صحيح أن كثيرين من رموز الحزب الوطنى المنحل تورطوا فى الفساد السياسى والمالى، الذى عم البلاد والعباد فى ظل النظام الساقط.. لكن الصحيح أيضا أن كثيرين ممن يدعون رموز المعارضة تورطوا فى هذا الفساد وكانوا جزءا منه وتكسبوا من ورائه بشكل أو بآخر. بعض هؤلاء الذين يدعون رموز المعارضة كان من صناعة النظام نشأ فى حضنه وتربى على عينه وبعضهم كان لديه جاذبية خاصة نحو السلطة يعارضها فى النهار ويبيت فى فراشها ليلا كان يؤدى دورا مرسوما له فى مسرحية تعرض أمام الشعب من باب استكمال الديكور الديمقراطى وبعضهم كان ولاؤه للنظام وحرصه عليه أشد من ولاء دراويش النظام البارزين على السطح. ومن حق فلول الحزب الوطنى اليوم أن يدافعوا عن أنفسهم وعن حزبهم المنحل وعن مستقبلهم السياسى الذى صادرته الثورة وصادرت معه النفوذ والسلطة والثراء المالى الفاحش، ومن حقهم أيضا أن يشيروا إلى رموز المعارضة الذين تورطوا معهم فى الفساد سواء فيما يتعلق بشراء أراضى الدولة أو الحصول على امتيازات خاصة وتسهيلات أو تزوير الانتخابات فقد كانوا جزءا من النظام الفاسد بكل آلياته وكانوا أقرب إلى رأس السلطة رغم لافتات المعارضة، التى كانوا يعلقونها على صدورهم. وإذا كان من العدل أن يحاسب ويحاكم فلول الحزب الوطنى على ما ارتكبوا من فساد وتزوير فمن العدل أيضًا أن يحاسب ويحاكم كل من دخل دائرة الفساد من المعارضين الذين حصلوا على مكاسب رهيبة بطرق غير مشروعة وحققوا ثروات طائلة لا تتناسب مع مستولى دخولهم المعلنة وفى كل الأحوال يجب أن يطبق على هؤلاء وهؤلاء قانون "من أين لك هذا"؟ لماذا نطرح هذا الأمر الآن؟ لأن رموز المعارضة إياها الذين يعرفهم الناس بسيماهم يزايدون اليوم من أجل البقاء تحت الأضواء واكتساب الشرعية الثورية وإسدال الستار على ما فات.. وعفا الله عما سلف. ويقينى أن هؤلاء سوف تنكشف حقيقتهم كاملة، أمام الشعب فى يوم ما.. طال الزمن أم قصر والقاعدة تقول إنك لاتستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، لكنك فقط يمكن أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت لأن الحقيقة ستظهر حتما.. ولذلك لا يخالجنى شك فى أن محاكمات وشيكة سوف تأتى بعد أن تنتهى محاكمات الحيتان الكبيرة الموجودة الآن فى طره وفى تلك المحاكمات القادمة ستكون هناك فصول مثيرة عن فساد المعارضة. المصريون يدركون بحسهم السياسى الفطرى الذى لا يخطئ أن هناك من الأسماء الشهيرة واللامعة فى خندق المعارضة التى كان يقال عنها المعارضة المشروعة من لعب أدوارا فى الفساد والتزوير والتمويه على الشعب أسوأ بكثير جدا من الأدوار التى لعبها من يحملون اليوم لقب الفلول وهناك من كانت له أدوار مرسومة فى سيناريو التوريث وكان على علاقة وثيقة بولى العهد وبدت عليه أمارات السلطة مبكرا بالقرب من صانع القرار الجديد ونجم السلطة البازغ. بل إن هناك من أعضاء الحزب الوطنى من يحمل البراءة كاملة فى ضميره من الفساد والتزوير بينما هناك من المعارضة المشروعة من غرق فى هذا الفساد والتزوير اختياريًا حتى أذنيه والحقيقة التى يجب الاعتراف بها أنه ليس كل من انتمى إلى الحزب الوطنى المنحل كان فاسدا وليس كل من انتمى إلى المعارضة كان طاهرا وبعيدا عن الفساد. هذا ليس دفعا عن أعضاء الحزب المنحل، ولكنه رصد للواقع فهناك من اختار الانضمام لهذا الحزب التعيس اقتناعًا بأنه الطريق الوحيد المضمون للحصول على المناصب والمواقع القيادية، التى يستحقها أو لضمان مقعد فى مجلس الشعب أو فى مجلس الشورى أو المجالس المحلية دون النظر إلى أى توجهات سياسية أو أيديولوجية ويظهر هذا واضحًا فى القرب القرى والمدن الصغيرة والنجوع وفى العائلات الكبيرة والقبائل والعصبيات التى تحرص دائما على أن تكون لها خطوط ممتدة مع السلطة أيا كانت هيئتها أو كان فكرها ضمانا للحفاظ على مصالحها ومكانتها ونفوذها. وعلى كل حال فإنه إذا كان فساد رموز الحزب المشئوم مكشوفًا للجميع إلا أن هذا الفساد يجب ألا ينسينا فساد من شارك فى جرائم النظام الساقط ودافع عنها أو سكت لتمريرها ومن عقد الصفقات ليقتسم الغنائم ويفوز بجزء من الكعكة المسمومة من رموز المعارضة. لا يمكن أن ننسى أبدا أن هناك من تلك الرموز الهشة من كان يهاجم الحكومة أمام كاميرات التليفزيون ثم يقبل أياديها ويلعق أحذيتها فى القاعات والغرف المغلقة والصالونات الوثيرة. وهناك فى المعارضة من كان يحرض على تزوير الانتخابات لحرمان منافسيه من دخول المجالس النيابية حسدا من عند أنفسهم ونكاية فى الرموز الوطنية، التى تتمتع بالشعبية والمصداقية. وهناك فى المعارضة من شارك مشاركة فعلية فى إفساد الحياة السياسية والاقتصادية وإفساد الصحافة ومن لعب دور المحلل وترزى القوانين وتآمر على العناصر الوطنية الحقيقية. وهناك فى المعارضة من شارك ومول وخطط لموقعة الجمل وقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، وهناك من لعب لحساب جهاز أمن الدولة المنحل وكان ناطقا باسمه. وبعد الثورة ظهرت صور ووثائق عديدة تكشف الخيوط الخلفية التى كانت تربط عناصر المعارضة برموز النظام الساقط، وهذه العناصر كانت فى الواقع أقرب إلى رموز النظام من كثير ممن ينتمون إلى الحزب الوطنى بالاسم أو فى الكشوف لكن لم تكن لديهم موهبة اللعب على الحبلين والسير فى اتجاهين والقيام بدور تمثيلى يخدع الشعب ويخدم مصالح أصحابه ويخدم فى الوقت ذاته رموز النظام وفساده. الغريب فى الأمر أن عناصر المعارضة الفاسدة ترفع صوتها الآن وتهاجم كل شىء فى البلد فى محاولة بائسة لإقناع الناس بأنها معارضة حقيقية، وقد يكون من الأفضل لهذه العناصر المزيفة أن تختبئ اليوم فى الجحور وتتحلى بشىء من الحياء وتدرك أنها معروفة ومكشوفة مهما بالغت وزايدت وحاولت الهروب من الماضى فلن يثق الشعب فيها ولن يصدقها حتى يأتى يوم الحساب الذى نرجو ألا يكون بعيدا.