التهجم على الإعلاميين في الشارع فعل مدان وغير أخلاقي البتة لكن الفعل يحمل أكثر من رسالة و له أكثر من دلالة..ربما لأن الناس بدأت تفقد الثقة في رجل الإعلام أو في الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تُوصل صراخها ونداءها واستغاثتها للحكام والمسؤولين ..وربما لأن رجل الإعلام هو أول إنسان ملتصق بالناس ويعيش معهم ويعرف آهاتهم وآلامهم وأوجاعهم ونكباتهم ويتحسس حصراتهم ويستمع لزفراتهم ..وربما أيضا لأن رجل الإعلام هو الشعرة الوحيدة التي يمسك بها المواطن للنجاة من غبنه وحيفه ومعاناته ..وربما لوقت قريب كان رجل الإعلام ملاذا للمغبونين والمسحوقين والمظلومين والمحقورين والمطاردين والمهجرين والفارين من الظلم والفقر والجوع ..فكيف بين عشية وضحاها يتحول إلى معاون لصاحب السلطة على قهر المواطنين وزيادة حرمانهم بالتغطية على الفشل والإخفاق ..بل مشاركة المسؤول أيضا إذلال الناس وحرمانهم من حقوقهم أو إنكارها والتغطية عليها. ***** ولأن الإعلام كان وما يزال صوت المواطن أو صوت من لا صوت له ،فإن المواطن الغلبان لا يُلام حين يُهاجم ويندد بأهل الصحافة ..ولا يلام حين يعبر عن الشعور بالخذلان والخيبة من قطاع يعد همزة وصل بين الحاكم والمحكوم فكيف يكون حال الناس حين تُصاب هذه الوسيلة بالصدأ وينخرها السوس والغش والتحايل ويداهمها التآمر والخداع ..من يحمى حمى المواطنين إن لم يكن رجل الإعلام في كل مكان ..كيف بمن وُكل برفع صوت الناس يتحول إلى جلاد يجلد المواطن أكثر من صاحب السلطة ..كيف لا يتألم ويصرخ المواطن وهو يرى الصحفي وصاحب القلم وحامل الكاميرا يتآمر عليه بل يذله في بعض الأحيان ويزيد إلى مأساته مأساة أخرى ..كيف تصبح مهمة نبيلة كالصحافة تقوم بأدوار تزيد من معاناة الناس وقهرهم وبؤسهم ..أي صورة للإعلام إن كانت الصورة بهذا الشكل المخزي في أذهان المواطنيين . ***** إن صرخة الناس في وجه الإعلام وثورتهم على رجل الإعلام له دلالة ورسالة بالغة الوضوح والدقة ،بأن الإعلام الذي لا يكون في صف الغلابة هو إعلام مفلس ،تحول إلى جزء من الخيانة التي يتعرض لها الناس في حياتهم ومعاشهم وكرامتهم ..والإعلامي الذي لا يتصدى للمنكر والتعدي والظلم والتعفن ويتحول إلى بوق للسلطة يغطي على المسؤول ويسحق المواطن هو إعلامي فقد مهنته وخانها .. بل فقد نبلها ونصاعتها وشرفها ..وما لم يقم أهل المهنة الحقيقيين الشرفاء بالواجب في إرجاع هيبة الصحافة كسلطة رابعة وإعادة قيمة رجل الإعلام في أذهان الناس فإن المستقبل سيكون سيئا وقاتما على الجميع ..وساعتها لن ينفع الندم .