007 وبعد ظهور تنسيق الثانوية العامة ، لم أكن أعلم أن الأقدار ستقذفني إلى ما كنت أخشاه ، حينها انضممت الى كلية السياحة والفنادق جامعة المنيا ، ولا أعلم يومها غير أنها مدينة زراعية ، وأهلها يلقبوننا أي "الأسايطة" ب"يهود مصر". لكنني لم أكن أعي أن أنها ستكون مهبط قلبي ، ومنبع نجاحي ، ومنشأ أقرب المحبين ، وأصل كل ما حققته إلى الآن ، لم أكن أعلم انها ستكون من أقرب البلدان إلى قلبي ، فمنزلتها عندي كمنزلة مكة عند محمدنا(ص). تعتبر المنيا متحفاً وسجلاً قديماً لكل العصور التي مرت على مصر ، وتذخر المنيا بالمزارات الفرعونية والرومانية واليونانية والقبطية والإسلامية ، والتي نادراً ما تجدها سوى في متحف في المتاحف ، وهذا ما يجعلها من أكثر محافظات مصر ظلماً بما فيها من مقومات مهدرة ، لا يكون العائد منها سوى تطبيق عملي لمنظومة الارشاد السياحي بالمنيا ، فتعمل تلك المؤسسة التعليمية على زيارة طلابها سنوياً لمناطق الآثار الوفيرة بغرض التدريب العملي. أما عن السياح فقليلاً ما تجد من يزورها منهم ، وربما يرجع ذلك إلى نقص الدعاية السياحية لها ، بالإضافة إلى حوادث التطرف والفتنة الطائفية التي تتكرر حوادثها سنوياً ، هذا كله مع تفضيل شركات السياحة للاقصر وأسوان في برامجها ، مما غض الطرف تماماً عنها ، لإبعادها عن مكانها الصحيح على الخريطة السياحية. ولا نخشى أحداً حين نقول إن وجود المنيا في دولة عربية هي ظلم بيَّن لهذة المدينة الحضارية العريقة ، ولو كانت في اقليم آخر من بلدان الغرب لأصبحت من أشهر المدن التاريخية والسياحية . أما عن شعبها ، فهم المنياوية ، أهل الطيبة والسماحة ، ولو كان للطيبة اسماً آخر لاشتق منهم ، وربما تلتمس هذة الطيبة من كلامهم المعتاد عن الدين والأخلاق والأمانة، تلك المفقودات التي تبخرت من مجتمعنا في أيامنا هذة ، بل تحسها من لهجتهم المميزة بمد الحرف قبل الأخير من آخر كلمة منطوقة ، لتضيف إلى كلامهم رونقاً مميزاً عن بقية لهجاتنا. وربما كان لقاريء رأي آخر ، لكن هذا ما أشعر به تجاه هذة البقعة الخيرة من الأرض ، لما صادفته من نجاح وما قابلته من مشاعر طيبة من أهلها المخلصين ، ورغم هذا فأنا لا أنزهها عن النواقص أو أرفعها إلى مرتبة الكمال ، لكن من يريد أن يقترب من تقييمه فليقف فوق سنين حضارتها ، وحين يحدد عيباً فليحِله إلى حكامها. أما القاعدة العامة في تقييم الشعوب لا تخرج عن أن التقييم خطأ ، فليس هناك شعب صالح كله ، وآخر طالح نقيضه ، وانما عجينة الشعوب تنبني على الاختلاف والتنوع ، فكل شعب بل كل جماعة فيها الخير والشر ، بل كل رحم واحدة تنجب الملاك والشيطان ، ولعل في أخوة يوسف دليلاً ، أما الانطباع العام فيختلف حسب ظروف وأحوال كل شخص. وأخيراً ، فأدعو الله أن يحفظ المنيا من كل سوء ، وأن يرزق أهلها مزيداً من المحبين لأهلها العاشقين لترابها ، عسى الله أن يكتب لي زيارتها مرة أخرى.