من مفارقات العصر الذى نعيش فيه أن رجال النظام السابق مازالوا يسيطرون على مقاليد الدولة، ويرون أن الدولة سترجع إلى عهدها الأول إلى نظامها السابق، كأن الثورة ما هى إلا مجرد زوبعة فى فنجان، وأن محاكمات رموز النظام السابق ما هى إلا تهدئة الرأى العام، وفى النهاية ستتم تبرئة الجميع من كل التهم، وأن جهاز أمن الدولة سيعود كما كان، وأقوى عما كان، وأن المحاكمات العسكرية ستكون سمة أساسية لكل من يعارض النظام الجديد (أبناء مبارك)، وأن الشهداء الذين سقطوا فى ميادين مصر مثلهم مثل شهداء عبارة السلام، وقطار الصعيد فيكفيهم حفنة من الأموال وعدة وظائف تمنح لأهاليهم ليتم غلق ملف الشهداء. أما الانتخابات الرئاسية سيتولى إدارتها رجال القضاة، الموالون لمبارك فمسئول اللجنة العليا للانتخابات كان عسكريًا وندب إلى القضاء العسكرى ثم تولى منصب مساعد وزير العدل للمحاكم المتخصصة، وهذا المنصب استحدثه له وزير العدل السابق "ممدوح مرعى" ثم تقلد رئيس المحكمة الدستورية العليا فى عام 2010 بقرار من "مبارك" الرئيس السابق المخلوع ليشرف على الانتخابات الرئاسية عام 2011 التى كان من المفترض أن يترشح لها "جمال مبارك"، والمثير للدهشة أن المجلس العسكرى جاء به شخصيًا ليتولى رئاسة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، كأنه جاء يكمل ملف التوريث من جديد. ونرى أن رجال النظام السابق مازلوا فى مناصبهم فى كل الأجهزة الحكومية المعنية، وهم متولون أغلب الحقائب الوزارية، ويؤيدون ويساندون رجال مبارك للوصول إلى سُدة الحكم، وليس عجيبًا أن يترشح "أحمد شفيق"، رئيس وزارة موقعة الجمل، الذى كان لا يعترف بالثورة وكان يتهكم على الثوار أثناء توليه رئاسة الوزارة، وكان يدافع عن معلمه "مبارك"، وكان يرفض المساس بجهاز أمن الدولة أو حتى حله، وفى يوم خروجه من الوزارة تم حرق وفرم وطمس وثائق أمن الدولة، وعندما يقول بأنه ممثل للشعب المصرى، وكأن الشعب المصرى مغيب عن سياسة دولته، فعندما يتحدث عن الثورة، فتيقن بأن نظام "مبارك" مازال فى سُدة الحكم بقوة، ويتربص بالمصريين ليعود بديكتاتورية مستبدة، فتجارب الثورات الدولية الأخرى تثبت أن الثورة إذا نجحت وأطاحت بكيان النظام السابق، فإن الدولة ستشهد تجربة ديمقراطية حقيقية، أما إذا الثورة عجزت عن الإطاحة بالنظام السابق، فإنه سيعود لسُدة الحكم بقوة ويمارس ديكتاتورية أسوأ مما كانت عليها الدولة، وذلك ليتشفى من هؤلاء الثوار الذين كادوا أن يسقطوه. وليس غريبًا أن يظهر "عمر سليمان" هو الآخر مرشح محتمل للرئاسة الجمهورية، فإذا كان الشعب رفضه فى ميدان التحرير والميادين الأخرى، وهتف ضده "إرحل إرحل ياسليمان مش عايزينك أنت كمان" فهؤلاء الثوار لا يمثلون الشعب المصرى؛ لأن التحرير والميادين الأخرى من وجهة نظره لا يعبرون عن الشعب المصرى، وعندما تخلى هو الآخر عن منصبه كنائب لرئيس الجمهورية كان من أجل تهدئة الرأى العام لمرحلة لحظية وعندما تهدأ يعيد النظام دوره من جديد. وليس مضحكًا أن يعلن "عمرو موسى" الترشح للرئاسة مع أنه كان وزيرًا للخارجية لمدة عشرة أعوام وهى أول فترة قضاها وزيرًا للخارجية، كما صارت الخارجية فى عهده مثالاً للعفن والعطب، وهو كان من ضمن الوفد الذى وقَّع على اتفاقية الغاز للإسرائيل، وكان مكتبه مخصصًا فقط للوفود العربية والأجنبية، ولا يستقبل رعايا الجاليات المصرية فى الخارج، وعند ترشحه للرئاسة بدأ يطوف الشوارع، وعندما كان متولى الخارجية كان يوصد الأبواب أمام المصريين، وعندما تولى الجامعة العربية أضعفها وجعلها أداة طيعة فى يد دول مجلس التعاون الخليجى، ففى النهاية هو رجل من أعمدة النظام السابق. وعندما يتقدم "منصور حسن" هو الآخر للرئاسة فهذه فادحة أيضًا، فقد كان وزيرًا للإعلام فى عهد "السادات"، وكان ينكل بمعارضيه حينذاك، وقاسى منه "فؤاد سراج الدين" و"عمر التلمسانى" ، وجاء به "السادات" مستشارًا، وكان يعده نائبًا له مكان مبارك إلا أن القدر لم يمهله هذه اللحظة، ومن ثم أبق عليه مبارك ليكون أحد مستشاريه، الغريب أن بعض هؤلاء سارعوا فى تقديم أوراقهم للجنة العليا للانتخابات الرئاسية فى أول يوم لتقديم الأوراق مع أن مكاتب الشهر العقارى فى يومها هذا لم يكن لديها نماذج التوكيلات لمرشحى الرئاسة، وكأن الأمر مدبر مسبقًا، كما أن الإعلام الحكومى من الصحف مازال يجامل، ويعلن فى صفحاته بشكل غير مباشر دعمه لهولاء، أما المرشحون الآخرون لا وجود لهم سوى التشهير والتجريح بهم، فمازال الإعلام المصرى يسيطر عليه رجال مبارك. وكنت أنتظر أن يترشح "مبارك" الرئيس السابق المخلوع للرئاسة الجمهورية، فهو مازال فى نظر أحبائه رئيسًا للجمهورية، ومن ثم على "جمال مبارك" هو الآخر أن يترشح للرئاسة فهذه فرصته الأخيرة ليتولى الرئاسة والمسئولية التى أجلتها أحداث الثورة عامًا أو ربما عدة شهور، ربما يأتى يوم يستيقظ فيه الشعب المصرى ليرى بأن (مبارك وولده) ترشحا للرئاسة، ونرجع مرة أخرى إلى أيام مبارك ووراثة الحكم، وكأن الثورة كانت حلمًا؛ ولذا على الشعب المصرى أن يستيقظ قبل أن يعود النظام مرة أخرى، ويجهض ثورة يناير، وما علينا إلا الإصرار على استكمال الثورة والدفاع عنها وتقديم الغالى والنفيس لتحقيق مكتسباتها. [email protected]