رحيل البابا شنودة يشكل كيوم انتخابه لرئاسة كرسى البابوية علامة فارقة فى التاريخ المصرى.. شئنا أم أبينا كان رجلا مثيرا للجدل، انتهج منذ خلافته للبابا كيرلس السادس عام 1971 منهجًا صداميًا مع الدولة قائما فى الأساس على ما يراه حقوقا للمسيحيين محرومين منها، وعنصرية طائفية تمارس ضدهم. فى عهده الذى امتد نحو 40 عامًا، وصلت الحالة الطائفية إلى أقصى درجاتها، نتيجة للشعور المتزايد لدى المسيحيين بالغبن والتفرقة. وفى السنوات الأخيرة وصل إحساسهم بذلك إلى التظاهر والاعتصامات والصدام المباشر مع سلطات الدولة. كان البابا شنودة يرى أن هذا واجبه تجاه رعاياه الدينيين.. وكان الرئيس الراحل أنور السادات الذى اصطدم به بعنف يعتقد أنه تجاوز الرعاية الدينية إلى الرعاية السياسية، وجعل من نفسه رئيسًا للمسيحيين توازى سلطاته رئيس الجمهورية. وصل الصدام بينهما إلى ذروته فى سبتمبر 1981 بإبعاده من الكرسى البابوى وتحديد إقامته فى الدير بقرار جمهورى.. ولم يسبق لحاكم مصرى أن اتخذ قرارا من هذا النوع ضد الجالس على الكرسى البابوى، فعبر ذلك وقتها عن الأوضاع الجديدة التى تسبب فيها البابا شنودة. لكن القريبين من الاثنين – البابا والسادات – يؤكدون أن الأخير غضب من القرارات السياسية لبابا الأقباط، فقد رفض زيارة الرئيس الراحل للقدس واتفاقية كامب ديفيد ومنع المسيحيين المصريين من زيارة القدس. الدور السياسى للبابا الذى أغضب السادات، طلبته وألحت عليه الدولة فى عهد مبارك لتهدئة أقباط المهجر الذين تحولوا فى عهد بابويته إلى قوة ضغط شديدة ومؤثرة فى الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. كان يتدخل لاحتواء الأحداث الطائفية أو الاحتجاج عليها بالانعزال فى الدير، وقد أثارت تدخلاته غضب بعض المسيحيين الذين اعتبروه يساير للدولة ويتنازل لها على حسابهم.. كما أغضب المسلمين الذين ينظرون إليه على أنه مسئول مسئولية مباشرة عن كثير من المشاكل الطائفية، ووصل غضبهم إلى ذروته فى قضية وفاء قسطنطين، متصورين أن نظام مبارك قدم للبابا تنازلات كبيرة تمثلت فى تسليمها للكنيسة، وهو التصور المستمر عند عدد كبير حتى الآن. لا يمكن إغفال أن طموحات البابا شنودة كانت كبيرة حتى قبل اعتلائه كرسى البابوية، وأنه منح ثقلا سياسيا لكرسيه لم يكن موجودا فى عهود أى من أسلافه البطاركة. رحيله يأتى فى ظروف صعبة للدولة وللشعب المصرى وللمسيحيين بوجه خاص. فمصر على أعتاب الجمهورية الثانية وكتابة عقدها الاجتماعى الجديد متمثلا فى الدستور، فهل سيهدئ موته من الطموحات المتزايدة أم سيزيد من التوترات الطائفية باعتبار أن قدرة البابا شنودة على احتوائها بالكاريزمية التى يمتلكها بين الأقباط، قد لا تتوفر فى خليفته. [email protected]