يبدو أن الأستاذ مكرم محمد أحمد ورغم مرور أكثر من عام على سقوط نظام مبارك لا يزال مقتنعًا بأنه يمكنه أن يمارس نفس ما كان يمارسه إبان حكم الرئيس المخلوع من تلفيق التهم لمعارضى ذلك النظام وهو مطمئن إلى أن أحدًا لن يستطيع تكذيبه نظراً لقربه من رأس ذلك النظام ومن جهازه الأمنى. أقول ذلك بمناسبة ما نشر على لسانه فى حوار نشر بأهرام يوم الجمعة 9/ 3/2012 م من اتهامه لأبناء الدكتور عمر عبد الرحمن بأنهم كانوا يعملون تحت إمرة المخابرات المركزية الأمريكية مستشهداً بأنهم (أى أبناء الدكتور عمر) كانوا موجودين فى معسكر قلب الدين حكمتيار، الذى حصل - كما يزعم الأستاذ مكرم - على 2 بليون دولار من المخابرات الأمريكية. ولست أدرى كيف يستطيع الأستاذ مكرم أن يوثق واقعة حصول حكمتيار على هذا المبلغ؟ هل كان موجودًا وقت التسليم؟ أم أن المخابرات الأمريكية كانت تأتمنه على أسرارها فأخبرته بذلك الأمره؟ على كل حال أود فى هذه العجالة أن أقرر - من خلال قربى ومعرفتى القوية بابنىّ الدكتور عمر عبد الرحمن اللذين كانا قد شاركا فى الجهاد الأفغانى، وهما محمد الملقب بأسد الله وأحمد الذى كان يلقب بسيف الله - مجموعة من الحقائق فأقول: أولاً: إن ابنىّ الدكتور عمر عبد الرحمن لم يكونا كما زعم الأستاذ مكرم ضمن معسكر حكمتيار، وإنما كانا مع إخوانهم من أبناء الجماعة الإسلامية فى معسكر خاص بأبناء الجماعة سمى بمعسكر الخلافة ثم بمعسكر الشهيد صهيب، وقد كان معسكرًا لا يتبع أيًا من التنظيمات الأفغانية، وإن كان الإنصاف يقتضى أن أقول إن عبد رب الرسول سياف هو الذى كان قد ساهم فى إنشائه وتجهيزه، ومع ذلك لم يكن لسياف أى إمرة على من كانوا فى ذلك المعسكر، بل على العكس من ذلك لما انضم سياف إلى تحالف الشمال الذى كان معاوناً للأمريكان فى قتالهم لحركة طالبان فإن أبناء الجماعة قاتلوا وبلا أدنى تردد مع إخوانهم فى حركة طالبان؛ لأنهم رأوا أن واجبهم الشرعى هو الدفع عن أراضى المسلمين دون أية اعتبارات أخرى. ثانياً: الفترة التى شاركت فيها الجماعة الإسلامية فى الجهاد الأفغانى تعتبر من أخصب فتراتها، وقد أبلى أبناؤها فى ذلك الجهاد بلاءً حسنًا بشهادة جميع من كان فى الساحة يومئذ، وقد قدمت الجماعة الإسلامية العديد من الشهداء على أرض أفغانستان، وبعكس ما يعتقد الكثيرون فإن الهدف الرئيس من تواجد الجماعة فى أفغانستان لم يكن تدريب الأفراد من أجل الزح بهم فى مواجهة النظام المصرى، وإنما كان الهدف هو دعم الجهاد الأفغانى، ولذلك كانوا ومن بينهم ابنا الدكتور عمر يتسابقون على الدخول فى الجبهات الساخنة طلبًا للشهادة فى سبيل الله. ثالثاً: كان ابنا الشيخ عمر عبد الرحمن من أكثر إخواننا حباً للجهاد فى سبيل الله حتى إننا حاولنا ذات مرة أن نقنع الابن الأصغر أحمد بترك الجهاد مدة من الزمن نلحقه خلالها بالمعهد الشرعى وكان عمره وقتها لا يتجاوز الخمسة عشر عاماً فأبى إباء شديداً مفضلاً أن يبقى مع إخوانه فى ساحة القتال باحثاً عن الشهادة فى سبيل الله. رابعاً: مما يدل على عدم صحة ما زعمه الأستاذ مكرم ما أشرنا إليه سالفاً من مشاركة ابنى الدكتور عمر فى قتال القوات الأمريكية عند غزوها لأفغانستان، حتى إن الابن الأكبر محمد قد أسره الأمريكان وبعد التحقيق معه واعتقاله مدة من الزمن سلموه إلى مصر ليقبع فى سجونها بضع سنين، أما الابن الأصغر أحمد فقد بقى هناك إلى أن أكرمه الله بالشهادة على يدى الأمريكان أيضاً منذ أشهر قليلة، وإن أنسى فلا أنسى ما قاله لى الأخ الشهيد بإذن الله أحمد عمر عبد الرحمن حين هاتفنى من أفغانستان أو باكستان يستفتينى فى بعض المسائل الفقهية، فانتهزتها فرصة لإقناعه بالعودة إلى مصر لتقر أعين والدته وإخوته به، خصوصاً أن الأوضاع الأمنية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير قد أصبحت ملائمة لعودته، لكنه قال لى: أخشى أن يكون ذلك فراراً من الزحف فإنى أرى أنه ما دامت القوات الغربية الباغية متواجدة على أرض أفغانستان المسلمة فإنه لا يحل لمن حضر الصف مثلى أن يغادر ساحة الجهاد، فأقررته على ما قال واستودعته الله عز وجل، وبعد أسبوعين فقط من تلك المحادثة جاءنا نبأ استشهاده على يدى الأمريكان الذين يزعم الأستاذ مكرم أنه كان يعمل تحت إمرتهم، فيا أستاذ مكرم: من كان بيته من زجاج لا ينبغى له أن يقذف الناس بالحجارة.