مرّ أكثر من عام على الثورة السورية وما زالت المجازر التى ترتكبها كتائب الأسد فى مختلف أنحاء سورية مستمرة من درعا إلى إدلب إلى ريف دمشق إلى حماة إلى حمص، وما أدراك ما جرى فى حى بابا عمرو. مجازر ترتكب بشكل يومى حتى أصبح معدل سقوط الشهداء السوريين ما يقرب من مائة شهيد يوميًا، وهم ليسوا مجرد "أرقام" إنما بشر لهم حياتهم وعوائلهم وطموحاتهم ومشاريعهم المستقبلية التى حولها النظام الطائفى جحيمًا. مرّ أكثر من عام وما زال العالم يتفرج، فالعزّل الذين تقصفهم كتائب الأسد صباح مساء لن تحميهم بيانات شجب ولن يحميهم إدانات استنكار لا تسمن ولا تغنى من جوع. مرّ أكثر من عام ويبدو أن الأسد مطمئن إلى الظهير الدولى والفيتو الروسى والصينى، والدعم الروسى والإيرانى بالسلاح وانكشاف عربى أقصى غايته غلق السفارات فى دمشق وطرد سفراء الأسد من العواصم العربية. مرّ أكثر من عام ووصلت الثورة السورية إلى عنق الزجاجة، وأصبح الخيار المرّ بين استمرار الثورة فى سلميتها واستمرار سقوط الضحايا، أو التحول إلى الخيار العسكرى واعتماد الحل المسلح والمناداة بحل وحيد وهو التدخل الدولى وتسليح الجيش السورى الحر، والتركيز على المناطق الآمنة وفتح الحدود مع مختلف دول الجوار السورى بشكل رسمى، وتنظيم الإغاثة بشكل أكثر فاعلية مما هو حادث. مرّ أكثر من عام وقد صلت الثورة السورية إلى مفترق الطرق وحتمية الاختيار بين استمرار اللافتة السلمية وبين رفع شعار العمل المسلح حلاً وحيدًا. لم يعد فى قوس الصبر مَنزَع ولم يعد عند المُحَاصرِين العزّل مجالات أوسع للاختيار، كل بدائلهم هى أسوأ من بعضها. فالخيار العسكرى هو ما يعمل على ما جرهم إليه النظام الطائفى فى دمشق حتى يكون هناك مبرر للعدوان. والميزة الكبرى لخيار التغيير السلمى هى نزع مبرر العدوان من أيدى كتائب الأسد وشبيحته، لكن يظل السؤال هو: وهل تلك العصابة المجرمة تحتاج إلى مبررات للعدوان، وما هى المبررات فى قتل الأطفال والنساء؟ الرهان على الزمن خيار الفاشلين سواء أكانوا ثوارًا أم جلاوذة النظام الاستبدادى. مرّ أكثر من عام والعالَم لم يحرّك ساكنًا، ربما خدمت المعادلات الإقليمية والدولية نظام بشار، وربما لعبت رياح الصراع الإقليمى والدولى لصالحه، وربما تخاذل العرب فى جامعتهم التى منحت النظام مُهَل القتل، المهلة تلو المهلة، وهو الذى يجيد اللعب على عامل الزمن. أى الخيارين ينطوى على الكلفة الأقل تضحية؟ وأى الخيارين كفيل بإحداث التغيير؟ الرهن على عالَم يتفرج لم يعد مجديًا. والرهان على معادلات إقليمية ودولية تكون أحيانًا ضد مصالح الشعوب أمرًا مدمرًا. والرهان على عرب لم يعودوا أكثر من مجرد غطاء لتحرك دولى فشل ذريع. والرهان على شعوب كبلتها اتفاقات إذعان واتفاقات سايكس بيكو وحدود مصطنعة خراب مريع. تأخر الربيع السورى ثلاثين عامًا وربما لو تحرك السوريون عقب مذابح حماة 1982 لكان تحركهم فى ظرف دولى غير موات ومحكوم عليه بالفشل، وعندما تحركوا عقب الربيع العربى ونجاح الثورات فى بعض الدول العربية عملت ضدهم المعادلات الإقليمية والدولية، يا لقلة حظ الشام. لم يعد غير الخيار العسكرى مجديًا رغم كلفته الباهظة؛ إنما طريق الحرية معبّد دومًا بالدماء والتضحيات، هو طريق واحد، السير فيه للأمام فقط. إنما ما يدفع للتفاؤل بمستقبل الثورة السورية (رغم كآبة المنظر) أن نظام بشار فقط شرعيته ومشروعيته وهو محاصر عربيًا وإقليميًا ودوليًا إلا من ثلاث دول (روسيا والصين وإيران) وإذا كانت المعادلات الإقليمية والدولية عملت لبعض الوقت لصالح نظامه فهى حتمًا ستسلمه إلى مصيره المحتوم؛ وهو مصير القذافى وعصابته. فالقانون الحاكم فى العلاقات الدولية أنه ليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة إنما هناك مصالح دائمة. وتجارب إيران فى العلاقات الدولية تقول إنها فتحت الطريق للأمريكان فى أفغانستان والعراق ودعمت احتلالهما لوجستيًا من أجل مصالحها، وكذلك باعت الشيعة فى أذربيجان من أجل ترسيم الحدود وتقاسم مناطق النفوذ. ومصالح روسيا والصين لن يدعمهما نظام معزول ومحاصر كنظام بشار، وحتمًا إذا نضجت ظروف التغيير -وقد قاربت- سيتغير الموقف الروسى والصينى فمصالح الدول الكبرى إستراتيجية بالأساس، ومصالحهم تدعمها الشعوب وليس نظامًا غاربًا.