يبدو أن مؤامرات نظام الرئيس اليمني المخلوع على عبد الله صالح الهادفة لإفشال المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي لن تتوقف عند حدود التواطؤ مع تنظيم القاعدة لتعزيز نفوذه في جنوب البلاد. ففي 14 مارس، طالب حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه صالح بتنفيذ اتفاق تم التوصل إليه العام الماضي بين الرئيس المخلوع واللواء علي محسن الأحمر الذي انشق عن النظام السابق والتحق بالثوار، يقضي برحيل كل عناصر الأزمة من قيادات عسكرية وقبلية عن اليمن. ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصدر مسئول في مكتب الحزب القول في بيان له إن اتفاقا بين علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر تم التوصل إليه العام الماضي في منزل نائب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي الذي أصبح لاحقا رئيسا للجمهورية، وقد نص على رحيل كل عناصر الأزمة من أجل استقرار وأمن اليمن. وأضاف" الاتفاق تم التوصل إليه قبل محاولة اغتيال صالح في القصر الجمهوري في صنعاء في 2 يونيو 2011 وتضمن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مقابل رحيل أطراف الأزمة وبينهم اللواء علي محسن صالح ووجهاء قبليون وقيادات في حزب الإصلاح المعارض من أبرزهم عبد المجيد الزنداني ومحمد اليدومي وعبد الوهاب الآنسي وحميد الأحمر ومنصور الحنق ومدحج الأحمر وهاشم الأحمر وحسين الأحمر ومحمد علي محسن". وتابع المصدر ذاته" التسوية التي التزم بها صالح بأن غادر السلطة طوعا تجعل المجتمع الدولي ملزما بتنفيذ الجانب الثاني المتمثل في مغادرة عناصر الأزمة الأخرى". وبالنظر إلى أن أنصار صالح مازالوا يتولون مناصب أمنية وعسكرية رفيعة، فقد حذر كثيرون من أن مطالب حزب المؤتمر الشعبي العام السابقة من شأنها أن تتسبب في اندلاع مواجهات جديدة بين القوات الموالية للرئيس المخلوع وقوات اللواء علي محسن الأحمر، خاصة أنه لم تتم بعد هيكلة الجيش اليمني المنصوص عليها في المبادرة الخليجية، ولا يزال كل طرف يسيطر على وحداته العسكرية. ولعل ما يضاعف من خطورة المطالب السابقة أنها تزامنت مع اتساع نطاق هجمات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن وما صاحبها من اتهامات لأنصار صالح في المؤسسة العسكرية بالتواطؤ فيها لإفشال المرحلة الانتقالية وتمهيد الطريق أمام عودة الرئيس المخلوع للسلطة مجددا. ففي تقرير لها في 11 مارس، أشارت مجلة "التايم" الأمريكية إلى أن الهجمات الدامية التي شنها تنظيم القاعدة على مواقع للجيش اليمني في منطقة الكود في محافظة أبين في جنوب البلاد في 4 مارس تزامنت مع إقالة الرئيس اليمني المنتخب عبد ربه منصور هادي للقيادي العسكري مهدي مقولة، أحد المقربين من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وأحد كبار قادة القوات الحكومية في جنوب البلاد. وتابعت المجلة"رغم أن صالح غادر القصر الرئاسي، فإنه ما زال يترأس حزب المؤتمر الشعبي العام، ولديه أقارب في كافة المناصب العليا في الجيش وجهاز الأمن"، مشيرة إلى أن القوة المتنامية للقاعدة في الوقت الراهن تجعل صالح يبدو أكثر قوة وتساعده في أن يظهر نفسه مجددا على أنه الوحيد القادر على مواجهة التنظيم. وبالنظر إلى أن ما سبق يهدد بإشعال الأوضاع في اليمن، فقد طالب كثيرون بالإسراع بهيكلة الجيش اليمني لمواجهة المؤامرة السابقة، حيث حذر رئيس مركز "أبعاد" للدراسات في صنعاء عبد السلام محمد في تصريحات صحفية في 13 مارس من أن حدوث الفشل الأول في الفترة الانتقالية المتمثل في عدم إعادة هيكلة الجيش سيؤدى إلى تأثيرات كبيرة على المدي القريب والمتوسط والبعيد، وإلى تداعيات أمنية وعسكرية مريعة. وأضاف أن عدم إجراء الهيكلة خلال المدى القريب يعني استمرار محاولات صالح وأقاربه الاستفادة من مقدرات الوحدات العسكرية لإحداث إزعاج أمني لحكومة الوفاق، وسيؤدي على المدي المتوسط إلى مزيد من التناحر والانقسامات في الجيش ومواجهات عسكرية. كما حذر من الخطر الاستراتيجي الأكبر على اليمن والمحيط الإقليمي والدولي وهو أن عدم الهيكلة سيؤدي إلى إضعاف وتمزق الجيش وتحول أعضائه إلى عصابات مسلحة، نظراً لحالة السخط السائدة بين أفراد المعسكرات، وحالة عدم الرضي سواء المعنوية أو المادية أو القيادية. وأكد رئيس مركز أبعاد للدراسات في هذا الصدد أن الهيكلة علاج استراتيجي لإضعاف تيارات "العنف والإرهاب" في البلاد، وأنه بدون ذلك ، ستتراجع الثقة في جدية المبادرة الخليجية للانتقال السلمي للسلطة، ما يعزز الإحساس لدى الثوار بإمكانية عودة صالح للسلطة أو تفجر الأوضاع الأمنية. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن إعادة هيكلة الجيش تمثل أبرز التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق، ولذا لا بديل عن الإسراع بتوحيده تحت قيادة واحدة بعد إزاحة أنصار صالح من مناصبهم لتجنيب اليمن الانفجار.