لأنهم حملونى الأمانة رغم بعدى عنهم عشرات المئات من الأميال، وغيابى عنهم سنوات عدة، فلابد من أداء الأمانة إلى أهلها.. والأمانة هنا هى كلمة شكر من أهالى قوص إلى "المصريون"، الصحيفة التى باتت تحمل هم مصر وشعب مصر فى محافظاته ومدنه وقراه ونجوعه، وأثبتت أنها مع الناس كل الناس أيا كان موقعهم فى "الصعيد الجوانى" أو الواحات الخارجة أو الداخلة أو فى بلاد النوبة.. وهذه هى رسالة الصحافة الحقة المحقة أيضا، التى تعبر الحدود وتتخطى الحواجز وتكون مع الناس بلسان الناس تشاركهم أفراحهم وأتراحهم وهمومهم. الشكر منهم جاء على لسان كثير من إعلامييهم ومثقفيهم وأطبائهم ومهندسيهم ومحاميهم، وضباطهم وجنوده، وتجارهم وعمالهم وشبابهم وطلابهم ورجالهم وحتى نسائهم؛ لأن "المصريون" هى الصحيفة الوحيدة التى رثت شهيد شرطة مركزهم الضابط إكرامى الناجى" فى مقالتى التى نشرت الخميس الماضى بعنوان"القهوجية لماذا بكوا ضابط قوص"، وهى التى برأت ساحتهم فأهالى الضابط فى بنى سويف كانوا يقرأون خبر وفاته على يد مجرمين فى مركز قوص، ولم يعلموا أن الحادثة كانت فى قرية "حجازى قبلى" التابعة لمركز قوص، وليست على أيدى أبناء قوص أنفسهم، وأن أهالى المدينة شقت الحادثة أكبادهم حزنًا على الضابط الخلوق الخدوم، الذى كان معهم واحدا منهم لذا بكوه بكاء مرًا ولا يزالون. ومادمنا أتينا على ذكر تلك المدينة العريقة فى التاريخ، والتى كانت منائر مساجدها ومدارسها وكتاتيبها وحلقات علمها، تصدح بالمساهمة فى رقى مصر كلها، بل ورقى من زارها وتعلم على أيدى علمائها الكرام، من علماء وأدباء وشعراء ومؤرخين كبار، وزهاد ملأوا سماءها بأنواع العلم والأدب والسير والتاريخ، ثم أبوا إلا أن يضم رفاتهم ثراها بعد موتهم، فأصبحت مزاراتهم علامات مضيئة للبلدة، وإن مضت علها سنون وعقود وقرون.. وما الشيخ على بن أبى دقيق العيد قاضى قضاة الصعيد ولا المشايخ الكرام والأولياء الأصفياء مثل المشايخ أبى العباس والعسقلانى، وعبد القوى، وعبد الغفار والبهاء زهير وأحمد الشريف ومصطفى الغوندقلى وحسن النجار وغيرهم كثير عنا ببعيد؟؟ لكن للأسف تلك المدينة التى كانت أهم وأبرز إحدى أربع ولايات مصر العظيمة فى الأزمان العظيمة لا تتقدمها فى الأهمية سوى الفسطاط والإسكندرية، وتأتى بعدها الشرقية، وكان يشار لها بالبنان، ويفد إليها الحاج للحجاز مغادرًا منها وقادمًا إليها، تعانى الآن الأمرين من فوضى وزحام وعشوائيات تجعلك تترحم على زمنها الجميل وموقعها الجغرافى البديع ومكانتها التاريخية المهمة.. أهالى قوص الذين شكروا "المصريون" من قبل يوجهون شكواهم أيضا إلى "المصريون" قائلين: إن الفوضى تعم كل أرجاء المدينة والمعاناة الأكبر تتمثل فى مزلقان السكك الحديدية الذى يغلق بسبب عبور القطارات فمع زيادة عددها أصبح المزلقان يغلق كل خمس دقائق على أكثر تقدير، ويصاب شرق المزلقان وغربه بالشلل التام، والغرب يضم المستشفى العام وقسم الشرطة ومصنع السكر ومصنع لب الورق، ونهر النيل الذى تمخره البواخر التى تقل الناس لقرى غرب النيل، ومدارس ثانوية وإعدادية وتجارية للبنين والبنات، ومساكن عائلات كثيرة، وناهيك عن الباعة الجائلين الذين احتلوا الشوارع والأرصفة، وحتى إن أحدهم قالها لى بالنص:"أتحداك لو حضرت أن تعرف تمشى فى أى شارع"، ناهيك عن المصيبة المسماة" التوك توك" ولا أحد يهتم.. وقد ضحكت لأحدهم- من سكان غرب المزلقان- وهو يقول إننى أفضل أن أستقل القطار لأذهب إلى قنا أو إلى الأقصر لأقضى مشترواتى وحاجاتى الضرورية يعنى (ثلاثون كيلو مترًا) سفرا، أسهل وأرحم من أن أعبر شوارع قوص نفسها، وهو ابن قلب مدينة قوص. هذا ما تتناقله الألسن فى قوص عن بعض مشاكلها الخدمية الأساسية وفى جعبتهم كثير وكثير عن التلوث البيئى، وعن القصور فى الخدمات المهمة التى تجاهلتها حكومات سابقة، ولا تزال للأسف. فيا مسئولون نظرة عطف وحنان إلى قوص التى كان من يعرفها ويقدرها من حكام أقدمين يطلق عليها "كعبة العلم والعلماء"، لا تمحوها من خارطة اهتماماتكم.. وفضلا فضلا ثم فضلا أيضا عاملوها بمبدأ:"ارحموا عزيز قوم ذل". دمتم بحب [email protected]